موعد تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، باراك أوباما، وبداية العهد الأمريكي "المعتدل"، يدنو ببطء شديد وبكلفة كبيرة في الجبهة الفلسطينية والعربية. وسيقف البيت الأبيض بعد 48 ساعة من الآن على نفس معادلة أزمة الشرق الأوسط، بل سيظهر فكر ومنطق المقاومة أكثر قوة، وهو وضع يؤكد فشل إسرائيل الذريع في مخططها الجهنمي الإستباقي، قصد وضع الرئيس الأمريكي الجديد أمام أمر واقع يخلو منه وجود فاعل اسمه المقاومة أو حماس. فالعدوان الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس، كان يستهدف وبشكل رئيسي استغلال المرحلة الانتقالية للرئاسية الأمريكية لتغيير الوضع الراهن وقلب موازين القوى، انطلاقا من القضاء النهائي على حماس، واقتلاعها من الوجدان الفلسطيني والعربي، قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض، وذلك تحسبا لأية تغييرات، إن لم نقل ثورة، في السياسة الخارجية، خاصة وأن فريق أوباما فاز بالرئاسة بناء على نقمة الرأي العام الأمريكي من سياسة بوش في الخارج أكثر منها تلك المتعلقة بالداخل، وكان قد ألمح إلى وجود رؤية مغايرة تجاه قضية الشرق الأوسط، دون استبعاد الحوار مع كل أطراف الأزمة بما فيها حماس، وذلك على غرار باقي النزاعات وبؤر التوتر في العالم، ومنها قضية معتقل غوانتانامو. وبمنطق آخر، فإن طاقم المحافظين الجدد المهيمن على البيت الأبيض وأذرعه الفاعلة في السياسة الدولية والبنتاعون والأممالمتحدة، أراد أن يستدرك فشله، بإطلاق يد إسرائيل وآليتها العسكرية والأيديولوجية لتحقيق ما عجزت عنه طيلة 10 سنوات من الحكم والقبض على أنفاس العالم "الآخر" أو "العدو" بيد من حديد، والتي كان أهم مشاهدها احتلال العراق، حرب لبنان وفتح جبهة نووية مع إيران، وذلك قبل مجيء الرئيس الجديد لتضعه أمام أمر واقع. وما يفسر هذه الخلفية، ما يشهده الميدان من تصعيد عسكري في عدوان إسرائيل على غزة، ولجوئه إلى استعمال واسع لأسلحة محرمة دوليا، وشن حرب إبادة حقيقية، لم تسلم منها حتى مقرات الأممالمتحدة وهيئات الإنقاذ والإسعاف والصحافة، وكأن إسرائيل في سباق ضد الزمن، لإنهاء مشروعها التدميري في غزة تحت غطاء أمريكي وغربي رسمي يناقض كل القيم والمبادئ الدولية، حتى أن بعض مواقع الظل سارعت إلى الحديث عن انتهاء أزمة الشرق الأوسط والنزاع العربي-الإسرائيلي. لكن المقاومة في غزة، وعلى رأسها حماس، ورغم عدم تكافؤ القوة بين الطرفين والحصار المضروب منذ سنوات على القطاع، من البر والبحر والجو، وحتى بالأقمار الصناعية، إلى جانب انتشارها في مساحة جغرافية وسياسية وإعلامية محدودة جدا، تمكنت من الصمود ومنع الجيش الإسرائيلي من الوصول إلى عمق غزة والمدن الأخرى، بل وواصلت إطلاق صواريخها باتجاه عمق الكيان الإسرائيلي، وهي تتوعد بمواجهة قاسية في شوارع مدن القطاع. كرة نار غزة الملتهبة والمتراكمة منذ 21 يوما، ستزداد التهابا وتفاعلا كلما اقترب موعد دخول أوباما البيت الأبيض، مهددة بحرق المشروع الإسرائيلي، وهو تخوف أصبح شبه حقيقة، دفع بقيادة الكيان الصهيوني إلى مرافقة العمل العسكري بعمل آخر دبلوماسي لحفظ ماء الوجه، للوصول إلى صيغة برعاية وتزكية من واشنطن لحل في المنطقة تخدم مصالحها، ولقطع الطريق أمام أي موقف أمريكي غير محسوب، انطلاقا من مغالطاتها القائمة على كونها ضحية صواريخ القسام، وتهريب السلاح. وإسرائيل تناور الآن بكل الطرق للوصول إلى طي القضية الفلسطينية وتتويج مسار أوسلو ومخادعاته التي بدأت بإخراج القضية من كواليس الأممالمتحدة ومن تحت مظلتها.