يتكىء الكاتب والناقد الجزائري وحيد بن بوعزيز في كتابه الجديد (جدل الثقافة) على آليات النقد الثقافي، في محاورة النصوص المؤسسة لهذا الحقل المعرفي الحديث نسبيا، منطلقا من رؤية ندية تدين التعالي الغربي من جهة، والاستلاب الذي يتسم به كثير من مرتدي أزياء الحداثة، محاولا تبييئ هذا الحقل مع البئة الجزائرية من خلال تثوير بركة الاسئلة وإبراز الإسهامات الجزائرية في هذا الحقل. ويستهل الدكتور بن بوعزيز كتابه بمطارحة نظرية حول الدراسات ما بعد الكولونيالية، التي عرفت سجالا بين مبشر متحمس لها ومعترض رافض لآلياتها، منطلقا من أن كل إنتاج لخطاب علمي وثقافي ينبغي أن يُختبر في مضامين تاريخية، مؤكدا أن الاكتفاء بالمقاربة البعيدة عن ميكانيزمات الإنتاج وإعادة الإنتاج، يحُول بين الموضوع المدروس والذات الدارسة ويبعدها عن النقد والعقلنة. كما يعرج الباحث على الأسس النظرية التي يتكئ عليها النقد الثقافي(ما بعد الكولونيالي) بدءا من النقد الماركسي لمخاطر الاحتكار الرأسمالي والتمييز الطبقي، وتسببه في الصناعة الكولونيالية، اضافة الى تهديد النتشوية بزوال القيمة، وتحذيرات الفرويدية من مضاعفات النرجسية، معتبرا هذه التوجهات الثلاثة القاعدة الخلفية للكثير من النظريات النقدية في القرن العشرين. كما يتوقف بن بوعزيز وفق رؤية شاملة عند مدرسة فرانكفورت وفلاسفة الاختلاف ك فوكو و دولوز و دريدا هؤلاء الذين حاولوا تفكيك المركزية الغربية وعقلانيتها الاطلاقية، ومنحوا النقد ما بعد الكولونيالي أسلحة نقدية قوية، وأثثوه بآليات حصيفة وضعته في مصاف النظريات المقنعة نسبيا وفق تعبير الكاتب. ويضم الكتاب الصادر عن دار ميم للنشر 13 مقالا، يجمع بينها رابط التاريخ، وتركز على النص الرحلي أو أدب الرحلات الذي يشكل حوارا غير متكافىء، كما تحاول إعادة الاعتبار للتواصل الندي بعيدا عن منطقي التعالي والاستلاب معا.