رغم أني لم أذهب إلى اليمن يوما، فإني لأسباب لا أتبينها بدقة، أشعر بتعاطف شديد مع الدولة اليمنية، ومع أبنائها، وينتابني حزن هائل، كلما واجه الإخوة هناك ضربة من ضربات الإرهاب الأعمى، الذي لا يريد أن يتوقف عن استهداف اليمنيين الأبرياء هذه الأيام. وحين قرأت في ”الشرق الأوسط”، صباح الاثنين 23 ديسمبر (كانون الأول)، للكاتب والمحلل السياسي البحريني محمد الغسرة، يقول إن اليمن لم يكن، يوما، هما لدول مجلس التعاون الخليجي، أحسست للوهلة الأولى بأن رجلا في البحرين يشاركني همي تجاه اليمن، أخيرا، وأنه لا يكتفي بأن يشاركني ما كنت قد كتبته على صفحات هذه الجريدة نفسها، عن الموضوع ذاته، قبل نحو عام من الآن، وإنما يذهب إلى حد إعلان رأيه، صراحة، وإلى حد تحفيز حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الست، بكل كلمات ممكنة، لعلها تمد أيديها لتنقذ صنعاء مما قد تكون ذاهبة إليه. اليمن، بلد حضارة في الأساس، وهو كدولة، يظل صاحب موقع مهم على الخريطة، ويكفي أن يكون رابضا عند باب المندب، الذي يصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، لنعرف أن موقعه يعني العالم كله، ثم يكفي أن نتطلع إلى أي خريطة للمنطقة، لنرى بأعيننا، أن اليمن جزء من الجزيرة العربية كلها، وأنه على جوار مباشر مع دولتين من الدول الست، هما المملكة العربية السعودية، وعمان، وأنه، رغم ذلك، لا يزال خارج منظومة المجلس، وخارج سياقه، وإطاره، وربما همومه على حد تعبير الأستاذ الغسرة، بما يجعلنا أمام ما يبدو تقصيرا في حاجة شديدة إلى استدراك سريع. إننا جميعا نذكر كيف أن دول المجلس كان لها دور لا ينسى إزاء اليمن، من خلال المبادرة الخليجية الشهيرة، التي أخرجت الرئيس السابق علي عبد الله صالح، من الحكم، بأقل خسائر ممكنة، بعد أن كانت هناك محاولات للفتك بالبلد كله، تحت لافتة ”الربيع العربي” الذي راح يتنقل من بلد عربي إلى آخر، منذ أن بدأ في تونس أول عام 2011، وكأنه عدوى! وقد كانت المبادرة الخليجية، في وقتها، بمثابة إنقاذ مصيري في لحظة، ليبقى عندها أن يتواصل الإنقاذ للكيان اليمني بكامله، قبل اللحظة وبعدها. وفي كل يوم، تأتي الأخبار من صنعاء، ومن عدن، ومن سائر المدن حولهما، بما لا يسر ولا يسعد عربيا مخلصا لوطنه، وبما يجعل من اقتراب دول المجلس الست من الهم اليمني أولوية الساعة المفترضة. وإذا كان علينا أن نضرب مثلا، في هذا المقام، فهو مثال اليونان مع الاتحاد الأوروبي، وكيف أنها كانت قبل عام من اليوم، على حافة الإفلاس، وأن تدخل الاتحاد بسرعة هو الذي أبعدها عن تلك الحافة، ولولاه لكانت اليونان قد تمزقت، وانهارت. يومها، قيل إن الاتحاد الأوروبي قد كفل أثينا بمثل ما يكفل القادرون، في أي بلد، أسرة، أو أكثر، تكون على بعد خطوات من النهاية.. ويومها أيضا قيل إن ما كنا نسمع عنه قديما، تحت شعار ”اكفل يتيما” قد تطور بفعل أحداث العصر الذي نعيشه إلى الحد الذي أصبحنا معه نسمع في مصر، على سبيل المثال، عن شعار ”اكفل قرية”، ثم بلغ الشعار مبلغه، فأصبح على دول في العالم أن تكفل دولة بكاملها، لا مجرد يتيم، ولا حتى مجرد قرية! صحيح أن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي، وصحيح أنه سارع إلى عونها، لأنها عضو فيه، ولأن مقتضيات العضوية تفرض عليه ما لم يكن أمامه مفر منه، غير أن وجود اليمن خارج عضوية مجلس التعاون لا يعني أن يتعامل معه على أنه دولة غير عضو فيه، أو على أن أوضاعه تحتمل التأجيل أو الانتظار من جانبه. فاليمن إذا لم يكن عضوا في المجلس، بحكم أوراق نشأته قبل 34 سنة، فهو عضو فيه بحكم أشياء كثيرة، ليس أولها جواره المباشر مع دولتين من الدول الست، بينهما المملكة السعودية، أكبر دول الاتحاد، ولا آخرها أن ما يجري فيه، أي في الدولة اليمنية، يفيض بتداعياته بالضرورة، في عواصم الدول الست، من مسقط، إلى الرياض، ثم انتهاء إلى الكويت العاصمة في أقصى الشمال من الجزيرة العربية. وإذا كان المجلس قد دعا الأردن والمغرب، إلى عضويته، ذات يوم، فهو كمجلس أدرى بالطبع بمصالح عواصمه، لكن ماذا لو جرى التساؤل عن أيهما أقرب إلى المجلس؛ الأردن والمغرب، أم اليمن؟! لو سئلت من ناحيتي السؤال نفسه، فسوف أقول بأن المصلحة العربية واحدة، أو أننا نفترض أنها كذلك، وأن ما يمس الرباط، في أقصى الغرب يمس مسقط في أقصى جنوب الشرق، ولكن تبقى مع هذا أولويات في العمل، ويبقى أن أوضاع الأردن، بوجه عام، ليست في مثل أوضاع أو أحوال اليمن، وأن الأوضاع الاقتصادية أساسا، إذا كانت تحتمل التأجيل في المغرب عاما، فإنها لا تحتمله يوما على ضفاف باب المندب. لا يجوز، إذن، أن يكون اليمن هو ”كعب أخيل” الذي كان الأعداء يتسربون من خلاله إلى قلب موقع الخصوم، أيام اليونان القديمة، دون أن ينتبه الخصوم إلى الخدعة، أو بمعنى أدق إلى موضع الثغرة، فلا تتركوا اليمن وحده، وأتموا جميلكم عليه، بعد المبادرة التي برهنت على أنكم، كدول ست، قادرون على الأخذ بيده، إلى حيث يخيب ظن المتربصين به، والمتهافتين عليه.