لا يحتاج الأمر إلى كثير من التدقيق للقول إن لبنان على أبواب انفجار سياسي أمني كبير، يمكن أن يحدث في أي لحظة، لأنه بات يملك من مقومات الانفجار الموزعة بين مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، التي تتوالى تفاعلاتها سواء في الجانب السياسي والأمني والاقتصادي - الاجتماعي. إن الأبرز في العوامل الداخلية للانفجار اللبناني، واقع الانقسام السياسي الحاد في أوساط النخبة السياسية، وهو انقسام له أبعاد كثيرة، لا تقف عند الموضوعات الداخلية، بل تمتد إلى موضوعات السياسة الخارجية، مما جعل من الصعب على اللبنانيين في المستوى الأول، توفير توافقات حول المؤسسات السياسية في البلاد بما فيها المؤسسات الكبرى، ومنها: مؤسسة الرئاسة، ورئاسة الوزراء، ومجلس النواب الذي لا يمكن فهم تمديده إلا باعتباره تمريرا للمشكلة أكثر مما هو معالجة لها، كما جعل في المستوى الثاني من اللبنانيين منقسمين حول علاقات لبنان الخارجية، ومنها الموقف من الوضع في سوريا، والعلاقة مع إيران. والأخطر من الانقسام السياسي، هو انقسام مسلح خارج حدود الشرعية اللبنانية، التي يشكلها الجيش، والأساس في هذا الانقسام وجود ميليشيات ”حزب الله”، التي طالما سعت إلى شرعنة وجودها، تحت حجة الدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل، دون أن يمنعها ذلك من الاستدارة للتدخل عسكريا إلى جانب النظام في سوريا، مما شكل خلفية لتشكيلات مسلحة، ما زالت محدودة في صف لبناني آخر، يقف اليوم في مواجهة سياسة النظام السوري في لبنان، وضد ما يقوم به من ممارسات ضد الشعب السوري. ويؤدي الانقسام السياسي إلى تعطيل لدور الدولة في لبنان وتقصيرها في رعاية شؤون اللبنانيين، وتكريسا لظواهر الفساد والمحسوبية، وغيابا لفرص تنمية البلاد ومعالجة مشاكلها، التي باتت مزمنة، وهو ما يؤدي إلى تدهور عميق في الواقع الاقتصادي – الاجتماعي بين مظاهر انتشار الفقر والغلاء والبطالة وأمراض اجتماعية متزايدة. والأهم في العوامل الخارجية للانفجار، يكمن في التدخلات الإقليمية الجارية في الشأن اللبناني، وأبرزها تدخل سوري – إيراني، هدفه تأمين لبنان باعتبارها حديقة خلفية، ليس لحماية النظام السوري ودعم سياساته فقط، بل تأكيد حضور وفاعلية إيران في الشأن اللبناني، وضمان وجود لبنان في إطار استراتيجية طهران الإقليمية. والعامل الثاني المهم في عوامل الانفجار اللبناني، هو مستوى من الإهمال الدولي للوضع في لبنان واحتمالاته، ويبدو ذلك مكرسا في السياسة الغربية الأميركية – الأوروبية بصورة عامة، ليس فقط بما يتصل بتداعيات الأزمة السورية على لبنان ومشاكل اللاجئين فيه، بل أيضا بما يتصل بشؤونه الداخلية، وهو وضع لم يعتد اللبنانيون عليه في السابق. وفي المنطقة الوسطى بين العوامل الداخلية والخارجية للانفجار، يقف الوجود السوري المتعدد الوجوه في لبنان؛ حيث تتداخل العوامل، لتخلق بيئة مفجرة على عدة مستويات سياسية وأمنية واقتصادية – اجتماعية، مما قد يجعلها تهدد مستقبل الكيان اللبناني، إذا لم تتم عملية محاصرتها وتغييرها، إضافة إلى إجراء تغييرات بنيوية في واقع السياسة اللبنانية. ويشكل الوجود السوري في لبنان كثافة عددية، تقارب مليوني نسمة، نحو الثلثين منهم لاجئون والثلث الآخر من المقيمين، ورغم أن العبء الرئيسي في موضوع اللاجئين ملقى على عاتق الأممالمتحدة وهيئات المساعدة الإنسانية، فإن تبعات أخرى ملقاة على عاتق الدولة والمجتمع في لبنان، في وقت يعجز فيه الطرفان عن توفير الاحتياجات اللبنانية أساسا؛ مما يخلق ظروفا للانفجار، تتفاقم في ضوء سياسة لبنانية تمييزية ضد السوريين واللاجئين منهم بشكل خاص، وهو أمر وفر بيئة لجماعات التطرف والإرهاب السورية مثل ”داعش” والنصرة، ولأخواتها اللبنانية، وجعل الوضع مفتوحا على صراع دموي، يجد له تعبيرات يومية في الأحداث التي تشهدها طرابلس عاصمة الشمال، وقرب مخيمات اللاجئين السوريين، التي تتعرض لهجمات من قبل مسلحين لبنانيين، فيما يتعرض الجيش إلى هجمات جماعات ”داعش” والنصرة. خلاصة الأمر في وضع لبنان، أن عوامل التفجير فيه تتزايد، وتتعمق، بحيث تضع لبنان على عتبة انفجار شامل ومرتقب، وما لم تتكاتف الجهود المحلية والإقليمية والدولية لحصار عوامل التفجير، والذهاب إلى خطوات تهدئة، وإيجاد حلول للمشاكل القائمة، فإن لبنان مقبل على انفجار قد لا يستطيع أحد إيقافه.