تجاوز الفيسبوك في الجزائر دوره التواصلي الاجتماعي، الذي لطالما استعمله الشباب كوسيلة للاتصال وتبادل الأفكار لا غير، ليصبح في وقتنا منبرا يعبر هؤلاء من خلاله على آرائهم ومواقفهم إزاء الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، في محاولة منهم للتغيير بأي طريقة كانت، كما يحسب لهذا الموقع الإلكتروني مساهمته في الأعمال التطوعية والهبات التضامنية مع مختلف شرائح المجتمع التي تعاني تهميش السلطات المعنية. لم يعد التعبير عن تبني مواقف معينة أو رفضها يختزل في مجرد تغيير صورة البروفيل الشخصي عبر الفيسبوك، أو نشر بعض الصور والشعارات المعبرة عن الآراء، بل بات هذا الموقع الأزرق مكانا مهما لصنع القرار الشعبي، حيث أصبح الشباب يعبر وبكل حرية عن مواقفه الشخصية جدا والعامة كذلك، فكل ما يخص الجزائري من أمور يومية وأحوال شخصية، ومشاكل اجتماعية، وأحوال البلاد السياسية والاقتصادية، كل ذلك يناقش عبر الفيسبوك، لتتنوع الآراء وتتبادل المواقف، وتبدأ النقاشات بين الأطراف المختلفة، وفي كثير من الأحيان تولد همم وتبنى مواقف جادة باحثة عن التغيير بكل السبل. الأوضاع الدولية، إرهاب داعش، قانون المالية الجديد، مساعدة الأشخاص المرضى الذين تستدعي حالاتهم تدخلا جراحيا مكلف الثمن، هي أهم القضايا التي يتداولها الشباب الجزائري عبر الفيسبوك، والتي تأخذ حيزا كبيرا من اهتماماتهم، فالكل هذه الأيام منشغل بما يجري في العالم من أعمال إرهابية من جهة، وما يشغل المواطن الجزائري من انخفاض أسعار البترول وارتفاع مرتقب في الأسعار مع حلول العام الجديد، حسبما يقره قانون المالية الجديد، حيث تشكل هذه الأخيرة محورا كبيرا للنقاش بين أفراد المجتمع عبر صفحات الموقع الأزرق، بين معارض ومطالب بالتغيير وآخرون يحاولون إيصال رفضهم إلى المسؤولين كأضعف الإيمان. قانون التقشف وشد الحزام يؤرق رواد الفيسبوك لم يلق موضوع ولا قانون وطني صدى لدى الجزائريين كالذي يصنعه مشروع قانون المالية، الذي بات يقلق الجميع لاسيما أنه يحمل بين طياته مواد وقرارات تربك المواطن الذي يعتبر المتضرر رقم واحد من هذا القانون الذي يحتم عليه التقشف من أجل حل أزمة مالية، من خلال رفع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية له والعديد من التدابير التي يخشى الجزائريون تبعاتها، وفي سياق متصل لا يضيع رواد الفيسبوك معلومة ولا خبرا إلا ونشروه ليصل إلى الجميع، وراح بعضهم إلى إضافة عدد من النواب والمسؤولين إلى قائمة أصدقائهم حتى تصلهم أي كبيرة وصغيرة في خصوص هذا الإجراء الجديد، وحاول آخرون توعية شرائح المجتمع المختلفة من خلال نشر بعض الصور والشعارات المنددة بهذا القانون المرتقب، مرفقين ذلك ببعض المواد الهامة التي تخص زيادات الأسعار. وفي سياق متصل تنشط بعض الصفحات والمجموعات في هذا المجال، حيث تقوم بحملة واسعة لتعريف المواطن بخطورة هذا القانون وتدعو من خلاله جميع الأطراف للتحرك والتعبير عن الرفض المطلق للشعب الجزائري حيال الأمر. وفي سياق متصل، كان لنا حديث مع بعض المدونين الذين اعتبروا نشاطهم في هذا المجال أمرا غاية في الأهمية، منوهين أن توعية شرائح المجتمع بما يمكن أن يسببه هذا القانون التعسفي من مشاكل ومعيقات تثقل كاهل المواطن البسيط الذي لا يمكن في أي حال من الأحوال التعايش مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تفرضه عليه مسودة هذا القانون، حيث يقول عادل، ناشط في إحدى الصفحات التي تضم أكثر من مليون ونصف عضو، أنه أخذ على عاتقه مهمة توعية المجتمع من خلال المنشورات المختلفة التي تدعو الجميع إلى التحرك ضد هذا القانون، وأضاف أن التجاوب الكبير الذي يتلقاه من خلال التعليقات المختلفة تجعله يواصل مهمة حشد الجماهير للوقوف ضد أي إجراء قد يمس بقدرة المواطن الشرائية أو أي أمر آخر. الدعوة للتفاعل والتغيير دون إحداث فوضى رغم الرفض الكبير الذي يلقاه الوضع الاجتماعي والحالة الاقتصادية التي تمر بها الجزائر، غير أن المدونين والناشطين الذين يدعون الشباب والعائلات الجزائرية إلى التحرك ورفض الوضع الحالي والمستقبلي الذي ينوي بعض المسؤولين تحميله للمواطن البسيط، إلا أن أغلب هؤلاء يدعون إلى الهدوء والسلم في مطالباتهم، حيث لا تتعدى آراءهم بعض المنشورات التي تدعو إلى التعبير عن الرفض من خلال الفيسبوك أو بعض الوقفات الاحتجاجية على أكثر حال، وعند سؤالنا عن الطريقة المنتهجة من طرفهم، أكدوا أن الشعب الجزائري قد اكتوى من ويلات الفوضى وأعمال الشغب، ما جعله يحاول جاهدا حل الأزمات بروية ودون إحداث فوضى، وفي السياق ذاته يقول علي أدمين على في صفحة فيسبوك تعنى بالأمور السياسية للجزائر، أن نشر فضائح المسؤولين وكل خبايا وكواليس الحكومة الحالي، ما هو إلا مجرد توعية للشباب وقصد تبادل الآراء والأفكار المختلفة.