تتأرجح الأغاني الرياضية حسب حالة الفرق والمنتخبات الوطنية الرياضية، فإذا كانت في القمة فإنّها بلا شك تصنع الحدث وتبرز ك”تسونامي” في الساحة الفنية، بينما إذا تدهور مستوى الفرق الرياضية وتراجع أداؤها فإنّها تختفي لفترة لا محالة وقلّما ينتج الفنانون أغاني تشيد باللاعبين أو الفرق، رغم الخسارة أو عدم التأهل لحدث رياضي معين.. وبالتالي هو ما أعطى انطباعا لدى بعض المتخصصين في شؤون الكرة خصوصا والرياضة بصفة عامة، بأنّ الأغاني الرياضية ترتبط بمدى نجاح أو إخفاق المنتخبات الكروية، وهذا يحيلنا إلى الحديث عن الموجة الجديدة من الأغاني الرياضية التي اكتسحت المشهد خلال السنوات الأخيرة، حيث تعلقت أساسا بتأهل المنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم إلى كأس العالم بجنوب إفريقيا سنة 2010 وتأهله لمونديال البرازيل السنة المقبلة على حساب بوركينافاسو، في المقابلة الفاصلة التي جمعتهما الثلاثاء الماضي على أرضية ملعب تشاكر بالبليدة. تألق المنتخب الوطني أعاد الحياة للأغاني الحماسية العودة المميزة للفريق الوطني لكرة القدم بقيادة رابح سعدان في 2010، والمدرب البوسني الذي تولى العارضة الفنية للفريق الوطني منّ 2011، حيث تمكن من قيادة المنتخب الجزائري بجدارة إلى مونديلا البرازيل، رافقها الصعود مرتين إلى نهائيات كأس العالم ببلاد العم مانديلا وبلاد “السامبا” السنة القادمة موجة كبيرة من الأغاني الرياضية كان أبطالها شبان وكبار الفنانين الذي غنوا في الماضي للمنتخب والفرق الرياضية التي يناصرونها، بإعادة أغانيهم أو إنتاج أخرى خلال السنوات الأربع الأخيرة.. حيث حققوا أرقاما قياسية في نسبة المبيعات بعد توافد جماهير غفيرة على اقتنائها ومن مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية. لكن نجاحها وانتعاش سوق الفن من خلالها هذه الأيام التي تزامنت مع تأهل الجزائر إلى مونديال البرازيل بعد حالة الركود التي سجلتها منذ خروج أشبال رابح سعدان من كأس العالم بجنوب إفريقيا سنة 2010، عادت بعده اليوم إلى الواجهة لكن بلا روح ولا طعم.. بخلاف السنوات الماضية وأساسا إثر التأهل الثالث لكأس العالم بعد غياب دام 24 سنة عن أكبر تظاهرة رياضية في العالم، بعد واقعة أم درمان بالسودان والفوز التاريخي على “الفراعنة”. انتكاسات الأغنية الرياضية في 2004 والعشرية السوداء وعرفت الأغاني الرياضية بالجزائر، انتكاسات متوالية مثلتها سنوات التسعينيات المعروفة بالعشرية السوداء، أين لم يسجل لها أي ظهور وبروز في الساحة الفنية الجزائرية سوى فترة الفوز بكأس إفريقيا سنة 1990، فيما اقتصر بعضها على بعض الفرق المحلية التي تتوج بالبطولات المحلية أو كأس الجمهورية، لكن من دون صدى يذكر أو استمرار، وبالتالي فهي كانت مؤقتة. وممن تغنى بالفرق التي يناصرها الفنان مراد جعفري والفنان عبد القادر شاعو سمير السطايفي وغيرهم.. بينما من الوجوه الجديدة الشابة التي اقتحمت عالم الأغنية الرياضية إبّان الألفية الثالثة نجد الكثير على غرار فرق صنعت الشهرة هي “تورينو” التي تتغنى بفريق مولودية الجزائر، و”ميلانو” التي تغني لناديها المفضل اتحاد الجزائر، وفرق موسيقية أخرى بمختلف نواحي الوطن تعبر بطريقتها الخاصة عن فرحتها بتألق لاعبيها أو لاعبي المنتخب الجزائري. أمّا ابرز إخفاقاتها كان سنة 2004، في نهائيات كأس أمم إفريقيا بتونس ونهائيات ذات الكأس العام الماضي بعد الخروج من الدور الأول، حيث لم يسمع صدى الأغاني الرياضية، حيث كانت شبه غائبة عدا القلة القليلة منها.بالمقابل منحت الأغاني الرياضية الساحة الفنية إثر تأهل الجزائر لمونديالي 82 و86، طابعا خاصا، وأهم من غنوا في تلك الفترة فرقة البحارة التي قادها آنذاك الفنان صادق جمعاوي، حيث غنت الفرقة للفريق الوطني أغنيتها الشهيرة التي أعادها الفنان مع نخبة من وجوه الفن والتمثيل وبعض اللاعبين في الجزائر وهي أغنية “جيبوها يا لولاد”، التي دوت في سماء الفن، ولازال وقعها وكلماتها يرددها الجزائريون إلى غاية اليوم. انتشار مذهل وروح غائبة صبغت موجة هذه السنة من الأغاني الرياضية، استقرأت خلاله “الفجر” المشهد للوقوف على الظاهرة القديمة الجديدة التي ترتبط في غالب الأحيان بالفريق الوطني الجزائري لكرة القدم وانتصاره أو انهزامه على حدّ سواء، وهذا ما شكل حافزا قويا لكثير من الفنانين الشبان لولوج هذا العالم الظرفي والمناساباتي. مناجير دوبل كانون: الأغنية الرياضية ظرفية .. هو ما أكدّه مناجير فنان الراب الجزائري لطفي دوبل كانون، زينو، حين قال “الأغنية الرياضية ليست طابعا موسيقيا بأتم معنى الكلمة، حتى نستطيع الحكم عليه بل هي ظاهرة عابرة ولا يمكن إطلاق حكم على نجاحها أو فشلها. مبررا حديثه أنّها مناسباتية وظرفية لا تدوم استمراريتها نجاح أو خسارة الفريق الوطني لكرة القدم. فإذا تأهل إلى تظاهرة رياضية معينة ككأس إفريقيا أو كأس العالم مثلا، فإنها تنشط ومبيعاتها تزداد. كما يبرز الفنانون الذين يؤدونها في الساحة الرياضية والفنية معا، أمّا إذا لم يتأهل المنتخب الجزائري فإنّها تختفي ولا يكون لها أثر بالغ على الجماهير الجزائرية، حيث تتناسها مع الوقت ويكون تتذكرها والاهتمام والإقبال عليها مع ما يحدثه المنتخب من نتائج ايجابية. في سياق آخر يعتقد زينو أنّ الأغنية الرياضية لا تشكل حدثا مهما بخلاف باقي الأغاني الأخرى التي تغوص في نقل وكشف خبايا المجتمع الجزائري، إلا أنّها تستطيع التأثر بأي موضوع آخر مثل باقي الأغاني الاجتماعية الأخرى فقط كونها رياضية، فهي مقتصرة على الأحداث الرياضية غير أنّه لا يعني هذا أنّها لا تتطرق في طيات كلماتها إلى مواضيع مرتبطة بالواقع الاجتماعي الذي يعبر عن حالة الشباب اليوم. وفي السياق ذاته صرّح زينو بأنّ لطفي دوبل كانون لم ينتج أغان رياضية ولا يفكر في هذا الموضوع إطلاقا. الشابة صونيا وفرقتا “ميلانو” و”تورينو” تتربع على عرش الأغنية الرياضية من جهتها صنعت الشابة صونيا مع الشاب محفوظ الحدث في أغنية “وان، تو ثري، فيفا لالجيري”، التي رافقت صعود فريقنا الوطني على حساب الفراعنة إلى مونديل العم مونديلا سنة 2010. ولم تكن فرقتا “تورينو” وميلانو” أقلّ شهرة منهما، حيث استطاعا شدّ انتباه الجماهير الرياضية إليهما ويسيطرا على الساحة الفنية من خلال مجموعة من الأغاني أهمّها “لا لجيري بلادي ساكنة في قلبي”. وها هي اليوم تعيد الكرّة وتطلّ على الجمهور الجزائري مجددا بعد انحصرتا على أداء أغاني لناديي لاتحاد العاصمة ومولودية الجزائر، بباقة منوعة من الأغاني الرياضية الوطنية التي تزرع الروح في اللاعبين والحماس فوق الملعب.. حيث جمعت أصواتا من فناني راي شبان، على غرار بلال الصغير والشاب وحيد السطايفي الذي غنى مع ميلانو “برازيليا رانا جايين”. إلى جانب أغاني “بارا بارا”،” بلاد الخير” وأخرى مثل “جيت نزورك”. كما كان لفرقة “تورينو” الذائعة الصيت أثناء نهائيات كأس أمم إفريقيا 2013، بالشراكة مع باليرمو، وفرقة كاتانيا الأغنية الشهيرة “ماماميا ألجيري”، والتي أعادها كادار الجابوني بطابع الراي، بحكم أنّ أصل الأغنية من إنتاج كلمات وألحان فرقة تورينو، وكذا الأغنية المشتركة بين تورينو وميلانو بعنوان “الجزائر راهي ولات”، ورفقة الشاب خلاص “آلي جووي”، وغيرها من الأغاني التي ألهبت الشارع الجزائر في مناسباتين رائعتين. الشاب يزيد ودليلة يركبان الموجة.. كما ركب بعض الفنانين الموجة، على غرار الشاب يزيد الذي قدم أغنية جديدة عن المنتخب الوطني بعنوان “شرفتونا يعطيكم الصحة”، والشابة دليلة مع هواري القلب بأغنيتهما “آلي لي فير”، بالإضافة إلى أمين تيتي الذي سجل أغنية مع مغني الرب “كريم الغانغ” وسمياها ب”زعزع الفيلي الليلة الدفيلي”، وكذا الشاب سيفو الذي سجل “الخضرا ديمارات” و”ليفير في التابي واعرين”. بالمقابل فرقة نابولي سارت مع الركب بأغان عديدة منها “اليد في اليد يا ليجان”، “الخضرة لي لمتنا”، “يا الخضرا العبي”، “عيطو للصحافة يصوروا”، “يطلع علامنا في العالم كامل”، “لالجيري أنا نبغيك”، إلى جانب آخرين كثيرين عبر كل منهم بطريقته الخاصة إثر تأهل المنتخب الجزائري إلى كأسي العالم بجنوب إفريقيا والبرازيل. على ضوء هذه المعطيات والأغاني العديدة التي احتفت بتأهل منتخبنا الوطني إلى نهائيات كأس العالم بدءا من 82 باسبانيا إلى غاية مونديال 2014 بالبرازيل، بمجمل التأهلات الأربع، عرفت الأغاني الرياضية تحولا عجيبا طوال الأربع وعشرين سنة الماضية إذا لم نستثن مرافقتها للأندية المحلية، حيث اتسمت بالانتشار الواسع في أوساط الجماهير الجزائرية لتزداد مع اقتراب كل موعد كروي لهم للجزائر. فبين انتشارها وما تحمله من روح يبقى حداد الأغنية الرياضية مرتبط بانتكاسة المنتخب الجزائري لكرة القدم وانتعاشها بتألقه على الصعيد القاري والعالمي.