ألوان نوفمبر تزين "الفايسبوك" و"تويتر".. وتخلد الذكرى كل عام لم تعد مظاهر الاحتفال بالذكرى المخلدة لاندلاع الثورة التحريرية في السنوات الأخيرة تقتصر على التظاهرات الرسمية والاحتفاليات البهيجة والأهازيج الروتينية التي ترافق الأناشيد الوطنية في الساحات العمومية وعلى شاشات التلفاز وأثير الراديو، بل تحولت إلى نقرة إعجاب، تعليق، مشاركة صورة أو تحميل فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الفضاء الافتراضي الذي أضحى متنفس الشباب وحتى الأكبر سنا، كونه أكبر فضاء اجتماعي افتراضي في العالم، لا يدردشون فيه عن ميولاتهم، مشاغلهم وتطلعاتهم فحسب، بل يروون التاريخ عبره ويطلقون من خلاله حتى الرصاصة الستين لاندلاع الثورة المظفرة في ذات الفاتح من نوفمبر 1954. مع بداية التحضير لذكرى الفاتح نوفمبر من كل سنة في الشوارع والساحات، يرافقها تحضير مواز على شبكة ”الفايسبوك”، فتتوحد صور بروفايلات الناشطين على الموقع، وتتنوع، ولعل أبرزها صور الأعلام الوطنية، الأناشيد، أبرزها قسما، صور مخلدة لبطولات مجاهدينا الأحرار والشهداء الأبرار، وأخرى لفظاعة الإستعمار وما خلفه من دمار. مواقع التواصل الاجتماعي تتلون بألوان نوفمبر فتطغى ألوان الأحمر والأخضر والأبيض عبر صفحات الفايسبوك أياما قبل اليوم المشهود، استعدادا للاحتفال بذكرى ثورة شعب كامل في وجه الظلم والاستبداد، أعظم ثورة في القرن العشرين، وقعتها حرائر وأحرار الجزائر بالدم والمعاناة. فيتذكر شباب العالم الافتراضي هذه التضحيات من خلال مقاطع الفيديو التي يحمَلونها على الواب، مفتخرين بجزائريتهم، على وقع دوي صوت الثورة وشاعرها مفدي زكريا، فيتسابقون لنشر مقتطفات صوتية للإلياذة أو نشيد قسما التي تكون لها وقع قوي على المستمع بصوت وتفاعل الراحل مفدي زكريا. ولا تخلو الأنترنت اليوم من الأشرطة الوثائقية والحصص التلفزيونية وحتى الأفلام التي تتناول موضوع الثورة التحريرية وذكرى اندلاعها، ينشرها معجبو الفايسبوك على حساباتهم الخاصة ويتفاعلون معها ليشاركوا من خلالها أصدقاءهم الافتراضيين متعتها وفائدتها من خلال الكم الهائل من المعلومات التي تحويها أو تبثها. وفي كثير من الأحيان، تتسبب هذه الفيديوهات في اندلاع نقاشات حادة بين رواد العالم الافتراضي، فتتضارب الآراء والتعليقات، والتي حتى وإن كانت متباينة، إلا أنها تعبر عن اهتمام الشباب بتاريخه وغيرته على وطنه، وكل ما يتعلق بالثورة المجيدة، فالتاريخ هو ذاكرة الأمم، ومن لا يملك تاريخا لن يملك مستقبلا. النت والفايسبوك.. بوابة يلج من خلالها الشباب إلى تاريخهم ويحيون ثورتهم ولعل أبرز ما شدنا خلال حديثنا مع بعض هواة مواقع التواصل الاجتماعي والدردشة الإلكترونية، هو اكتشاف الكثير من الشباب تاريخهم لأول مرة بصفة ”فعلية” عبر هذه المواقع، الأكيد أن جميعهم قد لقنتهم المدارس ساعات طويلة من دروس التاريخ والحقائق التاريخية عن ثورة المليون ونصف المليون شهيد، التي طويت في ذاكرة النسيان بالنسبة لهم، ودليل ذلك أن أغلبهم لا تستهويه قراءة التاريخ منذ أيام المدرسة، لذلك يعد تفاعلهم على شبكات التواصل ”اكتشافا فعليا”، فهم يحللون الوقائع، يبدون رأيهم ويحاربون بتعليقاتهم، وهم في نهاية المطاف يهتمون بكل ما له علاقة بالتاريخ، الثورة،أحداثها، مجرياتها وأبطالها. فالطالبة الجامعية إيمان ترى أن قراءة تاريخ الجزائر على الواب هو أكثر متعة من قراءته من الكتب، فتقول: ”لقد مكنتني شبكة التواصل الاجتماعي من التشبع بثقافة تاريخية كنت أفتقدها قبلا، إذ أصبحت أحب متابعة الأشرطة الوثائقية المثيرة التي تروي حقائق جديدة عن الثورة، فصرت مولعة بكل ما يعنى بتاريخ الجزائر”، مضيفة ”إن التاريخ هو ذاكرة الأمم وثورة الفاتح نوفمبر التي كسر من خلالها الشعب الجزائري قيود وأغلال الاستعباد والاستبداد، واحدة من أهم الحقب التاريخية التي مرت بها بلادنا، وكانت منعرجا في تغيير قدرنا، فخرجنا من الظلمة إلى النور بفضل رجال ونساء عرفوا كيف يحبوا وطنهم ويدافعوا عن أرضهم بالنفس والنفيس، ليصنفها العالم بدون أي منازع وبشهادة الجميع أعرق وأفضل وأكبر ثورة في القرن العشرين”. التاريخ ترويه شبكات التواصل الاجتماعي ”التاريخ ترويه شبكات التواصل الاجتماعي” يقول كريم أحد الشباب المدمنين عليها، مضيفا: ”مع كل مناسبة تاريخية تحييها الجزائر، نحييها نحن الشباب على المواقع بطريقتنا الخاصة، فمع تخليد ذكرى الفاتح نوفمبر أوعيد الاستقلال، مجازر الثامن ماي 45 أو حتى انعقاد مؤتمر الصومام، يطلق رواد الفايسبوك -كونه الأكثر ارتيادا في الجزائر- دعوات لتوحيد صور بروفايلات حساباتهم الشخصية، ويتم تأسيس واستحداث الصفحات خصيصا لهذا الحدث التاريخي لتكون فضاء للحوار والنقاش حول هذا اليوم المشهود والذكرى العزيزة، من خلال تداول الحقائق التاريخية كالفيديوهات والصور القديمة التي تجسد تلك الفترة من الثورة المظفرة”، معقبا في ذات السياق: ”أعتقد أن مثل هذه المبادرات تساهم في جعل الأجيال المتعاقبة التي يزيد ارتباطها بالنت والعالم الافتراضي جيلا بعد جيل، مرتبطا دوما بتاريخه مع كل مناسبة يتذكرها، فلا ينقطع عن ماضيه بل يتفاعل معه ويحييه من خلال التعليقات والحقائق والنقاشات التي ستثري رصيده التاريخي وتقوي أواصر التواصل مع جيل نوفمبر، فيسير على نهجه ولا يحيد أبدا”. الشباب يتصالحون مع تاريخهم على الواب إن هذا الكم الهائل من الوعي الذي لمسناه لدى الشباب بأهمية التواصل مع التاريخ،يتجسد جليا خلال جولتنا على الفايسبوك من خلال عشرات الصفحات التي يتم إنشاؤها والحسابات وفضاءات الحوار والنقاش، فقد أضحت الأنترنت أداة ”للتصالح مع التاريخ”، فالمسيرة الكفاحية للمجاهدين والشهداء تستهوي جيل ما بعد الإستقلال، والفضول يدفعهم للبحث واكتشاف بطولاتهم..فالتاريخ يكتبه الأبطال..وأبطال الجزائر رفعوا التحدي، الإرادة والعزيمة شعارا لهم لتحقيق نصر مبين. فترى هواة النت يتناقشون بحرارة وبروح وطنية عالية لإبداء آرائهم حول بعض الوقائع الثورية أو حتى مسيرة أبطال الجزائر، إذا علمنا أنه ولغاية يومنا هذا نشهد الكثير من الأسرار والحقائق التاريخية عن ثورتنا المجيدة التي تظهر للعلن لأول مرة، فتكون مادة دسمة لهؤلاء الشباب يتداولونها. نقرة واحدة على النت يحيي بها الشباب أمجاد الماضي وبطولات الكفاح وقد تعدى اهتمام الشباب بتاريخهم حدود تخليد الذكرى، فبنقرة واحدة وبمجرد جولة خاطفة قادتنا على شبكة الأنترنت، وجدنا كما هائلا من المنتديات والمدونات التي يناقش فيها تاريخ الجزائر بكل حرية، صفحات على الفايسبوك تم إنشاؤها خصيصا لتكون فضاء حرا للتحاور والنقاش حول كل ما يتعلق بتاريخ بلادنا وبالثورة التحريرية المجيدة، وهنا تكمن أهمية ”حرية التعبير” في هذا المد التاريخي على النت، كما يقول حسان صاحب مقهى أنترنت بالعاصمة: ”أعتقد أن حرية التعبير التي تمنحها الشبكة العنكبوتية كونها فضاء حرا للتبادل، دون قيد أو شرط، والمعلومات الهائلة التي يتم تداولها تجعلك تهتم بالكثير من القضايا والمواضيع التي لم تكن تستهويك سابقا، فأنا مثلا تستفزني الكثير من التعليقات على النت حول الحقائق التاريخية، ما يجعلني أتفاعل معها من خلال تعليق أو اثنين، ودون أن أدرك، أجدني قد دخلت في نقاش محتدم مع شخص لا أعرفه ودون بروتوكولات حول مختلف القضايا التاريخية، فأدافع عن فكرتي باستماته ودون هوادة، وإن كانت حجتي ضعيفة تجدني متنقلا عبر المواقع التي تروي تلك الحقائق لأعرف المزيد وأثري رصيدي المعرفي، فأشفي غليلي بالحجة الصادقة، فتنتابني راحة نفسية لا مثيل لها”. جيل الثورة التكنولوجية يخلد ذكرى الثورة التحريرية معلوم أن الطفل هو جيل الغد ومستقبل البلاد، وإن كان اهتمامه بالتاريخ لا يتعدى حدود الكتاب المدرسي، فلا بد من حيلة أو وسيلة توسع حدوده وتتعداها، ليصبح تاريخه مغروسا في ذاكرته لا يفارق حاضره ولا مستقبله، يستمد منه العبر والحكم، ويفتخر به بين الشعوب والأمم. والأطفال هم الأكثر فطنة وخفة وفعالية في استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة، بدليل الدراسات والبحوث التي أجريت في المجال، وحتى استنادا لتجاربنا اليومية، فالصغار يحسنون استغلال الوسائل التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الأكبر سنا، لذلك فترسيخ التاريخ عبر هذه المواقع هي بوابة ليدخلوا من خلالها إلى ذاكرة شعبهم وتضحياته التي ينعمون اليوم بفضلها بالحرية والحياة الكريمة، فيكبرون ويترعرعون على وقع دوي بطولات الأجداد ن فيتخذونهم ”مثلا أعلى” يقتدى به. خديجة أم وربة بيت في الأربعين تقول: ”إن كان الحل في أن يتصالح الشباب مع تاريخهم باستغلال الأنترنت، فهو إنجاز بحق، فقد أضحى مشهد مراهق أو طفل يتصفح كتابا تاريخيا ضربا من الخيال في زمننا هذا، ولو كانت القراءة الإلكترونية ستجعله يتعلق بتاريخ بلده فلابد من تعزيزها، المهم أن تمر الرسالة ويثير التاريخ اهتمامه وفضوله، وهنا مربط الفرس، مهما كانت الوسيلة فيديوهات أو منتديات أوحتى تعليقات على الفايسبوك..أعتقد أن هذا هو الاستغلال المفيد لتكنولوجيات الإعلام والاتصال”. الإستغلال الإيجابي لتكنولوجيات الإعلام والإتصال لترسيخ الثقافة التاريخية في جيل بأكمله أكيد أن تلقين النشء هو ضمان للإستمرارية والديمومة، وما أهم من التاريخ لكي يلقن للجيل الصاعد كي يحصن وتقوى شوكته، وما أدراك إن كانت هذه الحصانة بحجم ثورة أخرجت شعبا بأكمله من الظلمات إلى النور وكسرت شوكة واحدة من أعظم الدول في ذلك العصر بالإصرار والعزيمة، هي رسالة سامية يجب أن تدوم وتستمر.. من جيل إلى جيل..حتى لا يخف توهجها ولا يزول الشغف بها. فليحيي شباب اليوم الذكرى الستين لاندلاع الثورة التحريرية على النت بكل حرية.. وليفخروا بثورة هي الأعظم في القرن العشرين. يختتم، اليوم، معرض الفنان التشكيلي مراد تياعشت الذي احتضنه رواق عائشة حداد بالعاصمة لأزيد من أسبوع، تزينت جدرانه بقرابة 20 لوحة فنية من أجمل ما أبدعته أنامل الفنان الشاب الذي أراده أن يكون واجهة لإبراز غنى وتنوع الموروث الثقافي والفني الجزائري، حيث حاكت لوحاته مواضيع متباينة تنم عن عشق الفنان لكل ما تزخر به الجزائر وعن عمق هذا الموروث وأصالته. لوحات متميزة بخامات متنوعة تميل جلها إلى الواقعية والانطباعية حملت عناوين مختلفة، منها لوحة بعنوان ”حلي بربرية، ”القصبة ثلاثة ” ولوحة ”طبق تمر”، ”باب أخضر” و”مزهية من الخزف”، وغيرها من العناوين التي نستشف من خلالها سعي الفنان تياعيشت لاهتمامه بالإرث التاريخي والثقافي العريق لكل مناطق الوطن من خلال إبراز التقاليد والعادات التي تخص كل منطقة في أعماله الفنية، معتبرا إياها رسالة منه للتعريف وإبراز العديد من المشاهد الثقافية والاجتماعية الجزائرية العريقة. كما خص الفنان الشاب المرأة الجزائرية بمكانة هامة التي أخذت حصة الأسد في أعماله المعروضة، إذ نجد لوحة بعنوان ”المرأة القبائلية” وأخرى حملت عنوان ”المرأة الشاوية” ولوحة ”امرأتان بالحايك”، ارتأى من خلالها تقديم المرأة الجزائرية بكل ماتحمله من سمات. إلى جانب عرض لوحات الفنتازيا من خلال لوحتين تضمنتا فرسانا على متن أحصنة عبّرت عن حب الفنان لفن الفروسية. للتذكير، مراد تياعشت فنان تشكيلي من مواليد عام 1977 ببني عمران في ولاية بومرداس، باشر مسيرته في عالم الفن التشكيلي مطلع العام 2000، سنحت له فرصة المشاركة وإقامة عديد المعارض الفردية والجماعية على السواء في مختلف التظاهرات الثقافية داخل الوطن وخارجه. تعرف عليه محبو الفن التشكيلي واكتشفوا أعماله الفنية الرائعة التي تخلد التراث الثقافي والفني الجزائري من العادات والتقاليد الغنية والثرية التي تزخر بها الجزائر.