بكل الأسف استقال علي صدر الدين البيانوني المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين السوريين من عضوية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والسبب المباشر كما قال البيانوني، رسالة من رئيس الائتلاف الوطني أحمد الجربا إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمناسبة انتخابه رئيسا لمصر. أما السبب غير المباشر لاستقالة البيانوني، فكان تعارضه مع سياسة الائتلاف واعتراضه عليها، إذ رأى أن ”الائتلاف الوطني، لم يعد - في رأيي - يعبّر عن آمال شعبنا وتطلّعاته في تحقيق أهداف ثورته المجيدة”، وهذا يعني أن الرسالة لعبت دور المفجر ليس إلا، وأطلقت قرار الاستقالة، وهذا ما يفهم من نص استقالة البيانوني. ورغم أن البيانوني موصوف بين أعضاء الائتلاف بأنه في عداد ”الشخصيات الوطنية”، فإن موقفه تقاطع مباشرة مع مضمون بيان أصدره الإخوان المسلمون بمناسبة الرسالة، عارضوا عنوانها ومحتواها، ثم أضافوا إلى ما سبق اعتراضهم على سياسات الائتلاف في الكثير من المجالات، دون أن يذهبوا إلى حد الانفصال عن الائتلاف، وهذا من حسن حظنا وحظهم، فمن الخطأ اليوم الذهاب إلى مزيد من الانقسام والتشظي في صفوف المعارضة في وقت يواجه السوريون تحديات الكارثة المحيطة بوطنهم وثورتهم. ويفرض ما حصل مقاربة ولو بسيطة للموضوع بما له من أهمية على صعيد واقع الائتلاف وسياساته وعلاقاته الداخلية سواء كانت مع شخصيات وطنية أو مع قوى منخرطة فيه، انطلاقا من موضوع الرسالة في إطار سياسة الائتلاف الذي يشارك الإخوان المسلمون في مؤسساته المختلفة وقيادته وصنع سياسته، وهو دور بدأ مع تأسيس الائتلاف، ثم تصاعد في المرحلة اللاحقة، التي صار فيها الكيان الأهم والأبرز للمعارضة السورية رغم كل مشاكله وخطاياه، حيث يضم أغلب ممثلي التيارات الفكرية والسياسية إلى جانب ممثلي الحراك الثوري والمجالس المحلية وممثلي الجيش الحر إضافة إلى عدد من الشخصيات الوطنية، على اعتراف دولي ليس لأحد من التحالفات السورية مثله. رسالة رئيس الائتلاف أحمد الجربا إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كانت خطوة بروتوكولية وسياسية في آن معا. إذ تضمنت إلى جانب تهنئة الرئيس والشعب المصري بالانتخابات، واعتبرتها تمثل ”سيرا حثيثا نحو استقرار وازدهار مصر، ونحو مستقبل أفضل للشعب المصري”، أشارت الرسالة إلى الروابط التاريخية والمعاصرة بين الشعبين المصري والسوري، والتي جعلت السوريين يتوجهون إلى مصر للعيش فيها بعيدا عما يقوم به نظام الأسد في القتل والتهجير والتدمير، وختمت بالتطلع ”إلى تعزيز علاقات الشعبين والبلدين”، وتمنت ”دورا فاعلا لمصر في مساعدة الشعب السوري على الوصول إلى أهدافه في السلام والحرية والعدالة والمساواة”. رسالة الجربا، لم تكن موقفا شخصيا. بل كانت جزءا من سياسة كرسها الائتلاف في علاقاته السياسية الخارجية والداخلية، والتي يفترض بأن رئيس الائتلاف مكلف بتنفيذها والتعبير عنها ومتابعتها، ومن الطبيعي أن تلك السياسة لم تنل رضى أعضاء الائتلاف جميعا من الشخصيات أو ممثلي الكتل السياسية، وإنما أغلبيتها، وفي موضوع الرسالة، فإن الأخيرة نوقشت فكرتها في اجتماعات قيادة الائتلاف، والتي كان بين الحاضرين فيها قياديون في ”الإخوان السوريين”، لم يظهروا أي اعتراض عليها، بل إن نص الرسالة تمت قراءته في الاجتماع دون اعتراضات، قبل أن يتم إرسالها. أما في مضمون الرسالة. فلا بد من ملاحظة أن الرسالة جاءت في ظل حقيقتين لا بد من الوقوف عندهما؛ الأولى أن مصر أكبر البلدان العربية وهي مقر الجامعة العربية، وهي المقر الرسمي للائتلاف، والثانية، وجود أكثر من ربع مليون سوري لاجئ ومقيم في مصر، وهم بحاجة إلى رعاية وعناية مصرية بعد بعض السلبيات التي طرأت على حياتهم هناك في العام المنصرم، وكله يفرض علاقات وتنسيقا على أعلى المستويات بين مصر والائتلاف، ويتوجب أن لا يتغافل الائتلاف عن تطورات رئيسية تحدث في مصر، وتؤثر على القضية السورية وعلى السوريين وعلى وجود الائتلاف ودوره هناك. والأمر الثالث، أنه لا يجوز رؤية موضوع الرسالة، التي يرى الإخوان أنها ضد ”إخوانهم المصريين” بصورة منفصلة عما يفعله الائتلاف وما فعله أحمد الجربا من أجل تطبيع حضورهم في الائتلاف الوطني وعلاقاته العربية، وهذه ليست منة من أحد. بل هي تعبير عن موقف ديمقراطي تشاركي مضت فيه المعارضة السورية وكرسته منذ سنوات طويلة، كان بين تعبيراته وجود الإخوان في تكتلات المعارضة وفي الائتلاف الوطني وفي الصفوف القيادية الأولى، وحتى في الوقت الذي اشتدت الهجمات ضد عموم الإخوان في البلدان العربية، فإن الائتلاف حمل بين وفوده الرسمية قياديين في الإخوان معه، كما حصل في وفد الائتلاف إلى القمة العربية الأخيرة في الكويت في إطار تأكيده رفض تهميش ”الإخوان السوريين” والإصرار على وجودهم ودورهم مع بقية أطراف المعارضة في الائتلاف الوطني. إن المشاركة والتشارك في الائتلاف يعنيان صياغة سياسة وممارسة تأخذ بعين الاعتبار المصالح العامة للسوريين وللثورة والمعارضة بأكثريتها، ومن الطبيعي ألا تستجيب تلك السياسة والممارسة في كل الأوقات والأماكن لكل الأطراف أو معظمها، وهو وضع ينبغي أن نفهمه ونتفهمه في واقعنا مع تأكيد أن من حق الشخصيات وكذلك الجماعات، أن تبدي آراء مختلفة وأن تعترض على موقف أو ممارسة ما، لكن ينبغي أن يحدث ذلك تحت سقف الائتلاف الذي يجمعنا بعد أن تكرس ممثلا للشعب السوري رغم كل ما يحيط به ونعرفه من مشاكل وإشكالات. خلاصة القول، إنه آن الأوان لإنهاء مرحلة من مراحل سياسات وممارسات المعارضة (ومنها الائتلاف) بشخصياتها وتنظيماتها في التركيز على التفاصيل والحيثيات وخاصة ما تعتبره سلبيا منها وتجاهل الإيجابيات، دون النظر إلى الاستراتيجيات والقضايا الأساسية التي تحتل مكانة هي الأهم بالنسبة للقضية السورية ومستقبلها، التي هي لا شك أكبر بكثير من رغبات ومصالح الأشخاص والتنظيمات والتكتلات مهما كانت.