ماذا جاءت تفعل ابنة لوبان في مصر، وتحديدا في الأزهر، أين استقبلها شيخ الأزهر؟! هل تدشن بهذا الموقف غير المسبوق مرحلة جديدة في سياسة الحزب اليميني المتطرف والعنصري، الحاقد على المسلمين والعرب وكل ما هو غير غربي؟ لكن أين خبأت لسانها وهي تدخل الأزهر؟ وهي من كانت في كل مرة تنقط سموما، وتشيطن المسلمين وتتهمهم مثل والدها بكل مساوئ الكون؟ الإعلام الفرنسي نكت كثيرا على هذه الزيارة، لكن النكتة تليق بما قاله لها شيخ الأزهر، الذي قال لها إنه متحفظ على تصريحاتها ومواقفها من الإسلام! نعم اكتفى فقط بالتحفظ مثلما هو حال مواقف الزعماء العرب، التحفظ والإدانة والشجب! لوبان ذكية، وهي الآن توجه الجبهة في طريق جديد، لتخلصها من الصورة الشيطانية التي التصقت بها، والتي كانت وبالا عليها في كل مرة تخوض انتخابات مثلما عاشته فرنسا لما بلغ والدها الدور الثاني في رئاسيات 2002، النتيجة التي نشرت الرعب في الفرنسيين، واصطفوا كلهم في صف شيراك في الدور الثاني. وحتى لوبان نفسه بقي مصدوما ولم يتوقع النتيجة، لم يتوقع أنه يصل إلى الدور الثاني في الرئاسيات الفرنسية، وصدمته التي صرح بشأنها مؤخرا، أنه لم يكن مستعدا لقيادة فرنسا ولا يملك الرجال والإطار لذلك!؟ لقد تحررت عقرب فرنسا الصفراء من والدها المتشدد مؤخرا، لما أطاحت به من الرئاسة الشرفية للجبهة، وهو الموقف الذي لم يستسغه وحش تعذيب الجزائريين أثناء الثورة، وتوعدها بحرب دون هوادة. لكن مارين تعرف ما تفعله، ووالدها صار كرة حديدية في عجلة الجبهة، خاصة بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها لليهود والمحرقة، وليست المرة الأولى التي يشكك فيها هكذا. مارين تعرف أنها لن تجني شيئا ولن تذهب بالجبهة أبعد من هذا، إذا لم تخلصها من إرث الحقد والكراهية الذي ورثته عن مؤسسها لوبان، وهي اليوم تحاول أن تكون تنظيما سياسيا طبيعيا له إيجابياته وله سلبياته، وتريد هي أن تكون شخصا يمكن مصادقته والجلوس إليه، فقد كلفتها سياسة الجبهة الحاقدة على كل شيء الكثير، وكانت في كل مرة تبذل الكثير، لتبدو شخصية سياسية طبيعية. من هنا جاءت هذه القفزة، مرة واحدة في باحة الأزهر، وتكسرت مرة واحدة صورة العدو الأول للمسلمين والإسلام في فرنسا، الصورة التي زادت قتامة في الأشهر الأخيرة بعد العملية الإرهابية ضد صحيفة شارلي إيبدو، حيث كانت مارين يومها مرفوضة من المشاركة في المسيرة المنددة بالإرهاب والعنف، بسبب مواقفها المعادية للإسلام. إنها حملة إذاً رئاسية قبل الرئاسيات، بدأتها وريثة عرش آل لوبان، فبعد موسكو حيث كسرت حاجزا آخر من الجليد، جاءت إلى القاهرة واستمعت إلى شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي نصحها بإعادة النظر في مواقفها من الإسلام والمسلمين!؟ لكن في ماذا التقت وجهة نظرها بوجهة نظر شيخ الأزهر، مثلما علقت، أم أن أنها فهمت أن الوعاء الانتخابي وأصوات المسلمين مهم ولا يمكن الاستهانة به؟! فهمت أن فرنسا لن تكون إلا بلدا من الخليط الإثني ومن مختلف الديانات، وما عليها إلا التعامل مع هذه الحقيقة التي لا مفر منها!؟