عندما ينظر الرئيس أوباما في المرآة هذه الأيام لا بد له أن يرى صورة مفزعة تحدق إليه: إنها صورة جورج بوش الابن. وفي انعكاس قاسٍ للتاريخ يتحول أوباما إلى الرئيس الذي قامت حملته الانتخابية على معارضة سياسته الخارجية. فقد أقال أوباما يوم الاثنين الماضي وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل عقب خسائر ضخمة مني بها في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس خلال السنة السادسة من رئاسته للبلاد، تماما كما صنع جورج بوش الابن من إقالته دونالد رامسفيلد عقب خسائره في التجديد النصفي إبان السنة السادسة من ولايته كذلك. وكما هو الحال مع بوش، جاءت الإطاحة بوزير الدفاع إثر المسار السيئ للحرب في منطقة الشرق الأوسط، والتي كانت تدور حول حرب العراق حينها، أما الآن، فهي تدور حول قصف تنظيم داعش الإرهابي. أدت الإطاحة برامسفيلد إلى موجة عارمة في العراق، ويأتي رحيل هيغل وسط إشارات إلى دور أوسع تلعبه القوات الأميركية في العراقوسوريا. ويضمن ذلك لأوباما أن يترك لخليفته حربا مشتعلة ومستمرة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن المحتمل جدا أن يتحول الأمر إلى الحرب البرية التي تعهد أوباما بإنهائها. ويشعر المحافظون الجدد الذين سيطروا على إدارة الرئيس بوش بنوع من التبرئة حال مشاهدتهم أوباما محاولا تجنب تكرار أحداث التاريخ. وقال دوف زاخيم، وكان من مسؤولي وزارة الدفاع في عهد بوش، إن هيغل كان بمثابة ”كبش فداء” من قبل البيت الأبيض في محاولة لوقف التصعيد في سورياوالعراق. ولكن زاخيم يقول: ”إنهم سوف يناضلون بقدر ما يستطيعون، ولكن الساعة تدق بوتيرة أسرع مما يتوقعون”. أصر المسؤولون في البيت الأبيض على مجيء هيغل وأوباما معا في لحظة إعلان قرار رحيل هيغل، غير أن الصناعة المسرحية للحدث أشارت إلى أنه لم يكن أمرا طوعيا؛ فلقد كانت فعالية سريعة التحضير في غرفة الطعام بالبيت الأبيض في حضور 20 شخصية فقط يجلسون في صفين متوازيين، والذين يوفرون نوعا مصطنعا من التصفيق عقب كلمة أوباما التي أثنى فيها بشكل مفرط على الرجل الذي أمره بالاستقالة من دون تعيين خلف له. خرج خطاب رحيل هيغل من جيب سترته الأيسر، وقال كل ما تود معرفته حول لماذا وافق أوباما على مغادرة الرجل لمنصبه من أنه ”كان الوقت المناسب بالنسبة إليه لإتمام خدمته”. توجه هيغل بالشكر للرئيس ولنائب الرئيس، ولرفاقه، ولجنرالات الجيش، والقوات، والكونغرس، ونظرائه الأجانب، ولعائلته كذلك، غير أنه تجنب تماما مجرد الإشارة إلى الحرب ضد تنظيم داعش. أدرج هيغل إنجازاته؛ الانسحاب من أفغانستان، وتقوية التحالفات، والإصلاحات في داخل وزارة الدفاع، غير أنه لم يذكر شيئا حول تجديد الحرب في المنطقة التي أنهكت الولاياتالمتحدة لعدة عقود، وذلك هو السبب وراء رحيل هيغل، وهو السيناتور الجمهوري السابق، ومن قدامى المحاربين من حاملي الأوسمة، وأول فرد مجند يشغل مثل ذلك المنصب الرفيع في وزارة الدفاع الأميركية، والذي جاء لمعاونة أوباما في تقليص الحروب وإحكام القبضة على وزارة الدفاع، وجعلت صلاته القوية مع الجيش ورفضه لاستخدام القوة منه الرجل المثالي لوظيفته، وجاءت جراحه من حرب فيتنام لتضفي عليه السلطة الأخلاقية للرد على صقور الدجاج الذين عارضوا انكماش المؤسسة العسكرية.ولكن الآن، احتل تنظيم داعش جزءا كبيرا من أراضي سورياوالعراق، حتى إن كارتر قال إن إدارة الرئيس أوباما كانت بطيئة للغاية في الاستجابة لذلك. وقد بدأ الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، في الترويج لفكرة القوات البرية، حتى إن بول راند ذا النزعة الانعزالية المتعافية دعا إلى إعلان الحرب على ”داعش”. أما أوباما سوف يحتاج إلى وزير للدفاع للإشراف على الحرب التي لا يريد الرئيس خوضها. ذهب أوباما لأبعد ما يمكنه حيال ”الرقي والنزاهة” لأجل ”الصديق العظيم” الذي كان يدفعه إلى خارج الحلبة، مثنيا على هيغل في كل شيء، بدءا بتخفيض القوات الأميركية في أفغانستان. يمكن لهيغل، رجل السلام، الآن أن يستمتع بالعطلة، مدركا أنه سوف يكون حرا وبعيدا عن تلك الحرب الجديدة بمجرد موافقة النواب على من يخلفه، ومما لا شك فيه، بعد كثير من: ”لقد أخبرتك بذلك”، من صقور الجمهوريين حول ”داعش”. أما بالنسبة لرئيس هيغل، من حيث الانجرار ناحية توسيع نطاق نفس الحرب التي كان قد انتخب لإنهائها، فلا يبدو في الأفق أي سبيل من سبل الراحة.