تعيش الجزائر هذه الأيام على وقع الاحتفال بالذكرى الستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، ومازالت طريقة الاحتفال بها هي نفسها منذ بدايتها من قبل المنابر الرسمية، ليجد الجزائريون في ”الفايسبوك” متنفسا لهم فيعلقوا على الحدث بطريقتهم وينشروا لأول مرة صورا وفيديوهات لم تبث من قبل. يسمى شهر نوفمبر بشهر ”الثورة”، فثورة التحرير الجزائرية صنفت من أعظم الثورات في تاريخ البشرية، وذكر ما قدمه الرجال والنساء ”الفحلات” على السواء أمر تقليدي، نظرا لكون المسؤولية الموكلة على عاتقنا اليوم هي أبعد من مجرد الحديث عن ثورتنا. لذلك ارتأى عدد كبير من الشبان أن يجعلوا صفحاتهم عبر الفايسبوك أشبه بمهرجان للاحتفال بهذه الذكرى، وجعلوها فرصة للتعريف بها لكل الأصدقاء الذين ينتمون لجنسيات مختلفة، فكتبوا تعليقات حول الوضع الراهن للبلد بطريقتهم الخاصة، ونشروا صورا لمجاهدات مكبلات بعد أن تم القبض عليهن من قبل المستعمر، وكذلك صور لرموز الثورة الذين كانوا بعدها الاستقلال رجال الدولة، وهي الصور والفيديوهات التي لم يسبق أن بثت على أي قناة تلفزيونية أو غيرها من أجهزة الإعلام منذ تسع وخمسين سنة، ليتفاجأ كل من كان له حظ في مشاهدتها بالعدد الكبير من الفدائيين الذين لا نعرف عن جهادهم شيئا رغم تمركزهم الذي كان قويا في صفوف جيش التحرير أو جبهته، ناهيك عن الشخصيات التي مازال عطشنا قائما حول معرفة المزيد عن حياتها. في حين شاهدنا السنة الفارطة لأول مرة في الإعلام الجزائري فيديو للرئيس الراحل أحمد بلة وهو يرفع العلم الوطني إعلانا لاستقلال الجزائر، فاستغرب الجزائريون عدم بث مثل هذه المشاهد التي لا تعتبر أمرا سريا، بل مفخرة بالتاريخ.. هواري بومدين.. زعيم بالأمس وزعيم اليوم تصدرت صور الرئيس الراحل محمد إبراهيم بوخروبة، المعروف باسم هواري بومدين، الرئيس الثالث للجزائر منذ التكوين والرئيس الثاني منذ الاستقلال، صور جداريات الفايسبوك، إلى جانب مجموعة الستة التاريخية ومجموعة ال 22 التاريخية، وكذا عدد من الفدائيين الذين خلدوا أسماءهم في سجل تاريخ الثورة التحريرية، مثل الفدائية الشهيدة زوليخة أوداي خويد، التي التقطت لها صورة وهي مكبلة اليدين عند شاحنة عسكرية، بعد أن تم القبض عليها، وتعرضت للتعذيب لمدة 10 أيام. في حين أن هواري بومدين نشرت له العديد من الصور حتى وهو في جو أسري، وواحدة منها تبدي جلوسه المتواضع أرضا رفقة عجوز بواحدة من الولايات الداخلية، وصورة لشخصيته وعدد من رجال الدولة يحملون جثمان الأمير عبد القادر فور وصوله سنة 1966، وكذا فيديوهات وسط جيش التحرير الوطني، في وضع يصور حنكته القيادية العسكرية. وبعد تبادلنا أطراف الحديث مع جمع من الذين بثوا هذه الصور الحصرية على صفحاتهم، وأغلبيتهم من فئة الشباب، أكدوا لنا أن هذه الشخصية التاريخية أبدت قدرتها على التسيير الوطني بحنكة سياسية فذّة واتخاذه نموذجا في التضحية إبان الثورة، وشخصية مسؤولة بعدها، هو استرجاع للأيام التي يحنون إليها أمام جزائر أصبحت هشاشة المؤسسات من سماتها، فأفرزت رموز مزيفة حتى لدى ساستها.