تعد بلدية عين بن بيضاء واحدة من بين أكبر بلديات ولاية ڤالمة الفقيرة، وهي اليوم محاصرة بين العزلة وقلة الموارد ونقص التنمية سكانها الذين عانوا ويلات الإرهاب في العشرية السوداء يصارعون ظروف الحياة القاسية وسط واقع مأساوي. يشكو سكان البلدية من عدة مشاكل متعلقة بحياتهم اليومية، والمتمثلة في انعدام مختلف المرافق الضرورية كالملاعب الجوارية ودور الشباب. كما تعرف البلدية ضعفا في الانارة العمومية ونقص كبير في التزود بالمياه الصالحة للشرب، وهو الوضع الذي جعلهم يعيشون ظروفا صعبة والسكن، وغيره من المتطلبات التي تخص حياتهم اليومية، حيث ظلت بلدية عين بن بيضاء الكائنة بالجهة الشمالية على بعد 57 كلم عن عاصمة الولاية، تحدها ولاية الطارف وعنابة وبتعداد سكاني يقدر بأكثر 10000نسمة. التنمية بها قليلة أوشبه منعدمة لسنوات طويلة، ما خلف انتشار عدة آفات لخصها السكان في السرقة والمخدرات وانعدام فرص العمل، ما جعل البطالة شبحا يلازم شبانها بسبب غياب الاستثمار، رغم وجود منطقة صناعية بالمنطقة منذ بداية الثمانينيات، ومن أصل 40 مشروع استثمار انطلق مشروع واحد فقط هو مركب قارورات غاز البوتان، الأمر الذي جعل شبان المنطقة يصرفون النظر عن آمالهم في الحصول على فرص عمل في ظل غياب مشاريع تنموية، خاصة إذا علمنا أن المنطقة تعرف بطابعها الفلاحي وتربية الحيوانات، وهو ما يقلل من فرص العمل بالبلدية. وأمام حالة الفقر والحاجة، دفعت الأوضاع هؤلاء الشبان إلى النزوح نحو المدن الكبرى التي تتوفر على فرص عمل ولو بأجور زهيدة، على غرار عنابة والطار ف القريبتين من البلدية. من جهة أخرى، تعاني المنطقة من نقص في التغطية الصحية، خاصة في بعض التجمعات السكنية الكبيرة الذين يتنقلون لعدة كيلومترات لحقن إبرة لمقر عاصمة البلدية الأم. وعن المجمع الصحي لهذه الأخيرة أكد بشانه السكان أنه اصبح غير كاف لتلبية احتياجات سكان البلدية، ما يجعلهم يتطلعون إلى مستشفى صغير من شأنه رفع الغبن عن الأهالي، خاصة قاعة ولادة التي أصبحت مطلبا ملحا لدى السكان. غياب التهيئة وانتشار الفوضى تعرف أغلب طرق شوارع بلدية عين بن بيضاء، اهتراء كبيرا لعدم إعادة تزفيتها. المياه الصالحة للشرب هي ايضا من بين أكبر الانشغالات التي باتت تؤرق سكان البلدية الذين أكدوا أنهم سئموا من شراء المياه المعدنية ومياه الصهاريج التي أثقلت كاهلهم بسبب ارتفاع أسعارها، إذ بلغ ثمن الصهريج الواحد 03 آلاف دج. وقد أرجع السكان سبب إقدامهم على اقتناء مياه الصهاريج أوالمياه المعدنية إلى ملوحة المياه التي تصلهم من بلدية الذرعان. كما يعرف مشكل السكن بجميع أنواعه الترقوي والريفي منه حلما صعب المنال للعديد من سكان البلدية، خاصة أن النسبة الممنوحة للبلدية جد قليلة لا تلبي الطلبات الكبيرة المودعة لدى مصالح البلدية في ظل غياب جيوب عقارية. كما طالب السكان بااصلاح الانارة العمومية التي تكاد تكون منعدمة في بعض الأحياء. أحياء بوحمرة وطبة العشي.. نتاج النزوح الريفي يعتبر التجمعان السكنيان بوحمرة وطبة العشي وأكثر من 100 ”براكة” من الزنك ببلدية عين بن بيضاء، نتاج للهجرة الجماعية لسكان الآرياف خلال العشرية السوداء، أين منحت لهم سلطات البلدية آنذاك سكنات تدخل في إطار البناء الريفي بحي بوحمرة وطبة العشي، لكن بدون مرافق عمومية، فلا كهرباء منزلية ولا ماء ولا قنوات للصرف الصحي، وهو يجعل المجمعين السكنيين عبارة عن محتشد. بينما لايزال سكان ”البرارك” ينتظرون دورهم في الترحيل إلى سكنات اجتماعية لائقة أو منحهم اعانات لبناء سكنات ريفية، لكن هذه الأخيرة تظل بعيدة المنال في ظل غياب جيوب عقارية لإنجاز مثل هذه السكنات، حسب السكان من جهة ومن جهة أخرى في ظل غياب مجلس شعبي بلدي. الفقر دفع عائلة للتخلي عن ابنيها لصالح عائلات أخرى في جزائر العزة والكرامة لاتزال عائلات تنام دون أكل ولا تشاهد التلفزيون ولا إنارة ببيتها.. وهو حال عائلة عمي السبتي، البالغ من العمر 65سنة القاطن بأحد الاحياء الهشة بعين بن بيضاء، هذا البيت دلنا عليه أحد جيرانه، وما أن وطئت أقدامنا بابه حتى تأكدنا أن هناك اشخاصا يستحق أن نطلق عليهم اسم ”المعذبون فوق الأرض”، فغرفة نوم عمي السبتي تفتقر لأدنى شروط الحياة، فهي عبارة عن أكوام النفايات لا هواء ولا إنارة ولا ثلاجة. يقول عمي السبتي إن الفقر دفعه في وقت ما بالتخلي عن ولده وابنته لعائلتين لتقوم بتبنيهما، ليبقى وحيدا رفقة زوجته التي قاسمت معه هموم الحياة القاسية. وقد زار رئيس دائرة بوشڤوف، بيت عمي السبتي، أين وقف على حجم المعاناة التي تعيشها هذه على مدار عشرات السنين دون أن يشعر بهما أحد، أين منح له رئيس الدائرة مسكنا اجتماعيا لكن عمي السبتي رفضه نظرا لعدم قدرته على دفع حقوق العقد، لكن رئيس الدائرة أصر على دفع المستحقات من جيبه الخاص حتى تتمكن عائلة عمي السبتي من العيش ما تبقى من العمر في ظروف حسنة. قرية السيلن.. هنا تنتهي الحياة روي الكثير عن مياهها العذبة وحقولها الشاسعة، ما جعلنا ننتقل اليها حتى نقف على أسرار هذه القرية الصغيرة التي هجرها سكانها خلال العشرية السوداء نتيجة تعرض العديد منهم للإعدام، ولم تبق سوي آثار الخراب الذي طال مباني القرية الفلاحية الواقعة في حفرة تحيط بها الهضاب والتلال. الأبواب والنوافذ اقتلعت وتم نهبها ، والبيوت تهدمت وبقيت جدرانها المهدمة تصارع قساوة الطبيعة والزمن. بلغنا القرية بعد مسيرة شاقة وصعبة دامت قرابة الساعتين، عبر طريق بلدي مهترئ يصعب التنفل عبره، وهو العائق الأول الذي حال دون رجوعهم إلى القرية. إرهاب وتهميش هجّرا السكان.. ومنازل سكنتها الأشباح يقول بعض أبناء قرية السيلن، التي انجزت خلال نهاية السبعينيات في اطار بما يسمى القرى الاشتراكية، إن الجماعات الارهابية التي قتلت 07 أشخاص حولت حياة السكان إلي جحيم جعلهم يغادرونها، نازحين نحو مقر البلدية الأم للحصول علي لقمة العيش لأسرهم وهروبا من الموت والفقر والعزلة والمعاناة اليومية ولضمان التعليم والصحة لأبنائهم. وبعد رحيلهم ساد القرية الخراب والدمار وأصبحت البيوت خاوية علي عروشها وقرابة 30مسكنا أصبحت مهجورة، ولم نجد إلا بعض الشبان يرعون مواشيهم خوفا من هجوم الذئاب والضباع التي أصبحت هي الأخرى تهديدا حقيقيا لماشيتهم، فتحدثوا إلينا قائلين كانت بالمنطقة ما يفوق 500 عائلة والخير يدر على الجميع، لكن لانعدام الأمن في تلك السنوات قرر الأهالي مغادرتها، فلا توجد هنا في القرية الفلاحية الصغيرة أزمة سكن بل أزمة سكان، كانوا هنا يعمرون ويبعثون فيها الحيوية و الأمل ثم رحلوا تاركين منازل موحشة توشك أسقفها وجدرانها على الانهيار. لم نكن نتوقع دخول قرية تسكنها الأشباح ومنازل منهارة نبتت فيها الحشائش وغطتها الأشواك ولم تبق إلا الأسقف الخرسانية، وبقايا آثار الرصاص على بعض الجدران. دخلنا قرية لا بشر فيها إلا مرافقنا وأحد الفلاحين وحارس مدرسة ابتدائية تم إنجازها في سنة 1970مغلقة منذ عدة سنوات، لم يعد بقرى ومشاتي سيدي جميل تلاميذ يذهبون إلى المدرسة كل صباح ولم يعد بقرية ”السيلن” أطفال يلعبون بين الأزقة الصغيرة ولا نساء يذهبن إلى الغدير ورعاة يعزفون الناي خلف قطعان المواشي بين الأودية والسهول. صارت القرية الريفية الجميلة منكوبة ومهجورة. ورغم عودة الأمن إلى المنطقة إلا أن سكان منطقة السيلن لم يتمكنوا من العودة إلى قرية معزولة ومنازل لم تعد تصلح للبشر. اقتربت الساعة الواحدة زوالا وبدأت الحركة تزداد بسيدي جميل ، جرارات وسيارات نفعية تصل تباعا إنه موسم الحرث والبذر، وهي مناسبة تجمع كل أبناء المنطقة كما في موسم الحصاد يجتمعون في النهار ويغادرون قبل المغيب، تاركين القرية الحزينة للأشباح وكائنات الليل من ذئاب رمادية وضباع كانت تعترض طريق الرجال والأطفال ليلا. قال لنا الشباب بأسى لن نسامح المتسببين من كانوا سببا في مأساة قرى ومشاتي سيدي جميل، نحن نطالب السلطات المحلية بإعادة الحياة من جديد لهذه المنطقة من خلال تهيئة الطريق الذي يربط البلدية بهذه المشاتي ومنحهم الدعم الفلاحي والكهرباء الريفية التي سرقت أغلب كوابلها الموجود على طول الطريق، و تعويض السكان ببناءات ريفية جديدة وإقناعهم بالعودة من جديد، مضيفين أن الدولة مهتمة كثيرا بالريف والفلاحين ولا يمكن أن ننكر هذا، لكن المشكل في المسؤولين المحليين. ويعتقد محدثونا أن إعادة إعمار هذه المشاتي أصبحت صعبة للغاية، لكنها ليست مستحيلة إذا توفرت الإرادة وصدق الرجال. سبع صبايا وعين بو عفا الله.. أساطير وحكايات رغم المشاكل الكثيرة والمتعددة التي تعرفها بلدية عين بن بيضاء، إلا ان هناك أساطير كثيرة بالمنطقة تظل شاهدة على عقيدة رسخت في أذهان الأهالي وليس للسكان البلدية وحدهم بل تعداها الى بعض الولايات المجاورة. يعتبر مزار ”سبع صبايا” الكائن على الطريق المؤدي إلى قرية السيلن من بين أكبر الاماكن التي تقصدها النسوة للتبرك بها، خاصة منهن اللواتي لم يتمكنّ من الإنجاب، من خلال وضع الشموع وربط المناديل باغصان الشجرة، وطلاء الحنة على الحجر العملاقة الموجودة بالمزار. وتعود هذه الأسطورة - حسب السكان - إلى زمن بعيد عندما قام شيخ لديه 7 صبايا بحفر خندق تحت الأرض وتجهيزه بالمؤونة الكافية لقرابة الشهرين ووضع بناته السبعة بداخله فيه خوفا من العار، وذهب إلى الحج لكنه لم يعد ولم يعرف ماذا حل بالصبايا من بعد ذلك، فأصبح الناس يتبركون بالمكان ويقومون بزيارته أيام الخميس والجمعة. ومازاد في اعتقاد أهل المنطقة بأن المكان مبارك بعد ماشاهده أوليائهم في العهد الاستعماري عجزت آلة الحفر عن الوصول إليه لفتح الطريق، فكلما تقدمت من المكان أصبحت تسير إلى الوراء - حسبهم - ليبقى مزار سبع صبايا من بين العديد من المزارات الموجودة بالبلدية مكانا مباركا لخرافة أصبحت واقعا. غير بعيد عن مزار ”سبع صبايا”، يظهر منبع مائي تم تهيئته من طرف مصالح البلدية عبارة عن حنفية عمومية، كان سكان تلك المشاتي يتزودون منها قبل هجرتهم إلى مقر بلدية عين بن بيضاء، وبجانب تلك الحنفية أكوام من ملابس الرضّع، أين اكد لنا بعض الرعاة الذين التقينا به أن هذه الحنفية مباركة يقصدها الناس من كل حدب وصوب، فهي تشفي امراض عدة على غرار داء الكلب ومرض نقص النمو لدى الرضع ”التراب”، كما يطلق عليه سكان المنطقة، أين يوضع الرضيع في الماء بملابسه ثم يتم إخراجه ويغير ملابسه وترمى ملابسه القديمة هناك فيشفى..