إمام: «إجهاض الجنين بعد 120 يوما لا يجوز مهما كان» تعيش العديد من العائلات خاصة حديثي الزواج وراء حلم الإنجاب كون الأبناء زينة الحياة الدنيا فينتظر الموعد بكل شوق وحنين ويعدون لساعة ميلاده الشهور والأيام، وأوَل ما يتبادر في ذهنهما التساؤل إذا ما كان الجنين ذكرا أو أنثى من أجل اختيار أروع اسم له من باقة الأسماء، مستبعدان تماما احتمال حدوث إعاقة أوتشوه خلقي لدى الجنين، فإن قدوم أي طفل يعني تغيرا في الأسرة، ويعني ذلك المزيد من الالتزامات المالية والاخلاقية والاجتماعية، وقدوم الطفل الأول يحدث تغيرا في حياة الزوجين، والطفل الجديد غالبا ما يحمل الزوجين على التضحيه ببعض الأنشطة الاجتماعيه وغير الاجتماعية في محاولة للتكيف للوضع الجديد، واذا كان الطفل العادي يخلق تغيرا داخل الأسرة ويترك آثار في الأدوار الإجتماعيه للوالدين ويزيد من مسؤولية أفراد الأسرة فإن الطفل المعاق لا شك أنه سيكون أكثر تأثير ووطأة وعلى إثر هذا ارتات «السياسي» التطرق إلى هذا الموضوع الحساس من أجل الكشف عن الخبايا التي يعيشها العديد من المعاقين في وسطنا الاجتماعي. استجابات للطفل المعاق.. الصدمة والإنكار خلال تطرقنا لهذا الموضوع اقتربنا من العديد من العائلات والأزواج المقبلين على الانجاب لمعرفة رأيهم حول هذا الموضوع، حالات كثيرة كانت فيها معرفة الزوجين لإعاقة مولودهما وهو جنين في أحشاء الأم بمثابة الصاعقة عليهما، فهما لا يتحمّلان أن يكون مولدوهما يعاني من إعاقة أو تشوه خلقي، رغم أن ذلك قضاء وقدر، ومن أمثلة ذلك التقينا ب«جميلة» بمستشفى بني مسوس بالعاصمة، أين لاحظنا ملامح الحسرة والحزن بادية على وجهها، تقربنا منها وحاولنا الاستفسار عن الأمر، لتكشف لنا أنها حامل بطفل «تريزوميا 21» هذا الخبر الذي لم تستوعبه هذه السيدة ولا زوجها الذي بقي صامتا وبدا عاجزا عن الكلام، خاصة وأن زوجته حامل بطفلها الأول بعد انتظار دام 6 سنوات، قضتها متنقلة من مستشفى إلى آخر تبحث فيه عن نعمة الذرية، هذه النعمة التي لا يدركها إلا من فقدها والأدهى ما في الأمر أن هذه السيدة لم تتمالك أعصابها، إثر معرفتها للخبر وأقسمت أنها ستجهض الجنين ولن تحتفظ به. عائلات بلا ضمير أولياء ضربوا بكل القيم ومعاني الإنسانية عرض الحائط وجعلوا من ذلك المعاق أو تلك المعاقة وصمة عار تلتصق بهم ما حيوا فأعدموه وهو حيا يرزق، خاصة وان هناك كثيرين حرموا أبناءهم المعاقين من التعليم أو التواصل بينهم وبين أقرانهم وتخفيف الكرب عنهم، بل زادوا من معاناتهم وحرموهم من الحق في الحرية والحياة، بعد أن رسخ في عقولهم المتخلفة أن خروج تلك الفئات يعني تعريضها وتعريضهم للسخرية من طرف عامة الناس مما أدى بهم إلى اخذ ذلك القرار المجحف في حقهم، وهناك أسر سمحت لهؤلاء بنوع من الحرية والخروج ولكنه خروج إلى الأبد ليكون مآلهم المراكز الاجتماعية ويتحججون في ذلك باستعصاء التكفل بهم رغم أن الطفل المعاق لم يرتكب أي جرم ، إلا أنه وجد نفسه في عالم لا يتقبل البعض إعاقته وينظر له البعض الآخر بشفقة وحزن، فيما يخجل منه الآخرون، لاسيما عائلته ووالديه، ليصبح ضحية الجهل والأنانية، فكثير منهن لم يفصحن عن مشاعرهن الرافضة لإعاقة أطفالهن لأي سبب كان ، لكن في حقيقة الأمر تجدهن يسئمن من طفلهن المعاق ويخجلن به ولا يتعاملن معه بعدل. «نذير» طفل في العاشرة من عمره، يعاني من تخلف ذهني لكنه الطفل المحبوب من طرف جميع الجيران فالكل يتحدث إليه ويسأل عنه، لكن من جهة أخرى فوالدته لا تهتم به وتلقي به خارج المنزل طوال اليوم غير مبالية بطعامه ولباسه ، خاصة أنها تشتغل منصب إطار بمؤسسة خاصة ولها علاقات واسعة، بحيث تخبرنا جارتها «ن» أنها لا طالما وجدت «نذير» نائما في الشارع ويبكي من شدة جوعه لتقدم له الأكل وتغسل له ملابسه، فيما تبقى والدته منهمكة في عملها واهتماماتها التي وسعت كل شيء غير طفلها المعاق ، تضيف متحدثتنا قائلة أن جارتها تخجل كون ابنها معاق ذهني، وتطلب منها عدم إبقائه في منزلها ريثما تستقبل ضيوفها. ومنهم من قيدت حريته ليبقى رهينة الأهل بين أربعة جدران لا دخول ولا خروج له من المنزل، فهو وصمة العار التي ستجلب إلى الأهل السخرية و«الفضائح»، هو حال «سمير» البالغ من العمر ثلاثين سنة ولم يعرف للخروج من البيت طريقا ولو مرة واحدة بحيث تم احتجازه في غرف منفردة تطل إلى الشارع عبر نافذة منذ صغره، ولا يعرفه أبناء حيه إلا عن طريق التلويح لهم من النافذة بحيث يشفقون دوما لحاله وتتحجج أسرته في ذلك بتخوفها من تيهه أو تعرضه لأذى أو استغلال من طرف الغير. .. وخشية من شبح الإعاقة وفي حالات أخرى يكون العامل الوراثي السبب الرئيسي وراء تحديد النسل لدى بعض الأزواج، مخافة أن يكون المولود يعاني من إعاقة حركية أو ذهنية أو تشوه خلقي أما البعض الآخر من الأزواج فيصاب بصدمة نفسية إثر إنجاب مولود معاق يجعل الأم بالدرجة الأولى تمتنع عن الإنجاب مرة أخرى مثل «فتيحة» 36 سنة، متزوجة منذ أكثر من 9 سنوات، حيث أنجبت مولودها الأول الذي يعاني من إعاقة حركية وذهنية جعلته لا يفارق الفراش ليلا ونهارا، وقد فارق الحياة بعد أشهر من ولادته، هذه الحادثة كانت بمثابة صدمة كبيرة على عليها وعلى وزوجها، وصعب عليهما التخلص منها لسنين طويلة، والأخطر من هذا أنهما امتنعا عن الإنجاب مخافة إنجاب طفل معاق، وبعد إلحاح كبير من طرف عائلتهما وبعد خضوعها لجلسات لدى طبيبة نفسية تمكن الزوجان من الإنجاب مرة أخرى، لكنهما رزقا هذه المرة ببنت بهية الطلعة وغير معاقة. ومن جهة أخرى، فإن بعض العائلات اللواتي اعتمدن على زواج الأقارب، كانوا ضحية إنجاب طفل معاق أو يعاني من تشوه خلقي، وعائلة بوعلام بالرغاية مثال حي على ذلك حيث تزوج والده من بنت العم فكان ثمرة ذلك أختين معاقتين ليمتنع عن الإنجاب خشية شبح الإعاقة. أمهات شعرن بالذنب وأخريات كان المعاق مصدر سعادتهن هناك العديد من العائلات التي أبدت تعلقها الكبير واهتمامها الواسع بطفلها المعاق ليصبح طفلهم المدلل، ويعتبرونه نعمة وليست بنقمة، فهم متيقنون أنه قضاء الله وقدر ولا اعتراض لقضاء الله، بل إنهم يكرَسون كل ما أتيح لهم من أجل الحفاظ عليه ورعايته وتوفير له كل متطلباته واحتياجاته، لأنه مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة. السيدة «سكينة» 52 سنة أم ل 5 أطفال بما فيهم أصغرهم «أمين» البالغ من العمر 6 سنوات، والذي يعاني من إعاقة حركية وذهنية بنسبة 100 بالمئة، وهذا ما يجعله يعجز عن القيام بوظائفه البيولوجية بشكل عادي بما فيه الأكل والشرب، فوالدته هي التي تتكفل بكل احتياجاته منذ ولادته، و قد أكدت لنا أنها في حديثها أنها فخورة بولدها وأنها لم تشعر يوما بالاستياء أوبالخجل والتذمر لأنها مؤمنة بما قدره الله لها وأنه سبب سعادتها في الدنيا والآخرة، حيث تشعر بأنها تقوم بعمل يكسبها رضا الله وعفوه ويفتح لها أبواب الجنة، وفي ذات السياق يقول والد امين «إنه أحبَ أولاده إلى قلبه ولن يتخلى عنه إلى آخر نفس من عمره ، خاصة و أنه فال خير عليه فبعد ولادة «جمال» مباشرة رزقه الله بخير كبير ووسع في رزقه بعدما كان لا يملك قوت يوم واحد وعلى غرار «مليكة» من الشراقة التي أجرت الفحوصات وتبن لها أن الطفل معاق لكنها لم تجهل بما رزقها الله سبحانه وتعالى لتقول «لما كنت حاملا تبين بان الطفل معاق لكني رفضت الإجهاض لان الله أدرى بما في ذلك لأني لم اعد استطع الإنجاب بسبب حادث وقع لي وأنا الآن احمد الله طفلي مصدر سعادتي» أما سهام التي انجبت طفلا معاقا 100في المائة وهي نادمة لانجابها لهذا الطفل لان الفقر المدقع لم يتركها لتتكفل بفلذة كبدها ولتقول في هذا الصدد «تمنيت لو أجهضت لان الزمن والفقر لم يسعفني لاقدم لابني الاحسن الآن هو يتعذب و انا اتعذب». نقص الوعي في التعامل مع هذه الفئة خلق مشاكل عديدة رغم أن الدولة تدعم ذوي الاحتياجات الخاصة والجمعيات الخيرية كذلك، ولكن تبقى الظروف الاجتماعية تثقل كاهل الأسر أيضا فهناك من لا يستطيع حتى شراء الدواء لأبنائه، لذلك لا يجب أن نظلم الوالدين فلا أحد يرضى أن يرمي بفلذة كبده أو يتخلى عنه وإمكانياته تسمح له بعلاجه أو رعايته المشكل في أنه ينقصنا الوعي بالطرق العلمية للتعامل مع هذه الفئة لا غير فبعض الأولياء لا يتقنون أسلوب التربية مع الأولاد العاديين فما بالك مع ذوي الإحتياجات الخاصة. وإصدار قانون يبيح الإجهاض للأم الحامل وتحديدًا في حالات تشوه الجنين الخلقي مهم جدًا، لأن بعض الحالات قد يكون محكومًا فيها على الطفل بالموت داخل رحم الأم، وتأتي المطالبة بهذا القانون، حماية لحياة الأم، وحتى لا تصاب بأية أضرار نتيجة موت الجنين في الرحم والمطالبة بالإجهاض لا تهدف بالضرورة إلى إقصاء الطفل المعاق، بل يجب الاهتمام به وذلك من خلال إحاطته بالحب ومحاولة استغلال قدراته والإمكانيات المتاحة له، حتى يتقبل إعاقته ويتوافق معها، ومساندته ودفعه إلى الأمام في نواحي الحياة فهو يستحق الاهتمام والرعاية، وله حقوق مثله مثل جميع أفراد المجتمع، وهذا ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نادى بعدم التمييز. رأي الشريعة في إجهاض الطفل المعاق فيما يخص رأي الدين في هذا الشأن يقول الامام «ر.م» أن إجهاض الجنين المعاق قضية شائكة في مجتمعنا وربما لان الاسرة لا تكتشف اعاقة ابنها الا بعد الولادة لعدم اجراء الاشعة اللازمة لذلك او لتستر الاسر على جنس ومدى سلامة مولودها، واتفق أهل العلم على تحريم الإجهاض بعد مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل؛ لأن الروح تنفخ في الجنين عند مرور تلك المدة على رأي كثير من العلماء لما ثبت في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد». ويستثنى من هذا الحكم حالة واحدة فقط، وهي انه إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فقد قال الكثير من العلماء بجواز إسقاط الجنين حينئذ. فإذا كان الجنين المشوه قد نفخت فيه الروح وبلغ مائة وعشرين يوماً، فلا يجوز إسقاطه مهما كان التشوه، إلا إذا كان في بقاء الحمل خطر على حياة الأم، وقد قال الله عز وجل في سورة الأنعام الآية 151: ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)) فالجنين بعد استكمال أربعة أشهر إنسان حي كامل والجناية عليه كالجناية على طفل مولود فقد يخيب ظن الأطباء ويولد الطفل سليما كما قد وقع لكثير من الناس.