”لقد تأسفت كثيرا عن غيابي عنكم قرائي الأعزاء، لأني كنت أريد مراسلتكم من تونس، ولكني تعرضت لقرصنة تقنية فمعذرة..” كم تأسفت وتأثرت عند تلاوة البيان الختامي للمنتدى الاجتماعي العالمي ”فضاء مشرق/ مغرب” في نهاية الأشغال التي توجت دورته التي انعقدت بالعاصمة التونسية أيام 28، 29 و30 مارس 2013، البيان الذي لم أستطع كفرد تعديله في ظل سيطرة شرسة لتوجه أحادي، تناول محور الثورات ومسارات النضالات المجتمعية من أجل الكرامة والحرية والديموقراطية والعدالة الانتقالية في المنطقة المغاربية/ المشرقية كأرضية للتنديد بممارسات السلطة الجزائرية، لكن أكثر ما أثارني في هذه الصياغة، هو ترتيب التنديد بالجزائر لسياستها ”بالمنع في المشاركة في المنتدى” التي تعرض لها الوفد الجزائري عبر الحدود البرية (الجزائريةالتونسية)، والتي جاءت مباشرة في الترتيب بعد التنديد بالتسلط الصهيوني على الشعب الفلسطيني. تنديد مر بسهولة لغياب الوفد الجزائري الرسمي عن أشغال تلك الصبيحة، وبسبب خطإ الجزائر غير المدروس للمنع، وبسبب التسلط على الجلسة من مجموعة كبيرة من المغاربة الذين انتظموا بقوة لتمرير الصياغة النهائية للبيان، ولمنع الصحراويين من إضافة أية فقرة تخصهم لدرجة الشتم والتهديد وكأنهم كانوا في المغرب وليس في تونس. تكتل المغاربة هذا كان منسقا وواضحا في عدد المتناوبين على أخذ الكلمة في تلك الصبيحة، وفي سيطرتهم على الورشات المختلفة غيرها، وأيضا في سيطرتهم على الفضاء العام من خلال الخيمات المنصوبة والنشاط الميداني من موسيقى ومعارض وخطب وبيانات، وبطبيعة الحال هذا أمر إيجابي بالنسبة لهم كونهم استطاعوا أن ينظموا أنفسهم، وأن يستفيدوا من انتشارهم في الشبكات والمنظمات الدولية في ظل شراكتهم في برامج العمل والمساعدات الدولية الممنوحة لهم، مساعدات لا تمنعها عنهم دولتهم لكنها تستغلها لتنظيمهم في الدفاع عن أطروحاتها الإصلاحية وسياساتها المغاربية والدولية. تمجيد ل”الاستثناء المغربي”، استطاعت فيه تكتلات مغربية أن تنجح في إبراز أهمية تصالح المغرب مع ماضيه، ومقدرته على سن دستور جديد ونجاحه في مبادرة إصلاحات تاريخية.. لكن في المقابل سجل تنديد ضد الجزائر، وبرزت خيبتنا التنظيمية، وتأكد عقمنا في تنظيم أنفسنا أو إيجاد خيمة كغيرنا من الدول، لتشد الأنظار خبرية المنع وتظاهر وفد من الحقوقيين الجزائريين أمام سفارتنا بتونس. ما عدا ذلك، فقد نجحت تونس بإمكانياتها المحدودة أن تستقبل أكثر من 70 ألف مشارك مثلوا 135 دولة من مختلف دول العالم، من بينهم أكثر من ألف مشارك من المجتمع المدني، إلى جانب 4 آلاف جمعية تونسية. كما نجح المنتدى أن يطرح موضوعات هامة كمواضيع الانتقال الديموقراطي، التدبير السلمي للنزاعات، التكامل الإقليمي والمواجهة الشعبية للحكام، الحركات الاجتماعية ضد الظلم، جرائم سيطرة العولمة الليبرالية، تحديات بناء الشعوب المغاربية، تحركات الخريجين والعاطلين وحركات النقابات العمالية... مواضيع استمدت أفكارها من واقع الشعوب ومعاناة الطبقات الهشة ومطالب الحركات الاحتجاجية، والثورية في المناطق الساخنة في آسيا وإفريقيا وفي الدول العربية. أفكار وجدت أرضيتها في حركية الثورات العربية، التي احتلت المنصات والمواقع، وغذتها المطلبية العرقية من أمازيغية وكردية وتركية وحتى زنجية، والتي وجدت تميزها في المطلبية النسوية التي شغلت أغلب الورش، وعمت أوسع الفضاءات، طغت عليها مطلبية نسوية عربية قوية فوجدت دعمها في التضامن النسائي العالمي الفاعل. وكان قد سبق المنتدى الاجتماعي العالمي، انعقاد المنتدى العالمي للإعلام الحر في دورته الثالثة، أيام 24، 25 و26 مارس 2013.. تحت شعار ”إعلام حر: لخلق الديموقراطية والمواطنة”، هذا المنتدى الذي لم أر فيه حضورا لإعلاميي الجزائر، ولم أسمع لهم فيه صوتا لا بالسلب ولا بالإيجاب.. رغم أنه كان منتدى مواكبا للمنتدى الاجتماعي، وحاملا لمواضيع جد هامة منها: جلسة حول أوضاع ومشاكل الإذاعات الحرة في عدد من البلدان الإفريقية وبلدان أمريكا اللاتينية والعربية، وسجل شهادات لإعلاميي العالم العربي في ندوة خاصة تحت شعار ”حرية التعبير في مرمى الرصاص” التي ركزت على الاختطاف والتعذيب والاعتقال والمتابعات القضائية والتصفيات الجسدية للصحافيين خاصة في مناطق الثورة العربية. وكما ابتدأ المنتدى دورته بمسيرة كبيرة يوم 26 مارس، من شارع الرئيس بورقيبة إلى ملعب تونس الدولي، فقد انتهت الأشغال بمسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني بمناسبة يوم الأرض سار فيها المشاركون يوم 30 مارس، من ساحة 14 يناير إلى مقر سفارة فلسطين.. وللحديث بقية...