سنتحدث في حلقة اليوم عن المونديال الحادي عشر الذي جرى مطلع شهر جوان 1978 بالأرجنتين، وهو العرس الذي انتظره الأرجنتينيون نصف قرن لاحتضانه بأرضهم بعد أن حُرموا منه عام 1938 بقرار من رئيس إيطاليا آنذاك موسيليني. ترى كيف كان الطريق إلى بلاد »التانغو«؟ ومن هو المنتخب الذي أزاح منتخبنا في التصفيات؟ تلكم من بين الأسئلة التي تعودتم في بداية كل عدد على طرحها، لنجيب عليها في نفس العدد، فلنبدأ على بركة الله من حيث بدأ العد العكسي لمونديال الارجننتين 1978. تهديدات واغتيالات قبل انطلاقة المونديال! كان لتنامي ظاهرة الاغتيالات العديدة التي تعرض لها العديد من الإطارات السامية وحتى الرياضية منها في دولة الأرجنتين من بينها رئيس اتحاد كرة القدم في هذا البلد، جراء الانقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام المدين قبل نصف سنة عن انطلاقة البطولة، وما انجر عنه من حدوث شبه حرب أهلية في هذا البلد، دفع أكثر من دولة أوروبية للإعلان عن عدم مشاركتها، وفي مقدمة هذه المنتخبات حاملة اللقب الأخير المنتخب الألماني، لكن بعد تلقّي رؤساء الاتحادية للمنتخبات المتأهلة للمونديال الحادي عشر، تم العدول عن ذلك، وقررت المشاركة، لكن وسط رعب كبير! يوهان كرويف... المقاطعة أو الموت قبل انطلاقة البطولة بثلاثة أشهر تلقّى نجم العالم في تلك الفترة الهولندي يوهان كرويف، تهديداً بالقتل هو وعائلته. وبما أن أصحاب هذه الرسائل وهم من منظمات سرية في الأرجنتين كانت وراء اغتيال العديد من الوجوه من بينهم رئيس اتحاد الكرة في بلادهم، لم يكن من يوهان كروي فالا الاستجابة لطلب هؤلاء »الإرهابيين« وقرر عدم المشاركة في المونديال، الأمر الذي شكل صدمة قوية لمحبي »الساحر« يوهان كرويف. ورغم أن حكومة بلاده وعدته بحمايته أثناء وجوده في الأرجنتين إلا أن يوهان أصر على عدم التنقل إلى الأرجنتين حفاظا على سلامة حياته، مما جعله محل انتقادات من طرف أبناء بلده. لعنة المنتخب التونسي تطارد "الخضر" في التصفيات لم يعمّر منتخبنا الوطني في التصفيات طويلا، حيث ودع المنافسة في الدور الثاني، فبعد اجتياز المنتخب الليبي في الدور الأول اصطدم زملاء مصطفى دحلب في الدور الثاني بالعقبة التونسية، فلقاء الذهاب انتهى لمصلحة تونس بهدف دون رد بملعب 5 جويلية، فيما انتهت مواجهة الإياب في تونس بالتعادل السلبي، مما أقصى منتخبنا الوطني بقيادة رشيد مخلوفي من بلوغ الدور الثالث، تأهل مكن المنتخب التونسي بقيادة العقربي وطارق ذباب من بلوغ مونديال الأرجنتين فيما بعد عن جدارة واستحقاق على حساب المنتخب المغربي. بطل 1966 خارج المونديال أهم ما حملته المباريات الإقصائية لمونديال الأرجنتين إقصاء بطل المونديال الثامن المنتخب الإنجليزي بعد فشله في تخطي التصفيات. قرعة البطولة أسفرت قرعة المونديال الحادي عشر والتي جرت في نهاية عام 1977 على النتائح التالية: المجموعة الأولى: الأرجنتين - إيطاليا - فرنسا - المجر المجموعة الثانية: بولونيا - ألمانياالغربية - تونس - المكسيك المجموعة الثالثة: النمسا - البرازيل - إسبانيا - السويد المجموعة الرابعة: البيرو - هولندا - اسكتلندا - إيران الانطلاقة خروج مبكر لفرنسا وتونس تبدع شهدت المجموعة الأولى خروجا مبكرا لفرنسا بعد خسارتها من إيطاليا والأرجنتين، ليتأهل هذان المنتخبان للدور الثاني، فيما شهدت المجموعة الثانية فوزا تاريخيا لتونس على المكسيك بثلاثة أهداف مقابل هدف، وهو أول فوز للعرب في المونديال لكنه لم يكف تونس في الوصول إلى الدور الثاني، حيث تأهلت ألمانياالغربية وبولونيا للدور الثاني مع إقصاء بولونيا. في المجموعة الثالثة صعدت البرازيل وأستراليا للدور الثاني على حساب إسبانيا والسويد. أخيرا، جاءت مباريات المجموعة الرابعة سهلة نسبيا على هولندا وصيفة مونديال 74، حيث سحقت إيران الوافد الجديد لبطولة العالم بثلاثية نظيفة، وتعادلت سلبيا مع بيرو قبل أن تخسر أمام اسكتلندا في مفاجأة كبيرة لم تمنعها من الصعود للدور الثاني مع البيرو. الدور الثاني... هولندا والأرجنتين في النهائي على حساب إيطاليا وألمانيا أثبتت هولندا جدارتها وسحقت أستراليا وتغلبت على إيطاليا، في حين تعادلت سلبيا مع ألمانياالغربية، لتصعد للمربع الذهبي مع إيطاليا، بينما ودعت أستراليا وألمانيا البطولة. أشيع عن تواطؤ عدد من لاعبي بيرو من أجل هزيمة فريقهم بنتيجة ثقيلة بستة أهداف أمام أصحاب الأرض الأرجنتين، حتى يتمكن زملاء الهداف ماريو كامبيس من بلوغ اللقاء النهائي على حساب الأرجنتين. فرغم نفي اللاعبين الذين وجهت لهم أصابع الاتهام، ورغم تأكيد مدرب منتخب البيرو أن هزيمتهم الثقيلة أمام الأرجنتين كانت فوق الميدان، إلا أن التحقيقات السرية كشفت فيما بعد أن خسارة البيرو لمواجهة الأرجنتين 6-0، كانت مدبرة مسبقا. كانت البرازيل الوحيدة التي لم تخسر بين منتخبات المونديال وهي احتلت المركز الثاني بفارق الأهداف عن النمسا، ثم بفارق الأهداف في الدور الثاني خلف الأرجنتين التي شكّل فوزها الساحق المفاجئ على البيرو. البرازيل تكتفي بالمركز الثالث مباراة المركز الثالث جرت يوم السبت 24 جوان، وفيها فازت البرازيل على إيطاليا 2-1. سجل هدفي البرازيل تيلينهو في الدقيقة 64، وديركيو في الدقيقة 72، وهدف إيطاليا فرانكو كاوسيو في الدقيقة 38، لتحرز البرازيل المركز الثالث، علما أن هذا اللقاء أداره حكم صهيوني لعنة الله عليه إلى يوم الدين. النهائي.. الوقت الإضافي يفرح الأرجنتينيين ويبكي الهولنديين جرت المباراة النهائية في 25 جوان 1978 على ملعب مونيومنتال بريفر بلايت أمام حشد ناهز السبعين ألف متفرج، معظمهم أرجنتينيون. جاءت المباراة شيقة ورائعة قادها المدربان سيزار ومينوتي وإيرنست هابل بجدارة لم تقلّ عن الجدارة التي خرجت بها المباراة تحت إدارة الحكم الإيطالي سيرجيو جونيلا. تقدم كمبس نجم البطولة لأصحاب الأرض في الدقيقة 38 ماريو كمبس. وتعادل نانينجا في الدقيقة 82، ليلعب الفريقان وقتا إضافيا على شوطين، سجل خلالها الهدف الثاني له ولبلاده في الدقيقة 105 قبل أن يحسم بيرتوني الأمور تماما في الدقيقة 116، لتحتضن الأرجنتين كأس العالم لمدة أربع سنوات حتى تفقده عام 1982 قبل أن تستعيده عام 86 بقيادة النجم الأسطوري مارادونا. آخر مونديال ب 16 منتخبا كانت البطولة العالمية بالأرجنتين آخر بطوله تنظم ب 16 فريقاً حيث تم فيما بعد زيادة الفرق المشاركة في النهائيات إلى 24 ابتداء من نهائيات كأس العالم 1982، ليترفع العدد بداية من مونديال الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى 32 منتخبا. الهدف ال 1000 في تاريخ المونديال شهدت بطولة الأرجنتين تسجيل الهدف رقم 1000 في تاريخ المونديال عن طريق اللاعب الهولندي روب روزنبريك، الذي افتتح التسجيل بضربة جزاء في الدقيقة 34 لصالح بلاده في مباراتها ضد اسكتلندا ضمن المجموعة الرابعة. الهدف كان رائعا دون شك ولكنه مهم، فهو الهدف رقم 1000 في تاريخ كأس العالم. أول حالة ثبوت للمنشطات في تاريخ المونديال شهد المونديال الحادي عشر بالأرجنتين أول حالة ثبوت للمنشطات، ويتعلق الأمر باللاعب الإسكتلنلدي ويلي جونستون، إذ تم استبعاده من البطولة. نجم وهداف المونديال ال 11.. الأرجنتيني ماريو كامبيس تُوج الأرجنتيني ماريو كيمبس هدافا للمونديال الحادي عشر ونجمه الأول بتوقيعه لستة أهداف، وبذلك خلف اللاعب البولوني لاتو، الذي كان قد تُوج هدفا للمونديال الأخير بألمانيا بتوقيعه لتسعة أهداف كاملة. ماريو ألبرتو كيمبس لن يسقط من ذاكرة الأرجنتييين، فليس من السهولة محو ملحمة هذا اللاعب في مونديال 1978، ولا يجد الجمهور فارقا بين ما أحدثه مارادونا في مونديال المكسيك 1986 وما فعله كمبيس في مونديال 78، لأن في النهاية اللاعبين حققا لبلدهما مجدا لم يتكرر حتى الآن. ومنزلة كيمبس لم تهتز حتى الآن في الأرجنتين بفضل محافظته على سجله خاليا من أي شوائب مثل التي علقت بمارادونا. شارك كيمبس في مونديال ألمانيا 1974 وكان سنه آنذاك 20 عاما، وحجز لنفسه مكانا ثابتا في تشكيلة راقصي التانجو. ومن الطرائف التي يعتز بها كيمبس حلاقته شاربه أثناء مباريات الأرجنتين بناء على اقتراح من مدربه مينوتي؛ بهدف فك النحس الذي لازم الأرجنتين في بداية بطولة 78، وهو ما حدث؛ لأن كيمبس أحرز ستة أهداف حاسمة كانت السلّم الذي صعد عليه المنتخب نحو منصة التتويج للمرة الأولى وأشهرها في مرمى هولندا في النهائي. ويقول كيمبس عن مونديال 78: »ذكريات مونديال 1978 مازالت تعطيني من قمة رأسي حتى أخمص قدمي، ففي ذلك المونديال صنعت أفراحا متواصلة؛ لأن حلاقة شاربي أثمرت عن ممارسة هوايتي مع الشباك؛ إنني دخلت الدور الثاني ورصيدي صفر من الأهداف لكن مينوتي هذا الرجل العظيم، منحني طاقة هائلة غريبة من طاقة مصارع الثيران في إسبانيا، فأكسبني عزيمة على كسر الطوق ودخول عالم الكبار! وقرر مصارع الثيران الاعتزال رسميا عام 1996 مسدلا الستار على مشوار طويل مليئ بالنجاحات، وفي سن 42 عاما!