علم الغيب مختص بالله تعالى وحده، كما قال تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(النمل الآية: 65)، وقال: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)(الأنعام). ومن ثم فما جاء على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم بالإخبار عن أمور غيبية لم يدركها في حياته، أو لم يشاهدها، فبوحي من الله تعالى، للدلالة على صدقه ونبوته، قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(النَّجم). ومما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من المغيبات التي أطلعه الله عليها لتكون من دلائل وبراهين نبوته حديثه لأصحابه عن بعضَ صفات وأحوال التابعي أويس القرني رحمه الله الذي كان يسكن بالكوفة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره أو يقابله. وأويس القرني رحمه الله هو القدوة الزاهد، سيد التابعين فى زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرنى المرادي اليمانى، قال عنه أبو نعيم: ”فَمِنَ الطبقة الأولى من التابعين سيَّد العباد، وعَلَمُ الأصفياء من الزهاد، أويس بن عامر القرني”. وأما قصته في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد رواهامسلم في صحيحه عن أسير بن جابر رضي الله عنه قال: (كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد (الجماعة الذين يمدون جيوش الإسلام) أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟، حتى أتى علي أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟، قال نعم، قال: من مراد، ثم من قرن؟، قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟، قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرّ، لو أقسم على الله لأبره، قال: فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفِر لي، فاستغفرَ له، فقال له عمر: أين تريد؟، قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟، قال: أكون في غبراء (فقراء وعامة) الناس أحب إليَّ، قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس قال: تركته رث البيت، قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فأتى أويساً فقال: استغفِر لي، قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي، قال: لقيتَ عمر؟، قال: نعم، فاستغفرَ له، ففطِن له الناس، فانطلق على وجهه). في قصة أويس القرني رحمه الله دليل من دلائل النبوة، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أويس وعن نسبه، وبرِّه بأمه، ومرضه وبرئه منه، رغم أنه كان يعيش في الكوفة ولم يدرك أو يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وقد تحقق عمر رضي الله عنه من صفات أويس لما قدم إلى المدينةالمنورة، فكانت كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؟. وفيها: فضل برِّ الوالدين والذي به نال أويس تلك الخيرية، وأثر الدعاء والبر في رفع البلاء. وفيها: فضل ومنزلة أويس بن عامر القرني فهو خير التابعين لقوله صلى الله عليه وسلم ذلك قال النووي: ”وفي قصة أويس هذه معجزات ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم”. وقال في شرحه لها: ” قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن لقيه منكم فليستغفر لكم )، وفي الرواية الأخرى قال لعمر: ( فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل )، هذه منقبة ظاهرة لأويس رضي الله عنه وفيه استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح، وإن كان الطالب أفضل منهم .. وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن خير التابعين رجل يقال له أويس) هذا صريح في أنه خير التابعين، وقد يقال: قد قال أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، والجواب أن مرادهم أن سعيداً أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونحوها، لا في الخير عند الله تعالى، وفي هذه اللفظة معجزة ظاهرة أيضا”. وقال البلقيني: ”الأحسن أن يقال: الأفضل من حيث الزهد والورع أويس، ومن حيث حفظ الخبر والأثر سعيد بن المسيب”.