السياسة تزيد التعاسة... وكامبس أنسى شعبه ما قاسى في أجواء سياسية أقل ما يقال عنها أنها متعفنة بعد الانقلاب العسكري الذي قاده فيديلا وأطاح بالرئيسة إايفا بيرو، إضافة إلى اغتيال رئيس الاتحادية الأرجنتينية لكرة القدم عمر اكتس قبل أشهر قليلة عن موعد النهائيات، كانت الأرجنتين عاصمة كرة القدم العالمية، لكن المعطيات المذكورة سابقا جعلت الكثير من الدول خاصة الأوروبية تتردد في المشاركة، ولحسن الحظ سادت الروح الرياضية من البداية إلى النهاية في المدن الأرجنتينية الخمس التي احتضنت الدورة، التي شهدت مجموعتها الأولى سيطرة إيطاليا حيث فازت بمقابلاتها الثلاث بما في ذلك مواجهتها للبلد المنظم الذي احتل مرتبة الوصيف المؤهلة، أما المجموعة الثانية فقد شهدت أول فوز أفرو عربي في المونديال بفضل تونس التي لقنت المكسيك درسا في أبجديات الكرة بمدينة روزاريو الصحراوية، فقبل نهاية الشوط الأول بلحظات أهدى الحكم الأسكتلندي ضربة جزاء للمكسيك، لكن في الشوط الثاني عرف طارق ذياب وزملاؤه كيف يحسمون الأمور ويسجلون ثلاثة أهداف كاملة. قوة التونسيين أرهبت بولونيا التي لعبت ضدها بحذر شديد ولم تتمكن من هزمها سوى بشق الأنفس وبهدف يتيم، لتتأهل رفقة ألمانيا الغربية، هذه الأخيرة سحقت المكسيك (6 - 0) لكن أمام تونس لم تظفر سوى بنقطة التعادل، أما عن المجموعة الثالثة فلم تجد البرازيلوالنمسا أي حرج من إسبانيا والسويد. وفي المجموعة الأخيرة التي نشطها المنتخب الإيراني فقد خرج بخفي حنين لأن البيرووهولندا كانتا أكثر واقعية، في الدور الثاني اجتمعت 4 منتخبات أوربية في المجموعة (ا) وانطلق المنتخب البرتغالي بالسرعة الخامسة على حساب النمسا. أما مواجهة الألمان والطليان فلم تسفر عن فائز. في اليوم الثاني تعادلت هولندا مع الجرمان فيما منح باولو روسي الفوز لإيطاليا أمام النمسا التي أقصيت نهائيا، ورغم ذلك فقد لعبت بروح رياضية عالية أمام ألمانيا الغربية، وهانز كرانكل الذي سجل ثنائية في هذا اللقاء ليقهر الألمان ويحرمهم من المرور إلى النهائي، لتكون التأشيرة في الأخير من نصيب هولندا. أما المجموعة (ب) فقد كان الصراع بين البلد المنظم والبرازيل، فالطرف الأول استهل مشواره بفوز على بولونيا بهدفين نظيفين، أما الثاني فقد سحق البيرو بثلاثة دون رد، وعندما التقيا في المواجهة الثانية لم يتمكن أي طرف من الإطاحة بالآخر، وكانت المقابلة عنيفة جدا، ليتأجل الحسم للجولة الأخيرة حيث كانت البداية بالبرازيل التي فازت على بولونيا (3 - 1) وبعد ذلك كان على الأرجنتين الفوز بفارق 4 أهداف على الأقل لتتأهل. ويتحدث النقاد هنا عن مؤامرة حبكت خيوطها الفيفا: الحكم الفرنسي المنحاز ومنتخب البيرو الذي رفع أغلب لاعبيه أرجلهم لتفوز الأرجنتين بستة أهداف مشبوهة وتتأهل للنهائي أمام احتجاجات برازيلية لم تجد نفعا، ليكتفي السحرة بعد ذلك بالمرتبة الثالثة بعد فوزهم على إيطاليا في المقابلة الترتيبية، لتتجه الأنظار بعد ذلك إلى النهائي الذي جمع أصحاب الأرض بمنشط نهائي الدورة الماضية، وعرف خلاله كامبس ورفقاؤه كيف يخفضون حرارة أبناء الأراضي المنخفضة، خاصة في الوقت الإضافي حيث تألقوا بالطول والعرض وأحرزوا الكأس الأولى في تاريخهم. البطاقة الفنية للمباراة النهائية (الأرجنتين 3 - هولندا 1) ملعب مونيو منتال ببيونس ايرس، جمهور غفير زهاء 80 ألف متفرج. الحكم: سيرجيو غونيللا (إيطاليا) الأهداف: كامبس (د37 + د104)، بيرتوني (د114) للأرجنتين نانينغا (د81) لولندا التشكيلتان: الأرجنتين: فيلول، أوليغرين، فالفان، باساريلا، تارانتيني، أرديلاس (لاروسا د65)، غاليفو، كامبس، بيرتوني، لوكيه، أورتيز (هوسمان د77). المدرب: سيزار لويس مينوتي هولندا: جونغ بلويد، جانسن (سوربير د72)، براندتس، كرول، بورتفليت، هان، نيسكنز، ويلي فإن دي كيركوف، ريني فان دي كيركوف، ريب (نانينغا د58)، رينسبنريك. المدرب: هايل أول فوز أفرو عربي بإمضاء تونس نسور قرطاج صنعت الحدث في سماء الأرجنتين سيبقى يوم 2 جوان 1978 راسخا في الذاكرتين العربية والإفريقية، لأنه يقترن بأول فوز في نهائيات المونديال، وكان ذلك لنسور قرطاج ضد المكسيك، حيث أحسن المنتخب التونسي تمثيل العرب وإفريقيا ونال علامة الامتياز، حيث يمكن اعتباره أول من ترك بصمة حقيقية في تاريخ المونديال. ففي البداية دشن المنتخب التونسي مشاركته بفوز مدو أمام المنتخب المكسيكي الذي كان قد شارك عدة مرات من قبل بنتيجة 3/1، وذلك على ملعب جيغانتي دي أور ييتو، لكنه سقط أمام المنتخب البولندي العنيد بصعوبة شديدة بهدف يتيم، وعاد المنتخب التونسي ليصنع الحدث في المباراة الثالثة أمام العملاق الألماني، حيث تعادل معه سلبا وأقصي المنتخب التونسي بفارق نقطة وحيدة، وكان بإمكانه أن يصعد إلى أدوار متقدمة آنذاك لولا نقص خبرته. وبهذا فإن المنتخب التونسي المشارك في دروة 1978 التي عاد لقبها للبلد المنظم قد دخل تاريخ أحسن التشكيلات الإفريقية المشاركة في المونديال على مدار التاريخ، وهو ما أهدى إفريقيا مقعدا ثانيا بدءا من الدورة الموالية. نوستالجيا خضرا عصاد هداف الخضر في المونديال إذا كان الجيل الحالي من أنصار المنتخب الوطني لم يحظ بفرحة تسجيل أي هدف مونديالي بعد العقم الذي أصاب منتخبنا في المونديال الإفريقي الأخير، فإن مشاركتنا في الثمانينات شهدت تسجيل 6 أهداف كاملة في 6 مقابلات، وكان الإبداع الأكبر للخضر في مشاركتهم الأولى حين تمكنوا من الوصول لشباك منافسيهم في خمس مناسبات كاملة، ومع كل هدف كانت كل الجزائر تهتز فرحا كقلب واحد، فهدف ماجر في مرمى الألمان جاء لتأكيد قوة الجزائر يومها، وعندما أضاف بلومي الهدف الثاني بدا الأمر غير قابل للتصديق، وبعد أن عجز الخضر عن دك شباك النمسا طاروا في اتجاه واحد في المباراة الثالثة ضد الشيلي، لكن في الشوط الأول فقط، حيث أحرزوا ثلاثة أهداف كاملة منها ثنائية ولا أروع لمبدع مراوغة الغراف صالح عصاد التي نصبته كهداف أول للجزائر في المونديال، لكون الخضر بعدها لم يسجلوا سوى هدف بن ساولة الثالث في مباراة الشيلي، ثم هدفا واحدا ضد إيرلندا الشمالية في المكسيك 1986 وكان بإمكان عصاد رفع حصته من الأهداف خاصة في مشاركته المونديالية الثانية، ولو أنه شارك وهو مصاب، وهو ما جعله يضيع فرصا عديدة أبرزها عندما خرج وجها لوجه مع الشباك البرازيلية، قبل أن يخرج أحد مدافعي السحرة الكرة من خط المرمى، في لقطة أضاع فيها صالح عصاد فرصة حقيقية لإعادة ملحمة خيخون، لكنه رغم ذلك ما يزال في صدارة لائحة هدافي الخضر في المونديال إلى إشعار غير مسمى. سجل 11 هدفا منها 3 ثنائيات كامبس... الماتادور الذي صنع بأهدافه السرور اقترن اسم ماريو كامبس بكأس العالم 1978 في الأرجنتين، وبالثنائيات الثلاث التي سجلها خلال هذا المونديال، ومنحت إحداها في مرمى هولندا في المباراة النهائية منتخب بلاده اللقب العالمي، فلقب ب”ماتادور” الأرجنتين، وكان العطاء المميز لكامبس في الملاعب الإسبانية جعل مدرب الأرجنتين سيزار لويس مينوتي يوجه له الدعوة للانضمام إلى صفوف المنتخب الذي سيحمل لواء التحدي وآمال الملايين من الأرجنتينيين المولعين بالكرة في تحقيق لقب عالمي على أرضهم، وكان اللاعب المحترف الوحيد الذي يختار ضمن تشكيلة التانغو ولم يخيب، حيث ساهم بقسط وافر في الإبقاء على اللقب الغالي في بيونس أايرس. لم يتنقل مع الطواحين للأرجنتين فاتهم بالخيانة العظمى يوهان كرويف... أجبر على الاعتزال انسحب كرويف من المنتخب الهولندي المشارك في كأس العالم لسنة 1978 مما جعله معرضا لموجة من الغضب الشعبي في بلاده، بعد أن اتهمته الجماهير بالخيانة العظمى، غير أن الحقيقة التي حالت دون مشاركته في مونديال 1978 عرفت من بعد، حيث ذكر في تصريح لإحدى القنوات الإذاعية الإسبانية بأنه تعرض للتهديد بعدما اقتحم مجهولون شقته ووجهوا له تهديدات بواسطة سلاح ناري أمام مرأى من زوجته وأبنائه. واعتزل كرويف اللعب مع المنتخب الهولندي مبكرا وكان ذلك سنة 1977 أي قبيل مونديال 1978 الذي أقيم حينها في الأرجنتين. ورغم مناشدات ملكة هولندا وجماهير الكرة الهولندية له بالتراجع عن ذلك القرار، إلا أنه رفض التراجع حيث اكتفى بلعب 48 مباراة فقط رفقة منتخب بلاده سجل خلالها 33 هدفا. أصداء من الدورة لعب هذا المونديال بعد انقلاب عسكري تم على يد الجنرال فيديلا في عام 1976 أي قبل المونديال بسنتين، مما زاد توتر المسؤولين في الفيفا، ولكنهم نجحوا في الحصول على تعهد من فيديلا بعدم التعرض لمباريات المونديال. اعتذر عدد من اللاعبين النجوم عن اللعب في المونديال وذلك لأسباب عديدة، فقد اعتذر النجم الهولندي ^ يوهان كرويف عن اللعب بعد أن تلقى أكثر من تهديد بالخطف إذا ذهب إلى الأرجنتين، كما اعتذر النجم الألماني بيكنباور نظراً لالتزاماته مع ناديه الأمريكي كوزموس وفق ما صرح به. خاض المنتخب الإيطالي هذا المونديال بوجوه جديدة جداً كلها من الشباب تحت قيادة المدير الفني الجديد أنزو بيرزوت الذي اختار 9 من لاعبي اليوفينتوس لعب بهم التصفيات وهم نفس اللاعبين الذين حصلوا على الكأس في مونديال 1982. شهد اللقاء النهائي قرارا غريبا جداً ولكنه صائب في نفس الوقت، فقد تم تغيير الحكم الإسرائيلي إبراهام كلاين الذي كان من المقرر أن يحكم اللقاء، وذلك قبل بداية اللقاء بدقائق معدودة نظراً للعلاقات الوطيدة التي تربط هولندا وإسرائيل. أعلى نتيجة في مبارايات كأس العالم هذه كانت 6 - 0 حيث انتهى لقاء الأرجنتينوبيرو في المجموعات النهائية. استمرت البطولة 25 يوما من 1 جوان 1978 حتى 25 جوان 1978. الفرنسي لاكومبي سجل أسرع هدف في مرمى إيطاليا عند الثانية (31) من عمر المباراة. الأرجنتينوهولندا صاحبا أعلى نسبة أهداف حيث سجلا (15) هدفاً في المباريات التي لعباها.