التعريف بالكتاب: كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: هل يظنُّ المصريون أن رجال أوربا مع أنهم بلغوا من كمال العقل مبلغاً مكَّنهم من اكتشاف قوَّة البخار والكهرباء واستخدامها على ما نشاهده بأعيننا، وأن تلك النفوس التي تخاطر كل يوم بحياتها في طلب العلم والمعالي وتفضِّل الشرف على لذَّة الحياة، هل يظنون أن تلك العقول وتلك النفوس التي نعجب بآثارها يمكن أن يغيب عنها معرفة الوسائل لصيانة المرأة وحفظ عفَّتها؟ هل يظنون أن أولئك القوم يتركون الحجاب بعد تمكنه عندهم لو رأوا خيرا فيه؟- كلا وإن الإفراط في الحجاب بعد تمكُّنه من الوسائل التي تبادر عقول السُذَّج وتركن إليها نفوسهم ولكنها يمجُّها كلُّ عقل مهذب وكلُّ شعور رقيق. متى تهذَّب العقل ورقَّ الشعور؛أدرك الرجل أن المرأة إنسان من نوعه لها ما له وعليها ما عليه، وأن لا حقَّ لأحدهما على الآخر بعد توفية ما فرضته الشريعة على كلِّ منها لصاحبه إلاَّ ما يعطيه كلٌّ من نفسه بمحض إرادته، وحسن اختياره. متى تهذَّب العقل ورقَّ الشعور في الرجل؛ عرف أن حجاب المرأة إعدام لشخصها فلا تسمح له ذمته بعد ذلك أن يرتكب هذه الجريمة توسُّلا إلى ما يظنُّه راحة بال واطمئنان قلب. متى تهذَّب العقل ورقَّ الشعور في الزوج؛ وجد نفسه أن لا سبيل إلى اطمئنان قلبه في عشرة امرأة جاهلة، مهما كان الحائل بينها وبين الرجال. متى تهذَّب العقل ورقَّ الشعور في الرجل؛ أدرك أن الذي تشتاق إليه نفسه هو حبُ يصل بينه وبين إنسان مثله بحسن اختيار وسلامة ذوق، لا بمجرَّد نزعات الهوى ونزوات الشهوة؛ فيسعى جهده فيما يقويه ويشدُّ عراه، ويبذل ما في وسعه للمحافظة عليه. متى تهذَّب العقل ورقَّ الشعور في الرجل والمرأة لا تقتنع نفساهما بالاختلاط الجسماني وحده بل يصير أعظم همَّهما طلب الائتلاف العقلي والوحدة الروحيَّة. إن طبيعة العصر الذي نحن فيه منافرة للاستبداد، معادية للاستعباد، ميالة إلى سوق القوى الإنسانيَّة في طريق واحد وغاية واحدة. فهذا الطائف الرباني الذي طاف على نفوس البشر، فنبَّه منها ما كان غافلاً لابد أن ينال منه النساء نصيبهنَّ؛ فمن الواجب علينا أن نمدَّ إليهنَّ يد المساعدة، ونعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم:”اتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم”، ولا شيْ أدخل في التقوى من تهذيب العقل، وتكميل النفس، وإعدادها بالتعليم والتربيَّة إلى مدافعة الرذائل ومقاومة الشهوات، ولا من حسن المعاملة واللطف في المعاشرة؛ فعلينا أن نجعل الصلة بيننا وبينهنَّ صلة محبَّة ورحمة لا صلة إكراه وقسوة، وهذا ما تفرضه علينا الإنسانية، وتطالبنا به الشريعة،وهو مع ذلك فريضة وطنيَّة يجب علينا أداؤها حتى تكون جميع أعضاء المجتمع عندنا حيَّة عاملة قائمة بوظائفها.. .. (يتبع)