باحث اجتماعي: غياب التنشئة سبب الفوضى انتشرت في أوساط المجتمع الجزائري عدة مظاهر وسلوكيات غير حضارية والتي كانت في وقت مضى غريبة عن تعاملات المواطنين في حياتهم اليومية، وباتت هذه الممارسات منتشرة في الكثير من الأمكنة والساحات العمومية التي يقصدها المواطن البسيط وحتى المؤسسات وأماكن العمل التي لم تسلم من تجاوزات غير حضارية من خلال التأخر في أوقات عمل الموظفين، أو عدم احترام أماكن الانتظار في طابور النقل أو رمي الأوساخ والقاذورات في أي مكان، وأصبحت اللامبالاة مظاهر لا يحرك المواطنين ساكنا لها أو بالأحرى انسجمت مع العقلية الجزائرية السائدة، ومن هنا ارتأت السياسي ، أن تسلط الضوء على هذا الموضوع من كافة الجوانب، من خلال معرفة الأسباب الحقيقية وراء تفشي هذه الظواهر السلبية في سلوكيات الكثير من المواطنين، ومدى انعكاسها على المحيط الاجتماعي، كذلك معرفة الدوافع النفسية وراء اتجاه العديد من الفئات الاجتماعية لارتكاب مثل هذه الأفعال التي تنافي المواطنة والتحضر الذي يدعي الكثيرون انتماءهم له، على الرغم من المجهودات الجبارة التي بذلتها الدولة لترسيخ مبادئ مواطنة حقة مبنية على احترام المحيط والبيئة التي يتعامل معها المواطنون في حياتهم اليومية. الفضاءات العمومية مرتع للقاذورات أضحت ثقافة المواطنة مدنسة عند شريحة كبيرة من المواطنين بعدم مبالاة واضحة، وأمست العديد من الأماكن والساحات العمومية مرمى للنفايات والقمامة هذا ما أكده لنا بعض المواطنين عند تجول السياسي ، بأحد شوارع العاصمة حيث أكد لنا العديد من المواطنين أن معظم الساحات والحدائق العمومية لم تعد أماكن تناسب العائلات للجلوس أو التنزه فيها بقدر ما أصبحت ملجأ للقطط والكلاب الضالة ،ساهمت بشكل أو بأخر في انتشار الحشرات والقوارض وانبعاث الرواح الكريهة في كل مكان، وعلى الرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة في تنظيف ونشر ثقافة المحيط إلا أنها الغائبة والمنسية عند الكثيرين ولا يأبهون حين رمي شخص كيسا أو حتى علبة سجائر في الطريق، بالرغم من وجود حاويات مخصصة لذلك حيث تتفاجأ برمي شخص للقاذورات على الأرض والقمامة لاتبعد عنه سوى متر أو أقل من ذلك، ويرى العديد من المواطنين أن غياب سلطة رادعة تفرض الانضباط واحترام المحيط البيئي كانت من بين أسباب تفشي مثل هذه السلوكيات التي لا تشرف قيم التحضر والمعاصرة. بوابات العمارات والمباني مزينة بالقمامة أمست مساكن المواطنين ملجأ لرمي مختلف النفايات من المارة أو حتى ساكنيها، أما بوابات العمارات يلاحظ امتلاء بواباتها ومداخلها بأكياس القمامة وروائحها الكريهة التي تصل إلى الشارع، هذا ما رصدته السياسي بإحدى العمارات بساحة أول ماي بالعاصمة، حيث ترى مشاهد لا توحي بوجود تحضر أو ثقافة احترام للمحيط، من كثرة المشاهد التي لا تشرف العاصمة بشيء، هذا ما أكده لنا أحد المواطنين الساكنين بالعمارة الذي عبر عن استيائه لما يحدث، فعلى الرغم من توفر الحاويات المخصصة لرمي النفايات يلاحظ أن بعض المواطنين يرمون أكياسا بلاستيكية من النوافذ والشرفات، وحتى سلالم العمارات لم تسلم من هذه المظاهر المشينة على حد قول المواطن، وتبقى ثقافة المواطنة إلى حد الساعة بعيدة المنال في ظل استمرار مثل هذه التجاوزات. .. حتى وسائل النقل والمساجد لم تسلم من التجاوزات تعدت تجاوزات بعض المواطنين في عدم احترام سلامة المحيط التي تعتبر جزءً مهما من ثقافة المواطنة التي يجهل معانيها الكثير من شرائح المجتمع الجزائري، هذا ما صرح به أحد المواطنين ل السياسي ، قائلا: أنا مستاء من هذه الأوضاع ، حيث شدد المتحدث على ضرورة وضع حد لمثل هذه السلوكيات، التي مست جميع الأماكن التي نتردد عليها، حتى وسائل النقل التي نستعملها يوميا أرضيتها مليئة بسجائر المدخنين وعلب الشمة، وأحيانا ترى بقايا العلكة على المقاعد المخصصة للجلوس، كما تتفاجأ بتكسير البعض الكراسي والواقيات الزجاجية في المحطات وحتى الأماكن العمومية على الرغم من أن الدولة تعمل على إعادة تركيبها بين كل فترة وأخرى، ويؤكد لنا مواطن آخر أن هذه الممارسات لم تقتصر على أماكن دون غيرها بل تعدت دور العبادة فترى مساجدنا عرضة لتجاوزات ما أنزل الله بها من سلطان، والكثير من المشاهد التي نراها في بيوت الله كإخفاء علب السجائر وبقايا التبغ تحت سجاد الصلاة، إضافة إلى الروائح الكريهة الناتجة عن عدم التزام بعض المواطنين بشروط النظافة ومبادئ دخول أماكن العبادة تبقى غائبة إلى حد الآن. تبقى اللامبالاة سمة المواطنين باتت بعض السلوكيات قواسم مشتركة عند الكثير من المواطنين في العديد من التصرفات، التي أمست عادية، حيث ترى شخصا يرمى كيسا أو علبة في مكان جلوسه لا تحرك ساكنا عند أغلب شرائح المجتمع، وأحيانا ترى ردة فعل شخص تجاه ما شاهده من مشاهد تهين الوسط والمحيط العمومي بألفاظ لامبالية، هذا ما أكده لنا أحد المواطنين بأن أغلب شرائح المجتمع الجزائري تعودت على هذه الممارسات وأمست هذه المشاهد من الأمور العادية، ويضيف مواطن بالقول: عند محاولة نصيحتنا لبعضهم تجد رد فعلهم سلبية وأحيانا ينفعلون بألفاظ غريبة ، هذا يعود لأسباب أثرت على نفسية وعقلية المواطن الجزائري ما انعكست بالسلب على تصرفاته مع المحيط الذي يتعامل معه. غرس الله أستاذ علم الاجتماع الديني يؤكد ل السياسي : مؤسسات التنشئة الاجتماعية غائبة تماما أكد غرس الله عبد الحفيظ أستاذ علم الاجتماع الديني بجامعة وهران في تصريح خص به السياسي ، أن المجتمع الجزائري متجذر في الأصالة والمعاملة ولكن ما نلاحظه اليوم من سلوكيات شاذة تنم عن انسلاخه عن التقاليد التي تربى عليها أباؤنا وأجدادنا، واليوم نعيش في فوضى اجتماعية اختطلت فيها المعايير والأفكا ر. ويضيف ذات الأستاذ لم يعد للمواطنين أي هدف سوى إشباع الحاجات البيولوجية والمادية متناسين أدوارهم الحقيقية في إقامة علاقات مبنية على نشر ثقافة الوعي بالبيئة وبسلامة المحيط الذي يعيشون فيه وبين غرس الله الأسباب الحقيقية لتنامي هذه السلوكيات وراء غياب حقيقي للوعي بالأدوار الاجتماعية للمواطنين داخل المجتمع باعتباره جزء منه ،كذلك إهمال الأسرة التربية الحقيقية لأبنائها. ولم تبق من المواطنة إلا مفاهيم وكلمات رنانة، وما هي إلا نتيجة غياب حقيقي لمؤسسات التنشئة الاجتماعية المصابة بنوع من الركود، وهذه المظاهر ما هي إلا نتائج لحالات وأعراض مرضية على الرغم من مجهودات الدولة في تكريس هذه المبادئ لكنها تبقى بعيدة المنال إلى حد الآن.