توحي كل المؤشّرات التي أعقبت انتخاب السويسري جياني أنفانتينو على رأس الاتحادية الدولية لكرة القدم، بأن الفترة التي تلي تنصيبه في مكان مواطنه جوزيف سيب بلاتير، ستشهد إعادة رسم خارطة تسيير كرة القدم العالمية وإرساء عمليا أطر جديدة في العمل وإحداث تغييرات على مستوى المناصب، بما يتماشى والجانب البراغماتي للتحالفات التي أفضت في نهاية الأمر إلى كسب أنفانتينو الرهان أمام منافسه البحريني، الشيخ سلمان. بالعودة إلى موقف رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، محمّد روراوة، ومراهنته على المرشّح الناجح، من خلال "كسر" قرار رئيس "الكاف" نفسه، الرامي، قبل الانتخابات، إلى غلق الطريق أمام أنفانتينو من خلال دعوته الأفارقة للتصويت على الشيخ سلمان، فإن تأثير موقف الجزائري محمّد روراوة على نتائج الانتخابات، وتمكّنه من ضمان عديد من أصوات الأفارقة لفائدة أنفانتينو، لن يكون مقابله شكرا وعرفانا وامتنانا فقط من جانب الرئيس الجديد ل "الفيفا"، من باب أن القارة السمراء التي تمنح أكبر عدد من المصوّتين (54 صوتا)، هي التي ترجّح عادة كفة مرشّح على آخر، ويحدّد موقفها بالإجماع هوية رئيس "الفيفا" في كل مرة، ما يجعل أنفانتينو، الذي يتطلّع لمستقبل أفضل للهيئة الكروية الدولية، بذهنية جديدة ووجوه مختلفة أخرى ممّن تتفق معها رؤيته المستقبلية، مطالبا بتقديم الدعم نفسه لحلفاء الأمس من أجل المساعدة أيضا على التخلّص من رواسب التسيير الديكتاتوري للكونفدراليات، على غرار الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم التي يمسك بها عيسى حياتو بيد من حديد، وسبق بلاتير في التسلّط بعشر سنوات كاملة. 28 سنة من التسلّط.. والنوم وأدخل عيسى حياتو منذ 1988، تاريخ اعتلائه كرسي رئاسة "الكاف"، ولمدة 28 سنة من الحكم، القارة السمراء في الرداءة وفي التسيير الأحادي وبمنطق تجاوزه الزمن، وبسياسة بالية لرئيس فضح الأفارقة بنومه خلال أشغال الجمعية العامة، مثلما غطّ في النوم في اجتماع المكتب التنفيذي ل "الفيفا" في وقت سابق وهو في منصب رئيس "الفيفا" بالنيابة، وبرئيس أيضا أصبح عدوّ إفريقيا الأول، وهو الذي لم يساند ترشيح إفريقيا للانتخابات الرئاسية للاتحادية الدولية التي مثّلها الجنوب إفريقي طوكيو سيكسوال، وطعن القارة السمراء في أول منعرج، بعدما زكّى، بصفته رئيسا مؤقتا ل "الفيفا" قرار جعل الألعاب الأولمبية خارج تواريخ "الفيفا"، ما سيحرم المنتخبات الإفريقية من نجومها خلال دورة ريو دي جانيرو بالبرازيل. حياتو يعيش "عهد الانحطاط" وبما أن أنفانتينو يُدرك اليوم بأن عيسى حياتو لا يُمكنه بأي حال من الأحوال أن يكون حليفا أو صديقا، وهو الذي يُكنّ حقدا لمسؤوله السابق في الإتحاد الأوروبي، ميشال بلاتيني، وأعلنها حربا عليه (أنفانتينو)، قبل موعد الانتخابات، بحرصه على منح الأربعة وخمسين صوتا لإفريقيا لغريمه الشيخ سلمان، فإن الحديث عن الإبقاء على أصوات إفريقيا الانتخابية في قبضة عدوّ مثل حياتو أمر مستبعد، ومن ثمة، أصبح مشروعا، عقب اقتناع الأفارقة أنفسهم بأن حياتو خسر الرهان وعرّض مصالحهم للخطر، القول إن التغيير على هرم السلطة في "الكاف" أضحى حتميا من كل الجوانب، سواء لاقتلاع "خطر دائم" على رئيس "الفيفا"، أو من أجل ردّ جميل الحلفاء. وانطلاقا من دخول عيسى حياتو "عهد الانحطاط" بعد فقدانه للمصداقية وللقوة أيضا وسط الأفارقة، بسبب خياره الخاسر وعدم تصويت العديد من الاتحادات الإفريقية على مرشّحه، فإن باب خلافة الكامروني على رأس "الكاف" في 2017 أصبح مفتوحا على مصراعيه، وهو الواقع الذي يمنح الجزائر، على غرار أي اتحادية إفريقية، فرصة من ذهب لتسيّد القارة السمراء كرويا وفتح عهد جديد للتسيير الاحترافي والديمقراطي للكرة في إفريقيا. تجاوزات عيسى حياتو المتكررة وتعنته ودوسه على القوانين واستمالته لكل الاتحادات في وقت سابق لسرقة حقوق الجزائر، خاصة في تنظيم "الكان"، تجعل اليوم التفكير في ترشّح محمّد روراوة لرئاسة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم أكثر من ضروري، على الأقل لضمان عدم ذوبان الجزائر وسط تسلّط رئيس "الكاف" ولرفع مكانتها (الجزائر) وسط الأفارقة وكل الاتحادات العالمية، خاصة وأن رئيس الاتحادية ضمن استعادة عضوية "الفيفا" بشكل كبير، بعد تحويل المكتب التنفيذي إلى مجلس إدارة ورفع عدد الأعضاء، كأولى نتائج تحالفه مع أنفانتينو، وهو اليوم يطمح ليكون نائبا لرئيس "الفيفا" نفسه، لأن التواجد في مقدّمة الاتحادات التي تصنع القرار على مستوى الهيئة الكروية الدولية، سيكون لها انعكاسات إيجابية على الجزائر بمنتخبها واتحاديتها وسمعتها أيضا، ما يفتح المجال لروراوة، بدعم من السلطات، لتبوّؤ منصب رئيس للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم. تحريك "الآلة الدبلوماسية" ضروري ولن يكون بمقدور رئيس "الفاف" محمّد روراوة، رغم الرسالة القوية التي وجّهها للأفارقة خلال انتخابات "الفيفا"، وتأكيده للجميع على أن موقف حياتو منه لم يُضعفه، الترشّح لمنصب رئيس "الكاف" دون دعم آخر من السلطات الجزائرية، لأن تحريك "الآلة الدبلوماسية الجزائرية" قاريا، هي وحدها الكفيلة بضمان تحقيق النتائج المرجوّة، بالتأثير على ممثلي البلدان الإفريقية في الجمعية العامة وكسب أصواتهم، طالما أن الانتخاب على مستوى الهيئات الكروية لا يحكمه الاقتناع بالبرامج، إنما تغذّيه التحالفات المرتبطة بالمصالح التي تحسم في النهاية أي خيار. وتمرّ الكرة الإفريقية في الوقت الحالي، عقب نجاح "العدوّ" الجديد لحياتو (أنفانتينو) في اعتلاء كرسي رئاسة "الفيفا"، بمرحلة انتقالية تنتهي بعقد الجمعية العامة الانتخابية في 2017، وهو الموعد المهم في تاريخ إفريقيا كرويا، وسيشّكل منعرجا حاسما لكل الأفارقة من أجل طي صفحة حياتو نهائيا، وفتح صفحة جديدة مع من يكون قادرا على ضمان مصالح إفريقيا وتحقيق أهدافها ودفعها إلى الأمام مع الرئيس الجديد للهيئة الكروية الدولية.