في تدخلي على إحدى القنوات التلفزيونية الجزائرية الخاصة، تعليقا على الاعتداء على قاعدة تيقنتورين للغاز في اليوم الثاني من حدوث الاعتداء، قلت إن ما يصلحه أفراد الجيش الوطني الشعبي يفسده أشباه السياسيين بتصرفاتهم الرعناء. في خلال الثلاثة أيام الأولى من وقوع الاعتداء بدا وكأنه لا وجود لسلطة سياسية في الجزائر؛ تحركات واجتماعات المسؤولين على أعلى مستوى بالعواصم التي لها رعايا بالمنشأة النفطية الجزائرية قابلها الصمت المطبق أو الكلام العام وغير الدقيق من طرف السلطات الجزائرية. هناك أزمة اتصال حقيقية بالجزائر. السبب الرئيسي لهذه الأزمة يكمن في كون السلطة غير منبثقة ديمقراطيا وبكل شفافية من إرادة الشعب لذلك فهي تتعامل مع المواطنين بعقلية تسيير الدهماء أو الغاشي الذي لا يحق له الإطلاع على ما يجري ولا كيف يجري. هم لا يدركون بأن مواطن هذا الزمن لم يعد رعية عليه أن يقبل بكل ما يأتي من السلطة، وأن يرضخ لتعليمات وقرارات الزعيم، بل هو مواطن له رأيه وعندما لا تتوفر لديه معلومات كافية حول أي موضوع أو يمنع من إبداء الرأي فإنه يلجأ إلى وسائل أخرى وجهات أخرى ليستعلم لديها أو ليدلي فيها برأيه. في وقتنا هذا، تحولت بلاتوهات التلفزيونات إلى برلمانات مفتوحة يلجها كل من له رأي معين يريد أن يدلي به. هي قنوات تفاعلية الاتصال مفتوح فيها عن طريق الهاتف أو حضوريا، لكل من له خطاب من شأنه أن ”يجند” المتفرجين ويجعلهم يقبلون على هذه القناة دون غيرها. يقول المفكر والباحث الفرنسي (بول فيريليو) Paul Virilio معلقا على القوة التي اكتسبتها وسائل الاتصال خلال العقدين الأخيرين، بأنه لأول مرة في تاريخ المعارك الحربية تتغلب أسلحة الاتصال على التفوق التقليدي لأسلحة الدمار. من جهته، يقول (آلبار لونشون) Albert Longchamp بأن من يراقب الإعلام والاتصالات هو الذي يتحكم في الكرة الأرضية. في إطار التحكم في الكرة الأرضية، نلاحظ إعادة تقسيم جديد للنفوذ بحسب قوة الاتصال التي تملكها كل دولة. إنه ما يجعل صوت دويلة كقطر، مساحتها لا تزيد عن مساحة نقطة على الخارطة الجغرافية للعالم، يرتفع ليصم آذان حكام العالم العربي كلهم ويدخل الرعب في قلوبهم ويجعل شعوبا عربية كانت أسودا في ميادين الحرب بالأمس ينطفئ بريقها ويزول تأثيرها. لقد خلقت قنوات تلفزيونية معينة تيميشوارا، وتمكنت من تضليل الرأي العام الروماني وأسقطت نظام شاوسيكو، كما ساهمت قناة السي آن آن في توجيه الرأي العام الغربي أثناء الحرب الأولى على العراق، واليوم تساهم قنوات عربية في الترويج لانتفاضات دون أخرى في المنطقة العربية وتسلط أضواءها على بلدان عربية معينة متجاهلة، في نفس الوقت، مظاهر القمع والتمييز الجنسي وعدم احترام حقوق الإنسان في دول عربية أخرى. هذا لا يعني أبدا أننا نحمل القنوات التلفزيونية الأجنبية المسؤولية في ما حدث أو يحدث في المنطقة العربية، بل نريد فقط التأكيد على أن لكل قناة خطها الافتتاحي ولأصحابها مصالحهم التي على القناة الدفاع عنها. الصحف والقنوات التلفزيونية الأجنبية هي مملوكة لأفراد وأحزاب ومؤسسات ودول لها مصالحها وأهدافها، وبالتالي لا يمكن أبدا تصور وجود وسيلة اتصال واحدة، في العالم، يمكن أن نقول عنها إنها حيادية. الحياد غير موجود إطلاقا في الصحافة، لكن ذلك لا يعني أن هذه الوسائل يمكنها أن تكذب أو تزور أو تبالغ، هي لا تفعل ذلك، لكنها تضلل بوسائل ملتوية وتجانب الحقيقة من خلال التركيز على الجزئيات أو على الشاذ في العملية كلها. الإمكانيات المعتبرة التي توضع تحت تصرف القنوات الدولية، وكذلك كفاءة العاملين بها، والكم الكبير من الحرية التي تتمتع بها في تناول الموضوعات والقضايا المطروحة، كل ذلك يجعل الرأي العام لدينا يرتبطا بهذه القنوات، ويتعلق بها، ويصدق ما تأتي به وما تروج له ويأخذه على أنه حقيقة لا يدخلها الشك. لا يختلف اثنان عاقلان في أن الجزائر مهددة اليوم من كل جانب، أطرافها غير مستقرة، قوات أجنبية (غير صديقة) على حدودها، تعرضت لإرهاب فظيع ومع ذلك لم تستنتج الدروس التي تؤهلها لوضع إستراتيجية لمرحلة ما بعد الإرهاب. تعيش حالة من التوتر الاجتماعي والسياسي النقاش الجاد حول القضايا الوطنية انتقل إلى بلاطوهات أجنبية وفق أجندات وسائل إعلام أجنبية.. الوضع الناشئ على الحدود، مع غياب منظومة إعلامية واتصالية ذات كفاءة ومصداقية وانعدام وسائل الترويج لصورة الجزائر في الخارج، يضاف إلى ذلك انتشار الفساد بكل أنواعه، ضعف الجبهة الوطنية وتفككها، تغييب كامل للنخب الوطنية النظيفة والنزيهة، تحول الأحزاب إلى مجرد أبواق ولجان للمساندة والتمسك بمسؤولين أثبتوا فشلهم على كل المستويات.. كل هذا يجعلنا نصرخ بأن بلدنا في خطر حقيقي وأن وحدته الترابية لم تكن أبدا مهددة كما هي عليه اليوم، فهل من مدرك لذلك؟