ثمة علاقةً جدلية تكاملية بين الإبداع والنقد، فالإبداع يتقهقر بالتأكيد حين يغيب النقد، كما أن النقد بالمقابل لا قيمة له بالمرة في غياب الإبداع، بحكم أنّ مادة الناقد التي يشتغل عليها هي الأدب، وهذا، بغض النظر عن أدواته المنهجية النقدية التي يستخدمها في ممارسته النقدية، وهو ما يتطلب مني بدءا تحديد مفهوم النقد ووظائفه وآلياته ولو بإيجاز. مفهوم النقد ووظيفته في مقدمة كتابه النقد الفني يرى نبيل راغب أنّ ”النقد الحديث يعتمد أساسا على التحليل المنهجي للأعمال الأدبية،ولا يجنح سواء إلى المدح والتقريظ أو الذّم والهجاء، بل يضع هذه الأعمال تحت ضوء هادئ وفاحص بعيدا عن الحماس أو التعصب أو التحيّز، ويتخذ الناقد الموضوعي من العمل الفني نقطة انطلاق تعتمد عليها كل العناصر الداخلة في تشكيله”، هذا يعني أنه يتوجب على الناقد أن يكون محايدا تجاه النص وتجاه صاحبه، بالفصل بين علاقته بالنص بوصفه ناقدا وبين العلاقة الشخصية أو الأدبية التي تربطه بصاحب النص خارج النص، فيبقى مؤقتا بعيدا عن كل التأثيرات التي من شأنها أن تحيد بعمله النقدي عن الموضوعية التي تتطلبها الممارسة النقدية. من هذا المنطلق، أسعى إلى تحديد أبرز مشكلات النقد الأدبي الجزائري في علاقته بأدب الشباب بصفة خاصة،وبالأدب الجزائري بصفة عامة كما تبدو لي، ومن تلك المشكلات ما يأتي: تمركز النقد الأكاديمي في دائرة مغلقة أو شبه مغلقة استعير هنا مصطلح التبئير (Focalisation ) لوصف وضعية النقد عندنا في الجزائر - في علاقته بالأدب الجزائري - إذ يكاد يكون محصورا في البحث الأكاديمي الذي لا يكاد يغادر المكتبات الجامعية التي تودع بها البحوث كرسائل الدكتوراه والماجستير ومذكرات الماستر. وأكثر ما ينصب عليه الاهتمام، هي تلك المدونات التي عرفت شهرة كبيرة لأدباء لهم خبرة إبداعية طويلة،وهذا شيء مشروع، لكن هذا التبئير النقدي المركّز هو من ناحية أخرى صورة من صور التهميش لنصوص جيل جديد من المبدعين، يملك طاقة ابداعية خام تبشر بمستقبل أدبي واعد، ولكنها طاقة لم تستثمر في مجال النقد لتوجيه وتطوير أدب الجيل الجديد، الذي يعتقد بعضهم في غياب النقد الذي يوجهه أنه بات يملك ناصية الإبداع، فيرى في تأليف الرواية أمرا يتطلب موضوعا ما وحبكة كيفما شاءت، وشخصيات تتحاور وتتواصل وفضاءات تجمعها وأزمنة وكفى، وعادة ما يكون السارد هو صاحب النص ذاته مقنعا بأقنعة تمويهية. إن غياب المتابعة لنصوص الجيل الجديد، جعلتنا إزاء نصوص كثيرة تكرر نفسها، نص يحاكي نصوصا أخرى حداثية عادة، نتيجة التأثر بالقصائد الحداثية أو المعاصرة بصفة عامة، في إطار يبعدها عن أن تكون إبداعا شخصيا ذاتيا،فنجد في الشعر على وجه الخصوص النغمة النزارية أو الدرويشية أو الأدونيسية تكاد تطغى على القصيدة الواحدة، مع غياب المعادل الموضوعي بين التجربة الذاتية والتجربة الفنية في نصوص كثيرة، فالشعر كتابة ولكنه ليس أية كتابة كما يقول أدونيس، وقياسا على ذلك أقول : الرواية كتابة ولكنها ليست أية كتابة. وهنا يأتي دور الناقد ليكشف عن مواطن الشعرية واللاشعرية في النص الشبابي ملفتا الانتباه إلى العيوب التي تفقد النص الشعري شعريته والنص السردي سرديته، فإذا أخذنا على سبيل المثال فن كتابة الرواية، وجدنا أن معظم الروايات الشبابية المنشورة لم تحظ بالنقد والدراسة اللهم إلا ما يكتب عنها في الركن الثقافي في صفحات الجرائد أو الفايسبوك في حيّز ضيق لا يتسع لإبراز خصائص النص وآليات بنائه. النقد والأحكام المسبقة إن التهميش النقدي الأكاديمي السالف الذكر،قد يكون مرتبطا في وجه من أوجهه كما اعتقد بالأحكام المسبقة التي تنزح إلى الحكم على النص قبل نقده، انطلاقا من الوضعية العامة لنصوص أخرى بوصفها غير ناضجة أو رديئة على مستوى الإبداع، ومن ثم فهي لا تصلح كما يرى البعض لأن تكون مادة بحث أو كتاب في النقد، فتبقى دراسة النص مؤجلة إلى حين يلقى شهرة واسعة. وجود مسافة بين الناقد والمبدع وبين الناقد والنص هذه التصور أوجد في النقد على الطريقة الجزائرية كما اأتقد مسافة بين ناقد ينفر من النص الذي لا يرى أنه قد بات مؤهلا للنقد وبين مبدع يسارع إلى إصدار نص تلو الآخر أو ديوان تلو ديوان أو رواية بعد الأخرى دون تطوير لتجربته. وهذا قد يؤدي إلى الغرور أو التوقف عن الإبداع أو تغيير الوجهة إبداعيا، لذا، وهذا ما أشرت إليه في مداخلتي في طبعة الملتقى الأولى بخصوص الأدب الرقمي الجزائري، أن معظم مبدعينا وجدوا في المواقع العربية الأدبية غير الجزائرية فضاء للإبداع والعناية النسبية من حيث المتابعة النقدية، وإن كانت في عمومها عبارة عن نقد انطباعي لا يتجاوز حدود عرض ملاحظات أو احكام انطباعية عادة ما تشوّهها المجاملة المبالغ فيها. النقد ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية إن المتتبع للحصص الثقافية في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية يلاحظ من ناحيته تهميشا قد لا يكون مقصودا لفئة الجيل الجديد من المبدعين، كما نلاحظ نقصا فادحا في الحصص التي تعرّف بالأدب الجزائري بعيدا عن الدقيقات التي تسخر لتقديم عمل إبداعي رواية أو شعرا أو التغطية الأدبية المناسباتية كتلك التي نشهدها طيلة افتتاح معرض الكتاب الدولي، والذي يؤخذ على منظميه تمركزه في العاصمة منذ افتتاحه، وهذا في حد ذاته قد يعيق العديد من النصوص الإبداعية من الوصول إلى القارئ في مناطق جزائرية شتى،مع وجود مشكلات النشر والتوزيع فضلا عن مشكل القراءة في حد ذاته. عبد الغني بن الشيخ