على بعد حوالي 15 كلم عن مقر بلدية عين العربي بقالمة تقع مشاتي ماونة المنسية كما يطلق عيها. سكانها الذين قطعوا كل أمل الحياة الكريمة والمقدر عددهم بحوالي 200 عائلة يعيشون حياة بدائية بكل ما تعرفه الكلمة من معنى، كما أن الزائر إلى المنطقة يقف على اشياء ذهبت عن مشاتينا من زمن ليس بالقريب. السلطات المحلية تعترف بانعدام التنمية وفقر الميزانية فرغم مرور 52 سنة عن استقلال الجزائر، لا تزال مئات العائلات القاطنة بكل من مشتة ”رأس الكيفان”، ”للوشة”، ”عين علايقة”، ”المقرون”، ”سيدي حفيظ”، ”عين النشمة”، ”طباقة” وقصر عثمان التابعين إقليميا لبلدية عين العربي التي تعتبر من بين أقدم البلديات وأفقرها على المستوى الوطني يعيشون حياة بدائية تطبعها العزلة والفقر المدقع، حيث يواجه هؤلاء السكان حياة قاسية، إذ لا تزال هناك عائلات تحتطب لأجل التدفئة والطهي، وتستعمل الشموع والمصابيح البدائية التي تعمل بمادة المازوت والتي لم تعد موجودة إلا في المتاحف، نظرا لزوالها وعدم استعمالها منذ حوالي نصف قرن. خلال زيارتنا إلى مشاتي ماونة لم نكن نعلم أن هناك عائلات لا تزال تستعمل ”لامبة المازوت” للإضاءة وتستعمل الحطب وفضلات المواشي للطهي وتسكن مساكن سقفها من الزنك والقش ”الديس” التي هي عبارة عن أعشاش يسكنها بني البشر، عائلات وأطفال لا يشاهدون التلفزيون مثل بقية أترابهم، حتى وسيلة الاتصال غريبة بهذه المنطقة فسكانها يذهبون إلى البلديات المجاورة لشحن بطاريات هواتفهم، أما إذا أرادوا الاتصال بأقربائهم عليهم بالتوجه إلى أعلى نقطة لإيجاد الشبكة. فك العزلة من بين المشاكل المطروحة معاناة السكان تبدأ من الطريق الرابط بين مشاتيهم والطريق الولائي رقم 123 الرابط بين عاصمة الولاية بمقر بلديتهم الذي يعتبر بالنسبة لهم بمثابة شريان الحياة، خاصة وأنه عبارة عن مسالك تم فتحها في السنوات الماضية والتي أصبحت مع مرور الوقت لا تلبي حاجياتهم لاسيما التزود بالمواد الغذائية من مركز البلدية ونقل مرضاهم فقال سكان تلك المناطق، إنهم ينقلون بواسطة الدواب ”الحمير”، وهو ما تسبب في العديد من المرات في وفاة بعضهم بسبب طول المسافة إلى الطريق الولائي وعدم توفرهم على إمكانيات التنقل ليلا، حيث لا يزال سكان المشاتي إلى حد الساعة يلجؤون إلى الاحتطاب من أجل الطهي والتدفئة، في غياب قارورات الغاز التي يصل ثمنها في بعض الأحيان خاصة في فصل الشتاء إلى 500 دج، حيث أنه في كل شتاء تعزل مشاتيهم عن البلدية لأيام طويلة خلال تساقط الثلوج والأمطار على المنطقة وتحوّل المسالك الريفية إذ وجدت إلى برك وأوحال لا يستطيع حتى الراجلون السير عليها. المياه الصالحة للشرب أرقت السكان وتهدد مواشيهم بالموت قضية المياه الصالحة للشرب هي الأخرى لا تقل أهمية عن باقي المشاكل التي تؤرق حياة سكان هذه المشاتي خاصة منهم أصحاب الماشية التي تقدر بآلاف الرؤوس من الأبقار والغنم، وما توفره من حليب للمنطقة والمناطق المجاورة، لكن وللأسف إنها أصبحت كلها مهددة بالموت أمام الجفاف الذي يضرب المنطقة بسبب غياب المياه سواء للشرب أو للسقي أو حتى للحيوانات، الأمر الذي جعل سكان تلك المناطق يدقون ناقوس الخطر ويطالبون الجهات العليا في البلاد التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث طالب سكان تلك المشاتي من السلطات المحلية توفير المياه الصالحة للشرب هذه المادة الحيوية التي يزداد الطلب عليها خلال فصل الصيف وتتسع مع ذلك أزمة حادة، حيث يلجأ الأطفال الصغار إلى قطع مسافات طويلة قصد جلب المياه بالطرق البدائية أو بالأيدي كآخر الحلول، والمتنقل إلى القرية يظن نفسه يعيش في عصور ما قبل التاريخ؛ سكان لا زالوا يعيشون حياة بدائية، يستعينون ‘'بالحمير'' في جلب مياه الشرب، خصوصا أن تكاليف جلب الصهاريج أثقلت كاهلهم عند كل موسم صيفي حيث يقل تدفق مياه المنبع المائي، ليصل ثمن الصهريج الواحد إلى 2000 دج عن كل يوم ولو تأخر بيوم فإنه مجبر على دفع الضعف لصاحب الصهريج، والذي ليست في متناول الجميع، فهم مجبرون على اقتنائها، مما أثقل كاهل العائلات المعوزة وتخوفاتهم من استمرار هذا المشكل اذا لم تسارع السلطات المعنية بربط المشاتي بحنفيات عمومية. الكهرباء الريفية أمنية بعيدة المنال ومن جهة أخرى، أكد لنا سكان تلك المشاتي، أن حلمهم بربط بيوتهم بالكهرباء الريفية، على غرار جميع سكان الولاية أو المناطق الأخرى المجاورة لهم يبقى حلما بعيد المنال، مضيفين أنه حتى في شهر رمضان الكريم لم يمر عليهم كباقي مواطني الولاية، حيث يقتصر فطورهم على الرغيف وكوب من الحليب بسبب انعدام الكهرباء وافتقارهم لثلاجة يمكنها أن تحفظ لهم ما يطهون في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي فاقت ال50 في بعض الأحيان. يحدث هذا رغم أن أعمدة الكهرباء تم تمريرها بأراضيهم ولا تبعد عنهم إلا بأمتار قليلة، لكن من غير الاستفادة منها، فهم يحلمون بخيط كهربائي في منازلهم. تهميش المسؤولين والطبيعة القاسية زادت من معاناتهم وأمام الوضعية المزرية التي تعيشها تلك القرى المتناثرة هنا وهناك بأعالي ماونة، فإنها جعلت في وقت سابق سكان تلك المشاتي يقدمون على غلق الطريق الولائي رقم 123 الرابط بين عاصمة الولاية وبلدية عين العربي، احتجاجا منهم على غياب التنمية الحقيقية في منطقتهم ووعود المسؤولين التي لم تترجم على أرض الواقع بالرغم من كثرة الاحتجاجات في المنطقة. وشملت مطالب المحتجين مناقشة وضعية الطرقات الكارثية التي تحولت إلى نقاط سوداء، خاصة وأن المواطنين مجبرون على حمل مرضاهم على الأكتاف، كما أن أبناءهم يمنعون أثناء تساقط الأمطار من الالتحاق بالمدارس في ظل تحول كل الطرقات إلى خنادق، وهو ما يؤدي لغياب شبه كلي لوسائل النقل الجماعي والعمومي والمدرسي، خصوصا بتلك المداشر المتباعدة، كما يواجه مستعملو تلك المسالك سواء كانوا سائقين أو راجلين معاناة كبيرة جراء الاهتراء الذي طالها، خاصة وأنها المنفذ الوحيد لهم للخروج إلى الطريق الولائي، رغم جهود السلطات المحلية من أجل إعادة تهيئته وترميم هذه الشبكات المتهرئة الواقعة على مستوى تلك المشاتي، التي توجد في طور التجديد إلا أن الأشغال لم تنته، وطالت معها معاناة سكان هذه المشاتي فلا طرق معبدة ولا مساحات غابية مهيأة، كما هو الحال برأس الكيفان، للوشة، عين علايقة، المقرون، سيدي حفيظ، عين النشمة، طباقة، قصر عثمان، حيث يصعب التنقل إليها بسبب ضيق المسالك التي توجد في أسوء الأحوال بسبب الحفر الكبيرة التي تزينها من كل جانب، حيث يجبر السكان على السير راجلين لمسافات طويلة تقارب 10 كلم. وفي هذا الشأن عبر لنا بعض المواطنين عن استيائهم الكبير جراء انعدام التهيئة بتلك المشاتي، مما نتج عنها تراكم مشاكل يومية كثيرة، هذه المعاناة التي وقفنا عليها لدى مواطنين قاطنين بذات المنطقة والذين كانوا في حالة غضب واستياء شديدين، حيث أكد أحدهم أنهم سئموا الوضع الراهن، مطالبين في الوقت نفسه الجهات المعنية بضرورة التدخل العاجل لإنهاء معاناتهم مع التهيئة، خاصة أمام التطورات الحاصلة التي تعرفها البلاد. ”المير”: المطالب مشروعة ونحن نعمل على تلبيتها وفق الإمكانيات المتاحة من جهته، أكد لنا رئيس بلدية عين العربي ”رشيد معلم، أن كل ما تقدم به سكان تلك المناطق من مطالب مشروعة، معترفا أنهم فعلا يعيشون حياة بدائية في ظل متاعب البلدية ونقص الميزانية ”بلديتنا تعتبر من بين أفقر البلديات على المستوى الوطني ونحن نحاول تقديم ما يمكن تقديمه لسكان تلك المشاتي من خلال العمل على تلبية مطالب السكان ورفع الغبن عنهم”، مضيفا أنه فيما يخص فك العزلة عن المشاتي المذكورة فإن البلدية تقوم حاليا بفتح بعض المسالك، وذلك حسب الإمكانيات المتوفرة حاليا بالبلدية، بعد أن قامت البلدية بإيجار جارفة، وبخصوص الكهرباء، سيما بالنسبة للسكان الذين توجد بأراضيهم الأعمدة الكهربائية ولم يستفيدوا من الإنارة الريفية فقد أكد في هذا الشأن أن البلدية قامت بمراسلة مصالح سونلغاز لربطهم بالكهرباء والتي سوف تكون خلال الأشهر القليلة القادمة.