بداية معقدة لعهد أوباما الرئيس بوش يقضي عطلته في تكساس ولم يكلف نفسه عناء الخروج للصحفيين للحديث عن غزة. أوباما في عطلة هو الآخر في جزر هاوايا تحسبا لاستلام مقاليد البيت الأبيض في 20 جانفي القادم، ورايس تسير الملف هاتفيا، بينما تعالج وسائل الإعلام الأمريكية مأساة غزة، بعد تعتيم طويل، وفق الرواية الإسرائيلية. وفي ظل هذه الأثناء يطرح السؤال هنا عن الكيفية التي سيتعامل بها أوباما مع جبهة حرب جديدة بعد ثلاثة أسابيع. * تحرك الشارع لمشاهد الدمار والقتل التي خلفها القصف الإسرائيلي لغزة، حيث شهدت مدن أمريكية كمنهاتن بنيويورك، وشيكاغو مظاهرات منددة بالحرب على غزة. ورفع المتظاهرون، ومن بينهم يهود وأمريكيين، شعارات تدعو لوقف القتل في غزة، ولإنهاء الحصار ومنح الحرية للفلسطينيين. وقال مواطن إسرائيلي شارك في إحدى المظاهرات في مانهاتن، أنه خدم في الجيش الإسرائيلي لكنه "مستاء للقهر الذي يتعرض له الفلسطينيون في غزة". * وكان الموقف الرسمي الأمريكي، كما هو معروف، مساندا لإسرائيل ولحقها في "تأمين سكانها". وحمل الناطق باسم البيت الأبيض حماس مسؤولية الحرب الإسرائيلية على غزة، ودعاها لوقف إطلاق الصواريخ. * وإذا كان هذا مفهوما من إدارة بوش، التي سترحل بعد ثلاثة أسابيع، فإن الأنظار توجهت نحو الرئيس المنتخب باراك أوباما، الذي فتحت أمامه جبهة حرب جديدة تعد امتحانا صعبا له في بداية عهدته. وتساءل محللون إن كان أوباما سيتعامل مع إسرائيل وفق مقاربة مغايرة لتلك التي طبقها جورج بوش وما إن كان سينهي الدعم الأمريكي غير المشروط لتل أبيب. وتلاقت الآراء حول فكرة مفادها أن إدارة أوباما ستستمر في دعمها اللامشروط لإسرائيل، لكن ما سيسعى إليه هو الدفع بمسار المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين قصد التوصل إلى حل نهائي للصراع في المنطقة. * ولم يشأ أوباما الإدلاء بأي تصريح حول غزة، واكتفى أحد مستشاريه بالقول "في الظرف الحالي هناك رئيس واحد للولايات المتحدة.."، غير أن محللين وصحفيين عاودوا التذكير بأن أوباما زار إسرائيل عندما كان مرشحا للرئاسيات، وذكروا قوله أنذاك أنه "إذا هاجمني شخص في بيتي بالصواريخ فسوف أعمل كل ما في وسعي لمنعه من ذلك"، كما نقلت ذلك صحيفة واشنطن بوست ليوم الإثنين، مفسرين ذلك بأن أوباما يتبنى الموقف الذي يعطي لإسرائيل حق الدفاع عن النفس. وأشارت الصحيفة إلى أن "الحرب على غزة تجعل حظوظ السلام في الشرق الأوسط في خطر". * ويوجد أوباما محل ضغط شديد لتعقيد الملف الفلسطيني ولكونه كان تطلعات من العالم كله كي يحدث تغييرا في سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط، ولينجح حيث فشل سابقوه. كما أن الرجل يعول عليه، أساسا، أن يواجه أزمة اقتصادية لم تعشها أمريكا منذ سنة 1929، بتطبيق رزمة حوافز اقتصادية بكلفة تقارب 800 مليار دولار. * من جهتها خصصت كبريات القنوات التلفزيونية الأمريكية حيزا زمنيا كبيرا للحرب على غزة عكس الأيام السابقة حيث كانت مغيبة تماما، ولم يعرف الجمهور الأمريكي شيء اسمه حصار غزة. لكن تلك القنوات ظلت وفية للنمط الذي تتعامل به في العادة مع أحداث الشرق الأوسط، أي الانحياز الصارخ للطروحات الإسرائيلية. وكان الصحفيون والمراسلون ومختلف المتدخلين يرددون المقولة الرسمية الإسرائيلية التي مفادها إن العمليات العسكرية في غزة جاءت "كرد فعل أو انتقام إسرائيلي على الصواريخ التي تطلقها حماس نحو البلدات الإسرائيلية المحاذية لغزة والتي تصيب مدنيين أبرياء". وأن القوات الإسرائيلية تستهدف "المواقع العسكرية لحماس" بغية إرغامها على الكف عن إطلاق الصواريخ نحو جنوب إسرائيل. * ونقلت قنوات سي أن أن، وفوكس نيوز، وأم أس أن بي سي، بعض الصور عن الدمار الذي ألحقته المدمرات العسكرية بغزة، وفي ذات الوقت، كانت تنقل صورا لمدنيين إسرائيليين أصيبوا بصواريخ أطلقها فلسطينيون، حتى تبرر السلوك الإسرائيلي، وتحاول أن تحدث توازنا بين الصورتين. * وأبدى بعض المحللين مخاوف من أن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة سيكون له ردود فعل سلبية على الولاياتالمتحدةالأمريكية باحتمال تعرض مصالحها للخطر. * لكن هذا لم يمنع الصحافة الأمريكية من إثارة خلفيات توقيت الحرب على غزة كون الأمر يتعلق بأجندة سياسية داخلية لإسرائيل وهي الانتخابات القادمة، والتي يريد حزب كاديما بقيادة ليفني قطع الطريق أمام الليكودي بن يمين نتنياهو. هذا الأخير تظهر استطلاعات الرأي أنه في أحسن ترتيب مقارنة مع منافسيه، وبالتالي تحاول حكومة أولمرت إظهار صرامة في التعامل مع حماس في الجنوب حتى تنال ثقة الإسرائيليين في فيفريي القادم. * وفي هذا الشأن قال جنرال متقاعد لقناة "فوكس نيوز" سهرة الثلاثاء إن إسرائيل "تسعى لاستعادة مصداقيتها العسكرية في المنطقة كقوة ذات فعالية"، مشيرا إلى حرب صيف 2006 على لبنان، والتي لم تفلح حينها في تقليم أظافر حزب الله.