تطرق الباحث أحسن ثليلاني، في كتابه ”المسرح الجزائري في ظلال الحركة الوطنية” الصادر مؤخرا عن منشورات الوطن اليوم، ضمن سلسلة المواطنة بسطيف، إلى تطور المسرح الجزائري في ظل الاستعمار وانبعاث الحركة الوطنية. وعبر صفحات الكتاب التي تجاوزت ال70 صفحة من الحجم المتوسط، تطرق إلى خمس نقاط في بحثه استهلها بالحديث عن الظروف التي واكبت الاحتلال الفرنسي من سياسة الاستيطان، والاجتثاث التي شبهها الكاتب بغزو التاتار لبغداد، والتي أغرقت الجزائريين في دوامة من الصراع مع الجهل والأمية، ثم عرج الكاتب على حالة الغليان التي اجتاحت الشعب الجزائري عقب فرض الخدمة العسكرية الإجبارية، والتي أدت إلى ارتفاع صوت النخبة الفرانكفونية. كما انتعشت الثقافة الوطنية عن طريق العلماء وولدت الصحافة الوطنية، والتجمعات السياسية المعارضة. هذه التطورات أفضت إلى تأسيس أحزاب سياسية، في طليعتها حزب الإصلاح للأمير خالد سنة 1919، ثم نجم شمال إفريقيا سنة 1926 وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست سنة 1931. هذه التطورات لخصها ثليلاني في نقطة ثالثة وسمها ب”معالم المقاومة الثقافية وأشكالها”، والتي ظهرت جلية في ميلاد النوادي والجمعيات والمنظمات الثقافية على شاكلة الجمعية الراشدية التوفيقية، نادي صالح باي والترقي اللذين اكتظا بالعلماء والمثقفين واشتهرا بالنشاط الأدبي والفكري. وفي حديثه عن الموضوع الأساسي”نشأة المسرح الجزائري في ظل الحركة الوطنية” ذكر الباحث أن الأمير خالد أدرك أهمية المسرح في توعية الأمة، فطلب من الممثل المصري جورج أبيض أن يرسل له بعض المسرحيات لتمثل بالجزائر، وأسس في نفس السنة ثلاث جمعيات فنية في العاصمة والبليدة والمدية، والتي قدمت على مدار سنوات العديد من العروض. كما لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل تطور إلى دعوة الفرق العربية لتقدم عروضها في الجزائر أحيانا منيت تلك المسرحيات بالفشل الذريع لعدم إقبال الجماهير على اللغة العربية الفصيحة، غير أن تلك الزيارات بعثت الحماس في قلوب المثقفين وبعض الطلاب فأسسوا جمعية المهذبة برئاسة علي الشريف الطاهر، فكانت تلك هي الإرهاصات الأولى لميلاد المسرحية الجزائرية. في 12 أفريل 1926 قدمت فرقة الزاهية مسرحية ”جحا” بقاعة كوريسال، حيث نجح ”علالو” في تقديم أول عرض مسرحي جزائري شعبي ممتع تحلق حوله المتفرجون وأعطى للمسرح قاعدته المسرحية الأولى في الجزائر، حيث أصبحت المسرحيات تميل إلى مخاطبة الشعب بالتطرق لمواضيع من التراث والتقاليد الشعبية والفلكلور العربي في نهاية بحثه، يقر ثليلاني بالدور الكبير الذي لعبته الحركة الوطنية في نشأة المسرح كسلاح ثقافي في وجه الاستعمار واجتثاث الهوية الوطنية المسرح، وكان فاعلا ومنبرا مهما خدم الحركة والوطنية والنهضة الجزائرية الحديثة.