هل قبل حزب الدا الحسين “التدجين” أم أنه ملّ من الجلوس على دكة المعارضة في انتظار أن ينقشع الضباب عن أرضية ملعب الديمقراطية ويتخذ له موقعه الطبيعي الذي يستحقه عن جدارة بالمشاركة في الحكم وتطبيق الأفكار التي ناضل من أجلها منذ تأسيس الحزب ودافع عنها أيام السرية والشرعية بعد دستور 1989؟! جبهة القوى الاشتراكية تعيش هذه الأيام تجربة غير مسبوقة، فلأول مرة تكون محل مغازلة من الجميع، المعارضة والموالاة، فالكل يريد أن يكسبها إلى جهته. أحزاب الانتقال الديمقراطي تريد تعزيز صفوفها بحزب الرجل التاريخي وميل كفتها بثقل الرجل وجبهته، وأحزاب الموالاة تريد هي الأخرى إشراك الأفافاس في لعبتها السياسية التي تمارسها قبيل خط الوصول الذي يبدو أنه لم يعد بعيدا. فكسب الأفافاس يعني كسب الناخب القبائلي في حال رئاسيات مسبقة يرغب الأفالان والأحزاب المؤيدة لبوتفليقة أن يبقى خيار الرئيس المقبل منها وبها. وعندما يكون الأفافاس الذي لم “يوسخ” في أية لعبة سياسية قذرة منذ وقوفه ضد وقف المسار الديمقراطي، فهذا من شأنه أن يضفي شيئا من الشرعية على هذه الخيارات وكسب الرأي العام القبائلي الكثير الانتقاد والشديد المعارضة لكل ما يأتي من السلطة ومن الأفالان تحديدا. لا أدري إن كانت جبهة الدا الحسين ستدخل حقا الحكومة المقبلة - هذا إذا كانت هناك حكومة مقبلة - أم أن مشاوراته مع القوى السياسية التي يقوم بها مؤخرا تبحث عن مخرج من الجمود الذي تعيشه البلاد بسبب مرض الرئيس والانسداد الذي خلّفه في دواليب السلطة، أكثر منها عن تفاوض حول خليفة للرئيس أو كونه في الحكومة المقبلة، علما أن الجبهة رفضت طوال السنوات الماضية المشاركة في أية حكومة رغم العروض المغرية التي قدمتها السلطة لكسب ود الثائر الأبدي. وكانت الجبهة في كل مرة تتمنع، إما بمقاطعة المحليات أو التشريعيات أو الاثنتين معا، وكان صوتها كمعارضة مقلقا للسلطة لما يقدمه من انتقادات لاذعة، ويكشف عن الفساد والعجز والنقائص الجمة التي ميزت حكم بوتفليقة ومن سبقوه. سيكون حدثا تاريخيا إذا دخلت جبهة آيت أحمد الحكومة، لكن الحدث له مقدماته قبل أن يدخل الحزب بيت الطاعة، ومبرراته أيضا، فالرجل كبر في السن، وبعده عن الجزائر وتفويض رئاسة الجبهة إلى مناضلين آخرين، قد يكون له أثره على هذه الخيارات، ثم إن المناضلين تعبوا من المعارضة ومن سياسة عقيمة لم تقدم لهم ما قدمته الموالاة لأحزاب أقل أهمية وتاريخا من الجبهة. ولأن الرجل التاريخي لم يعد يتحكم في الحزب بالصورة التي كان عليها أيام الشباب، فإن من خلفه قد يكون يريد تحقيق مكاسب من وراء وزن هذا الحزب ومن سمعة رجله التاريخي قبل أن يفوته الأوان ويغيب عنه المناضل الرمز لا قدر الله، فوقتها يفوت الأوان على مناضليه ليحققوا ما هم قادرين على تحقيقه وبالشروط التي يريدونها من السلطة. الأفافاس إن دخل الحكومة المقبلة أو أية خيارات سياسية أخرى، سيكون الرأي رأي خلفاء آيت أحمد المستعجلين لتحقيق هذه المكاسب قبل أن تتجه رياح السياسة إلى وجهة غير محسوبة مستقبلا.