تواصل الكاتبة والروائية اللبنانية جنى فواز الحسن في روايتها الجديدة “طابق 99”، الصادرة حديثا عن منشورات ضفاف اللبنانية ودار الاختلاف الجزائرية، الحفر الأدبي واللغوي والبسيكولوجي المتقن في ما تحت الواضح أو البديهي أو المباشر. قد يهيأ للقارئ للوهلة الأولى، أن عملها الجديد هذا ينتمي إلى أدب الحرب، تحديداً الحرب الأهلية اللبنانية. لكن قراءته على مستوى أعمق تكشف أنها رواية “نفسية” في الدرجة الأولى، بمعنى أن الكاتبة تنجح في “تقشير” البعد الأول، السهل، المتمثل في الحدث بذاته، لكي تصل إلى الجوهر: أي إلى ما يتركه هذا الحدث في النفوس من ندوب وجروح وغصات وتكييفات تظل تأثيراتها تتردد طوال الحياة، وتصنع أصحابها وأقدارهم. تمتد حوادث الرواية مكانياً وزمانياً بين مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول 1982 ونيويورك في عام 2000. الصوت السردي متعدد، مما يتيح استعادة الحدث نفسه من أكثر من زاوية، ولكن من دون انحياز أو إيديولوجيات أو أحكام قيمة: إذ ليس هناك زاوية “صح” وزاوية “خطأ”: بل لكلٍّ نظرته “الشرعية” التي نتعاطف معها. مجد، الفلسطيني الذي خسر أمه في المجزرة، يقع في حب هيلدا، المسيحية المنحدرة من عائلة كتائبية. يبدأ الصراع حين تقرر الفتاة، التي تتعلم الرقص في نيويورك، العودة إلى قريتها في جبل لبنان لإعادة اكتشاف ماضيها، لكن السؤال الأول، الجوهري، في “طابق 99” قد يكون: هل يمضي الماضي فعلاً؟ هل القطيعة أو البدء من جديد ممكنان، وهل يمكن الانعتاق من قدرية ما حدث في الأمس وحفر فينا إلى غير رجعة؟ هكذا هي الحروب: تنتهي وتظلّ. ولنا عودة مفصلة إلى الرواية.