بعد البرقية المقتضبة التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية، مساء السبت، حول تعرض الرئيس لأزمة ”إقفارية”، والتي طمأنت بشأنها الجزائريين أنها لم تؤثر على قدرات الرئيس، لم يعد مرض الرئيس طابو من طابوهات السلطة، ولم يبق حبيس الصالونات السياسية وإنما صار أمرا واقعا، لزم التعامل معه بالجدية التي يتطلبها الموقف. فمرض الرئيس ليس كمرض أي شخص عادي، مرض الرئيس يعني التأثير على سير مؤسسات الدولة وأجهزتها، ولذلك فإن الإعلان بهذا الشكل المفاجئ عن تدهور صحته حتى من دون أن يسبق الأمر الإشاعات المعهودة التي كان الرئيس يجهد نفسه في كل مرة ليكذبها ويخرج من ”مخبئه” ليدحضها، وغالبا ما يأتي خروجه ليؤكدها أكثر. لكن إعلان، أول أمس، يفتح الطريق إلى كم من التساؤلات المشروعة، أولها هل الرئيس قادر اليوم على تسيير الدولة في هذا الظرف الدولي العصيب، أين تحيط ببلادنا بؤر وصراعات مصيرية في منطقة الساحل والشرق الأوسط، وأين يعيش الوطن العربي مخاضا غير مسبوق، سمي اعتباطا بالربيع العربي، وظروفا وطنية سادها تململ الجبهة الاجتماعية وموجة من الاحتجاجات، ضف إلى ذلك الصورة القاتمة على الوضع السياسي، بسبب أخبار الفساد التي غرقت فيها البلاد بصورة غي مسبوقة في سنوات حكم بوتفليقة. هل بوتفليقة قادر على الحكم اليوم؟ وهل نحن أمام ظرف يتطلب تطبيق المادة 88 من الدستور التي تنص أنه ”إذا استحال على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع”. وفي حالة مرض الرئيس، والطريقة التي شرح بها البروفيسور رشيد بوغربال، أول أمس، ”الوعكة” الصحية التي تعرض لها عبد العزيز بوتفليقة، يستحيل على المجلس الدستوري إثبات هذا المانع، فالمادة تحمي بشكل تعجيزي الرئيس من أي ”انقلاب” أبيض إن صح التعبير، لأنها تفرض أن يكون الاقتراح صادر بالإجماع، حول ثبوت عجز المعني عن ممارسة مهامه، التي هي غير واردة في الحالة التي أمامنا لأن تقرير الطب جاء مطمئنا. لكن ما زالت هناك سنة بما تحمله من إرهاصات ومن الأخبار غير السارة خاصة فيما يتعلق بقضايا الفساد التي تكون إحداها هي من أثرت بشكل مباشر على نفسية رئيس الجمهورية وتكون قد أدت إلى الوعكة الصحية محل الحديث. فهل الرئيس خلال هذه السنة في منأى عن وعكات أخرى؟ وكم تتطلب فترات نقاهته من وقت يبعده عن ممارسة مهامه؟ خاصة وأن الكل يدري أن الوعكة الصحية التي تعرض لها سنة ”2005” أثرت بشدة على الرجل، وأبعدته كثيرا عن الأضواء، ما فتح السبيل إلى الإشاعات والأقاويل التي تقول في كل مرة إنه عاد من الخارج من فترة نقاهة وعلاج، وهو ما لم تكن رئاسة الجمهورية تصدر بشأنه البرقيات، مثلما فاجأتنا به، أول أمس، قد يستشهد البعض بحالة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتيران، الذي أمضى عهدة رئاسية من سبع سنوات يعاني من سرطان البروستات أخفته الجمهورية عن مواطنيها، لكن الوضع في الجزائر غير وضع فرنسا، فرنسا لم تكن تواجه إرهاب مثل الذي واجهته الجزائر، ومؤسساتها الدستورية قوية واستقلاليتها مضمونة ولم تكن تعاني من الفساد مثل الذي ينخر الجزائر ولا من اقتصاد منها. فهل يكفي توكيل الرئيس مهامه إلى الوزير الأول، التي في الحقيقة يقوم بها منذ توليه منصبه في سبتمبر الماضي؟ أم أنه يجب تقصير هذه الفترة التي ما زالت تفصلنا عن أفريل 2014، وتمر إلي تنظيم رئاسيات مسبقة، تضمن لرئيس الجمهورية الركون إلى راحة مستحقة، وللبلاد انتقالا ديمقراطيا بعيدا عن أية انزلاقات مثلما كان يتوقعها المحيط الخارجي؟ التساؤل الثاني، وهو لا يقل أهمية عن الأول، وهي -للأسف- أن الوعكة الصحية التي تعرض لها رئيس الجمهورية، أول أمس، وضعت حدا نهائيا لمسألة العهدة الرابعة، التي كان الرئيس في الحقيقة يرفضها شخصيا، وقال ذلك بصريح العبارة في خطابه في ماي من السنة الماضية بسطيف بمناسبة 8 ماي عندما هتف له بعض الحاضرين ”عهدة رابعة”، فرد ”عاش من عرف قدره”، وقال ”نحن جناننا طاب”، لكن عاد الحديث حولها بقوة في بعض الأوساط والمنتفعين مما يسمى بمحيط الرئيس، وممن يخافون أنه في حال أعلن الرئيس صراحة عدم ترشحه لعهدة أخرى، تضيع مصالحهم المرهونة ببقائه أطول مدة في الحكم، وذهبوا حتى إلى تقديم شقيقه كمرشح بديل، وإن كان هذا الخيار سقط مع رياح الربيع العربي التي كنست مشاريع التوريث، خاصة وأن هناك من تساءل لماذا أصلا عهدة ثالثة؟! بقي التساؤل الأكبر، في هذه المناسبة المؤسفة؟ والذي يعني النظام ككل، فهل ذهاب بوتفليقة من أعلى هرم السلطة، سيجبر النظام على تغيير أساليبه؟ وهل نحن بحاجة فقط إلى تغيير رئيس، أم تغيير أساليب الحكم وإلى تغيير نظام بصورة شاملة؟! سؤال تصعب الإجابة عنه الآن، وسنختبر ذلك في الرئاسيات المقبلة، إن كانت السلطة تعلمت من أخطائها وأخذت في الاعتبار موجات التغيير الطارئة في عالمنا العربي؟!