أدّت الفوضى التي تعيشها المنطقة العربية، بسبب الصراعات المذهبية والعرقية المسلحة من جهة وما يسمى ب”الربيع العربي” من جهة أخرى، إلى انقلاب موازين القوى الإقليمية، وايقاظ النزعة التوسعية لدى بعض الدول التي شرعت في إعادة رسم نفوذها في المنطقة. كما سمحت ببروز مطالب على غرار الاكراد، تأرجحت بين أحزاب سياسية تسعى للحكم، وحركات وتشكيلات عسكرية تسعى للاستقلال، وأخرى تسعى إلى إثبات وجودها والمطالبة بحقوقها. ولتسليط الضوء على مشكلة الأكراد، حاورت ”الفجر” شخصية بارزة، تتمثل في السيد صلاح بدرالدين وهو من مواليد 1945 بسوريا. انتسب مبكراً إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا وساهم مع الجناح اليساري القومي عام 1965 في تدشين النهج القومي الديمقراطي في الحركة الكردية. عاش الجزء الأكبر من حياته ومنذ صيف 1966 في العمل السري والاختفاء بالداخل والهجرة القسرية إلى لبنان وكردستان العراق وتونس وألمانيا الديمقراطية والاتحادية فيما بعد. منذ كونفرانس عام 1968 أصبح السكرتير الأول للحزب الديمقراطي الكردي اليساري في سوريا، ثم أمينا عاما لحزب الاتحاد الشعبي الكردي. التقى الراحل الملا مصطفى البارزاني للمرة الأولى في جوان 1967. أسس في لبنان ”رابطة كاوا للثقافة الكردية” كمؤسسة ثقافية في أعوام 1975 -1978. ويترأس الرابطة في كردستان العراق منذ عام 1999. ساهم في بناء علاقات مع حركة التحرر العربية وخاصة الحركة الوطنية اللبنانية وقوى منظمة التحرير الفلسطينية وقلده الرئيس الراحل ياسر عرفات درع الثورة الفلسطينية. وهو رئيس جمعية الصداقة الكردية – العربية. انسحب طوعا من رئاسة حزبه وكل العمل الحزبي منذ عام 2003 ويمارس قناعاته الثقافية والسياسية بصورة مستقلة من بين مؤلفاته: الكرد والحركة التحررية الكردية - بيروت - برلين - 1982 ( باللغات الكردية والعربية والألمانية )، الاكراد شعبا وقضية ”بيروت” 1986، القضية الكردية والنظام العالمي الجديد - بيروت - 1992. الصراع في سوريا ”النظام -الكرد - المعارضة”- أربيل - 2010. ونظام اقليمي جديد للتحرر القومي -أربيل - 2010. وله مئات المساهمات في الصحف والمجلات والمواقع الكردية والعربية. يعد مصير الأقلية الكردية في تركياوسورياوالعراق أحد أكثر الأسئلة إلحاحا في الشرق الاوسط حاليا. هل ترون إجحافا تجاه الأكراد من طرف الأنظمة القائمة في المنطقة؟ وإن وجد فيما تكمن المظلومية؟ داية لو سمحتم لي تصحيح عبارة ”الأقلية” واستبدالها ب”المكون” الكردي، فالكرد في البلدان الأربعة من السكان الأصليين وهم شعب مجزأ ليس بإرادته ولا بإرادة الشعوب المتعايشة المتجاورة بل نتيجة الاتفاقات والمعاهدات الدولية - الإقليمية، فالتقسيم الأول للكرد حصل في معركة جالديران بالقرن الخامس عشر، حيث اقتسمت الامبراطوريتان العثمانية والصفوية الكرد وموطنهم، ثم جاء التقسيم الثاني بعد اتفاقية سايكس - بيكو عام 1916 حيث توزع الكرد بين الدول الأربع (تركيا - إيران - العراق - سوريا) وأمعنت الأنظمة الحاكمة في اضطهادهم ومحاولة صهرهم عبر المخططات العنصرية وتغيير التركيبة الديمغرافية لمناطقهم إلى درجة استخدام حروب الإبادة والأسلحة الكيمياوية ضدهم، وهي باتت معروفة وموثقة. حتى الآن وباستثناء العراق ليس هناك اعتراف رسمي ودستوري وقانوني بوجود الكرد وحقوقهم القومية المشروعة، مع أنهم يربو عددهم عن الأربعين مليونا في تلك البلدان، وهم يشكلون القومية الرابعة من حيث العدد والموقع الجغرافي بعد العرب والترك والفرس، وهم بحسب شرعة حقوق الأنسان وميثاق الأممالمتحدة يستحقون كأي شعب آخر أن يقرروا مصيرهم بإرادتهم الحرة. كما أعتقد أن تصدي الكرد لإرهابيي دولة الخلافة الإسلامية ”داعش” والانتصار عليهم في أكثر من موقع، وخصوصا في إقليم كردستان العراق قد جلب الاهتمام الدولي، وآمل أن لا يكون آنيا وظرفيا، خاصة وأن ذلك الاهتمام اقتصر حتى الآن على الجانب الإعلامي. يرى البعض في البعد القومي للملف الكردي في سوريا، وامتداده خارجها، بمثابة خيانة، ما تعليقكم ؟ من حيث الواقع الموضوعي هناك قضية قومية كردية سورية. بمعنى هناك تجاهل واضطهاد وعدم اعتراف بالحقوق الأساسية في ظل الأنظمة والحكومات المتعاقبة منذ بداية عهد الاستقلال وحتى الآن، وذهب النظام البعثي - الأسدي بعيدا في وضع المخططات الشوفينية لتعريب الكرد وتهجيرهم من مناطقهم وحرمانهم من حق المواطنة، ما أدى إلى انبثاق الحركة الوطنية الكردية للتصدي لتلك المخططات والانخراط في المعارضة السورية الديمقراطية مبكرا، ومنذ اندلاع الثورة السورية وقف الجسم الأساسي للحراك الثوري الكردي مع الثورة والتزم بأهدافها وشعاراتها وقدم الشهداء والتضحيات، انطلاقا من رؤية أن مصلحة الكرد كفئة مضطهدة تكمن في التغيير الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة، ولم يكن الانفصال عن سوريا في برنامج أي طرف كردي، وبالتالي ليس هناك خيانة للوطن والشعب والقضية السورية. من الواضح أن قطاعا واسعا من الرأي العام العربي في المشرق والمغرب قد أصبح ضحية التضليل من جانب الجماعات الشوفينية بخصوص الكرد، حيث أرادوا خلق انطباع سلبي عنهم من قبيل ”إسرائيل ثانية” وانفصاليين وخونة وأعداء للعرب، والحقيقة ليست كذلك، فالكرد متمسكون بالصداقة والشراكة والعيش المشترك مع جيرانهم ومواطنيهم من الشعوب الأخرى، وخاصة العرب الذين يشاركون الكرد بتاريخ طويل منذ قرون وبالثقافة والمعتقدات، ومن واجب النخب الثقافية في الشعبين مد وتعزيز جسور التواصل والحوار والتفاهم، فهناك تقصير واضح ونحن من جانبنا نعترف بذلك التقصير ونحاول تفاديه، وقد بادرنا في مراحل سابقة بتشكيل جمعية الصداقة الكردية - العربية بأربيل، حيث أتشرف برئاستها، وعقدنا لقاءات حوارية وقمنا بنشاطات تصب في مجرى التفاهم والصداقة بين الشعبين، كما أسسنا جمعية الصداقة الفلسطينية الكردية وأمامنا مشاريع أخرى بهذا الاتجاه. ما تعليقكم على التصريحات التي أطلقها مؤخرا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والتي يقول فيها بأنّ بلاده لن تسمح أبدا بإقامة دولة كردية في جنوبها الشرقي تضم أجزاء من شمال سوريا، وأن أنقرة ستمنع تنفيذ هذا المشروع مهما كلفها ذلك. حن نستغرب تلك التصريحات لأنه لم يعلن أي طرف كردي حتى اللحظة عن خطط تشكيل كيان كردي مستقل في شمال سوريا أو جنوبتركيا أو المناطق الكردية هناك، ويجوز أن تكون للاستهلاك السياسي المحلي وتتعلق بالوضع الداخلي التركي، أعتقد أن الفرصة مواتية الآن لخطوات جديدة بعد الانتخابات من جانب السيد أردوغان لإيجاد حل للقضية الكردية في تركيا وتنفيذ اتفاقية (هاكان - أوجلان) حول السلام، ونحن نستهجن ربط وضع ومستقبل كرد سوريا بقضايا داخلية تركية إن كان من جانب الحكومة التركية أو من جانب الجماعات السورية التابعة لحزب العمال الكردستاني التركي، نحن كرد سوريا مصيرنا مرتبط بالثورة السورية وبالشعب السوري، طبعا هناك قواعد للعبة واضحة بين الجانبين وامتداداتها الإقليمية، ولا نريد ولا نرغب أن يصبح كرد سوريا جزءا من تلك اللعبة ولا أن نصبح وقودا لصراع الآخرين على أرضنا وفي مناطقنا. أعادت تركيا مؤخرا وزير الدفاع السابق وجدي جونول إلى منصبه ونشرت المزيد من القوات على الحدود مع سوريا، ألا يخفي هذا الإجراء نوايا توسعية من لدن أنقرة؟ دائما ومنذ انهيار الإمبراطورية العثمانية هناك أطماع لدى أحزاب ونخب تركية باسترجاع الأمجاد وحتى مناطق تابعة لبلدان مستقلة، وقد اختلطت تلك الأطماع بالدعايات الانتخابية وتحولت سلاحا للمنافسة في الضرب على الأوتار القومية العنصرية. ولكن السؤال هو هل أن القرن الواحد والعشرين وبعد تأسيس الدول ورسم الحدود الدولية يقبل ضم أجزاء من هذه الدولة أو تلك إلى دول أخرى ؟ لا أعتقد ذلك، ولكن القضية السورية والحرب الداخلية الطاحنة واستهتار نظام الاستبداد بسيادة واستقلال البلاد بجلب قوى وميليشيات مذهبية من الخارج مثل ”فيلق القدسالإيراني وحزب الله اللبناني والجماعات الشيعية العراقية” قد فتحت الباب على مصراعيه لتوافد الطامعين من كل صوب وحدب، بغية تقسيم مناطق النفوذ وضرب وحدة البلاد، لذلك فإن الحل الوحيد لقطع الطريق على هذه التحديات هو إسقاط النظام وتشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة الثوار لإنقاذ الوطن وترسيخ وحدته وإعادة بنائه. تم تداول أخبار عن نوايا توسعية أردنية على حساب سوريا، وتحدثوا عن ”أردن مترامي الأطراف”، يقتطع أنبار العراق وحوران سورية وضفة فلسطين الغربية، ما مدى صحة هذه الاخبار برأيكم؟ هذه مجرد سيناريوهات في مخيلة طارحيها وسمعنا الكثير ونسمع يوميا مثيلاتها. لا أعتقد أن الوطنيين السوريين سيرضون بتقسيم بلادهم وتجزئتها حتى لو فرضنا جدلا أن هناك أطماعا، نعم نعيش بمحنة مستعصية الحل ولكن بالنهاية سيعم السلام والوئام بين كل المكونات السورية، وكما نعرف أن الأردن وحتى تركيا ساهمتا في دعم الشعب السوري إنسانيا وسياسيا واستقبلتا الملايين من النازحين والمهجرين وقدمتا المأوى والمسكن لهم. صرح مسؤول بوزارة الدفاع الإسرائيلية إن بشار الأسد لا يسيطر إلا على خمس سوريا وقد ينتهي به الأمر بأن يكون مسؤولا عن بقايا دولة تهيمن عليها الأقلية العلوية التي ينتمي لها، هل تتنبأون بسيناريو من هذا القبيل؟ من الواضح وإذا استمر النظام برفض مطالب السوريين ورد إرادة الغالبية الساحقة، فهذا يعني أن رأس النظام وضع له خيار الانتقال إلى بيئة تحميه، وهذا الخيار لن يكون إنقاذا له ولنظامه ولا أعتقد أن الطائفة العلوية الكريمة ستتورط أكثر، بل هناك أصوات عالية تطالب بإزاحة عائلة الأسد وتقديمها لمحاكم الشعب. أما الانطباع الإسرائيلي حول ضعف النظام فهذا لا يحتاج إلى نقاش وليس اختراعا، فمن أضعف النظام هو الشعب السوري عبر شهدائه وتضحياته، ولا شك أن إسرائيل ستتضرر من سقوط النظام الذي سكت عن احتلال الجولان وسرقة المياه السورية. وبالمناسبة أحد أسباب تلكؤ إدارة الرئيس أوباما في دعم الشعب السوري هو الضغط الإسرائيلي. برأيكم كيف يمكن جمع معارضة سورية الآن ؟ وهل هناك أمل في لملمة الجرح السوري؟ حسب رؤيتي هناك فرق بين الثورة والمعارضة، فالأولى كانت أولا، ثم جاءت المعارضات تباعا وهي لم تستطع تمثيل الثورة ولا خدمتها ولا تأمين مستلزماتها، بل أن قسما منها أساء إليها ورهنت القرار الوطني السوري بالخارج، كما أن الإخوان المسلمين السوريين وبتصدرهم للمعارضة (المجلس والائتلاف) قد شوهوا صورة الثورة وحولوها من ثورة وطنية ديمقراطية إلى إحدى حركات الإسلام السياسي، وأفسحوا بذلك المجال لإغراق الثورة بالجماعات الإرهابية العاملة باسم الدين، طبعا الإخوان استغلوا الحزب الحاكم الإسلامي التركي والمال القطري ولكنهم فشلوا بالنهاية وبقيت قوى الثورة من تشكيلات الجيش الحر والحراك الثوري العام متمسكة بمبادئ الثورة، رغم إضعافهم وإحكام الحصار الاقتصادي والتسليحي عليهم. كنت قبل شهر في مؤتمر مجلس قيادة الثورة الذي انعقد في بلدة الريحانية على الحدود السورية التركية، وأفصحت عن وجهة نظري بخصوص المستقبل، وطالبت بضرورة العمل التحضيري من أجل مؤتمر وطني سوري عام يخرج ببرنامج سياسي وخريطة طريق ومجلس سياسي عسكري مشترك مصغر لقيادة المرحلة القادمة، وكما آمل فإن العمل جار بهذا الخصوص. كيف تتصورون مستقبل أكراد سوريا ؟ وما هي الرسالة التي توجهونها لهم؟ أرى أن مستقبل كرد سوريا مرتبط عضويا بمستقبل كل السوريين وهم جميعا لن ينعموا بالحرية والكرامة والأمان، في ظل نظام الاستبداد، وسوريا باعتبارها بلدا متعدد الأقوام والأديان والمذاهب أحوج ما تكون إلى نظام ديمقراطي توافقي بعيدا عن الأصوليتين الدينية والقومية، ومن الواضح أن مصير كرد سوريا سيتقرر بإرادتهم الحرة وكما يشاؤون في إطار سوريا الجديدة المنشودة الموحدة، وهناك العديد من الحلول والخيارات سيختار السوريون أفضلها. أناشد أبناء شعبي الكردي بأن يكونوا يدا واحدة في وجه نظام الاستبداد وإرهابيي داعش وكل متفرعات تنظيم القاعدة، ومع قوى الثورة وحريصين على الصداقة والعيش المشترك مع كل المكونات السورية من عرب وغيرهم، فمصيرنا واحد ومستقبلنا واحد. مع كل الشكر لإدارة صحيفة ”الفجر”