رغم أن ستة آلاف من الأميال تفصل بين بودابست وبكين، فإنهما قررتا الاقتراب أكثر من بعضهما. في احتفالية هادئة، الأسبوع الماضي، أصبحت المجر أول بلد أوروبي ينضم إلى مبادرة ”طريق الحرير الجديد”، وهي برنامج تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات لبناء بنية تحتية وتجارة على امتداد الطرق البرية والبحرية لطريق الحرير القديم الذي كان يمتد عبر آسيا وأوروبا. في الوقت الراهن، ربما لا يكون لمشاركة المجر أي تأثير خارج حدود هذا البلد. ولكن مع حذو بلدان أخرى حذوها، فمن المرجح أن تمر علاقة الصين الاقتصادية والسياسية مع أوروبا بنقلة دراماتيكية ربما لا يستسيغها الاتحاد الأوروبي. إن اهتمام الحكومة الصينية بأوروبا ليس بجديد؛ ففي السنوات الأخيرة، ضخت الصين استثمارات هائلة في منشآت الموانئ اليونانية، ووافقت على المساعدة في تمويل تطوير خدمة قطار سريع بين بلغراد وبودابست. وفي كلتا الحالتين، أرادت الصين أن تسهل مرافق وتوفر مقومات التصدير إلى الأسواق الأوروبية. وفي المقابل، عرضت شيئا على البلدان المعنية هنا، وهو المساعدة في بناء البنية التحتية، وإتاحة وصول سهل إلى الأسواق الصينية، بافتراض أن بمقدور هذه البلدان أن تجد ما يمكنها تصديره للصين. ما يميز مبادرة طريق الحرير الجديد هو سعي الصين الآن إلى شراكات أعمق، ضمن استراتيجية سياسية شاملة. وفي إطار عمل طريق الحرير الجديد، يعد هذا جزءا من جهد واضح لتوسيع النفوذ الصيني في أنحاء أوروبا، في خطوة نحو تحقيق هيمنة الصين على الساحة العالمية. ولم تنكر بكين طموحاتها الواسعة بشأن برنامج من المتوقع أن يحقق تجارة سنوية بقيمة 2.5 تريليون دولار بنهاية العقد الحالي، ففي مارس (آذار)، أعلنت ”شينخوا” (وكالة الأنباء الرسمية الصينية) أن الغرض من البرنامج لا يقل عن ”تغيير الطبيعة السياسية والاقتصادية للعالم”. ووفقا لتحليل لمصرف ”باركليز”، فسوف يستفيد الاقتصاد الصيني بصورة هائلة من فتح أسواق جديدة تتوافق مع إمكانيات البلد الهائلة. لكن، ما النفع الذي سيعود على المجر من ذلك؟ في 2013 أشار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى أن بلدان وسط أوروبا بحاجة ماسة إلى البنية التحتية التي ”ليس لدى منطقة اليورو القدرة على تمويلها في ظل الوضع الحالي”. وما زال هذا التقييم في محله، بعد مرور عامين على هذا التصريح. وفي الوقت نفسه، نمت حاجة الصين إلى تنويع استثماراتها لما وراء اقتصادها المتباطئ. وبالنسبة إلى المجر، قد يبدو التحول باتجاه الصين قرارا سهلا. تستشرف مبادرة ”طريق الحرير الجديد” خفض الحواجز التجارية لتشجيع التجارة، ولكن، بالنظر إلى إنتاج الصين الفائض عن الحد، فمن المؤكد أن بكين ستكون المصدر ذا اليد العليا في أي علاقة تجارة تنشأ عن ذلك، على حساب الصناعات المحلية في البلدان الشريكة. لم تتردد الصين في التخلي عن المصنعين المحليين عند بنائها طرقا، وخطوط سكك حديدية في البلدان الشريكة، وكانت الشركات الصينية تريد أن يقع الاختيار عليها كمورد ومتعاقد رسمي للمشروعات. إضافة إلى ذلك، هناك مخاطر سياسية. وتعلن الوثيقة التأسيسية لمبادرة ”طريق الحرير الجديد” أن المبادرة ستلتزم ب”المبادئ الخمسة” للسياسة الخارجية الصينية، بما في ذلك ”عدم الاعتداء المتبادل” و”عدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية لكلا الطرفين”. وفي السنوات الأخيرة، أكد المسؤولون الصينيون على النقطة الأخيرة بوجه خاص، خاصة عند الرد على الانتقادات لوضع حقوق الإنسان في المناطق التي تضم أقليات عرقية، بما في ذلك إقليم التبت. ودائما ما تكون المساعدات التنموية مقترنة بشروط، بالطبع، أي ما كانت الدولة المانحة، ولكن أفضل فهم لاستثمارات الصين هو أنها وسيلة تراكمية نحو تحقيق غاية جغرافية سياسية، وهي غاية تتناقض مع عدد من المبادئ التي يتنباها الغرب. وربما لا يمثل انضمام المجر إلى هذا المشروع صدمة، بالنظر إلى النهج السلطوي لحكومتها. ومع وجود الكثير من الاستثمارات الممكنة على المحك، فلن يكون من قبيل المفاجأة أن يقود الإغراء بلدانا أوروبية أخرى نحو إبرام شراكاتها الخاصة مع الصين، ولكن على هذه البلدان أن تفهم أنه من غير المرجح أن تتخلى الصين عن مصالحها الوطنية، عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في أوروبا.