ليس جديدا على الشعب الجزائري مساندته للقضية الفلسطينية، ليس لأنها قضية شعب عربي مسلم، فهناك من الفلسطينيين من ليسوا بمسلمين، بل لأنها قضية شعب اغتصبت أرضه وهجر شعبه، وسدت في وجهه كل أبواب الدنيا لترفع عنه مظالم إسرائيل، ولأن الشعب الجزائري عانى من استعمار مدمر للإنسان، لذلك فهو يفهم ما معنى الاستعمار، وما معنى المقاومة، وما معنى القهر. أتفهم جيدا أن يناصر الجزائريون الفريق الفلسطيني، لأن الشعب الجزائري ما زال، خلافا للشعوب العربية الأخرى يعتقد أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، ولم يحيرني هتافه لهدف فلسطين في مرمى الفريق الجزائري، وأن يلبس المناصرون في مدرجات الملعب العلم الفلسطيني وحده. أما أن يصفر للنشيد الوطني ويهينه، فهذا لم يعد وعيا بقضية أمة، فالنشيد الوطني ليس نشيد السلطة أو مسؤوليه، والعلم الوطني هو رمز لنضال أجدادنا، الذين ذاقوا استعمارا أمر من استعمار إسرائيل لفلسطين، وليس من حق أحد أن يهينه. هل نسي هؤلاء المناصرون كم تألم الجزائريون لما أهين العلم الجزائري وفريقنا الوطني في مصر؟ وهل كان الفلسطينيون رغم حبهم للجزائر، التي وحدها ما زالت تناصر القضية الفلسطينية ولم تتآمر عليها يوما، رغم مصالحها المهددة بسبب هذه المناصرة، ورغم سنوات الإرهاب التي دمرتنا بسبب مقولة ”مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”. هل كانوا سيهينون رايتهم الوطنية. نعم أعرف أن كثيرا من شهداء فلسطين يسجّون بالعلم الجزائري، لكن أبدا لن يهينوا علمهم رمز قضيتهم، لماذا؟ لأن الشعب الفلسطيني شعب سوي واع بمصيره ويعرف من يحبه ومن يدعم قضيته، ومهما كان حبهم للجزائر فلن تكون أحب إليهم من فلسطين. سئل الشاعر الفلسطيني محمود درويش مرة من قبل صحفي جزائري (صار وزيرا لاحقا) ”لماذا نراك تساند القضية الفلسطينية، ولا تساند بشعرك قضية جنوب افريقيا مثلا أو أفغانستان؟”. ضحك درويش ورد بكلام بسيط ”يا بني، العالم يبدأ من بيتك!”. لكن يبدو أن عالم الشباب الجزائري يبدأ من فلسطين، لا أدري هل هي جريمة السلطة التي وضعت دائما القضية الفلسطينية قبل قضايانا الوطنية هروبا من واقعنا المزري، أم هو جريمة المنظومة التربوية، أم الإعلام؟! لا تهم الإجابة بقدر ما صار هذا الواقع مقلقا، لا أقول هذا ندما على مساندة قضية عادلة، وإنما على ما آل إليه من كره لذاته، أليس في إهانة النشيد الوطني، دلالة على أزمة نفسية عميقة يعاني منها هؤلاء الشباب؟ ها هي حقيقتنا مكشوفة إلى العيان، فماذا سيقول عنها الأطباء النفسانيين وعلماء الاجتماع، والسياسيين؟ كيف ”سيفعلون” بشعب مصاب بداء الكراهية لذاته؟ إنها أزمة، بل إنها كارثة تلك التي نقلتها كامرات التلفزيونات وليست عظمة شعب مثلما حاولوا تسويقه! لا علم فوق الراية الجزائرية، ولا قضية أسمى من نشيدنا الوطني، مهما كانت قضية عادلة!