نظّمت بلدية باب الوادي طيلة أيام الشهر الفضيل، بالتنسيق مع مؤسسة خاصة لصنع مواد التنظيف، إفطارا لفائدة العائلات المعوزة وعابري السبيل بمقدار 700 وجبة يوميا أطلق عليها اسم قعدة الخير ، وهذا على مستوى خيمة عملاقة نصبت لهذا الغرض على مستوى ساحة كيتاني . يحل رمضان وتتعدّد فيه مطاعم الرحمة وموائد الإفطار الجماعية في كل مكان وهو ما يعطي خصوصية لهذا الشهر الفضيل الذي تكثر فيه الخيرات ويزداد فيه المتصدقون وفاعلو الخير، إلا أن تنظيم العملية على مستوى بلدية باب الوادي كان مختلفا هذه السنة، حيث تمت بالشراكة مع مؤسسة خاصة كبيرة عكس الأعوام السابقة التي كانت تعتمد فيها على أموال البلدية وصدقات المحسنين وفاعلي الخير، حيث تم تخصيص مساحة لذلك على مستوى ساحة كيتاني المعروفة والشاسعة، من أجل مساعدة المعوزين وعابري السبيل ممن حرمتهم الظروف قضاء هذا الشهر بعيدا عن عائلاتهم، ولمعرفة الأجواء العائلية التي توفرها الخيمة، ارتأت السياسي أن تقاسم العائلات المعوزة الإفطار في يوم من أيام الشهر الكريم في قعدة الخير . إمكانيات كبيرة.. وتنظيم محكّم في الخيمة أول ما يلفت الإنتباه هو الإمكانيات الكبيرة المسخرة للعملية، حيث تم نصب خيمة عملاقة بمساحة إجمالية تقدر ب1250 متر مربع تحتوي على خمس مساحات مهيئة وهي الاستقبال وصالة الإفطار والمطبخ ومكان لتخزين السلع والمصلى، ناهيك عن تزويد المكان بشاشات بلازما ومكيفات هوائية وطاولات للإفطار من النوع الرفيع، بالإضافة إلى مكبرات للصوت يتم بث القرآن الكريم عبرها وهو ما جعل المكان يبدو كأنه مطعم بأحد الفنادق الفاخرة بالجزائر العاصمة، وهو ما لم يتعود عليه الجميع باعتبار أن مطاعم الرحمة عادة ما تكون بسيطة مثل مرتاديها من العائلات الفقيرة والمعوزة. ويسهر على سير العملية أزيد من 100 شخص من كل الأعمار حيث يسهر الجميع على السير الحسن للعملية وعدم حدوث فوضى نظرا للإقبال الكبير على الخيمة، حيث ينقسمون إلى 20 عون أمن مكلفين بالحراسة في محيطها ومراقبة الدخول، بالإضافة إلى 16 موزعا مؤهلا وعددا معتبرا من الطباخين والطباخات. كما وفرت بلدية باب الوادي أطباء مختصين يسهرون على مراقبة نوعية الأغذية المقدمة كل يوم، بالإضافة إلى عمال النظافة الذين يعملون على رفع بقايا الأكل والفضلات بعد كل إفطار لتفادي تراكم الأوساخ في المكان والشيء المميز أيضا هو أن الدخول يكون بتذاكر خاصة يبدأ المنظمون بتوزيعها ابتداء من الواحدة ظهرا على أن يبدأ الدخول على الساعة السادسة مساء. خيمة قعدة الخير مقصد العديد من العائلات واللاجئين مع اقتراب الساعة السادسة، يبدأ الأفراد بالتوافد على المكان مشكّلين طوابير أمام باب الدخول، ويتضح جليا الفقر والبؤس على حالتهم وهندامهم حيث يلاحظ قدوم عائلات بأكملها للإفطار، اقتربنا من فاطمة، وهي سيدة في الخمسينات من عمرها تقطن في أعالي باب الوادي، كانت رفقة ابنتيها حيث أخبرتنا أنها مطلقة وتضطر إلى العمل كمنظفة في إحدى العمارات لإعالة أولادها، مؤكدة أنها تقصد الخيمة منذ بداية شهر رمضان رفقة ابنتيها مبدية إعجابها بالمكان ونوعية الخدمات المقدمة، متمنية أن تستمر هذه المبادرات طوال أيام السنة ولا تقتصر على الشهر الفضيل فقط. غير بعيد عنها، التقينا بعمي الزبير، وهو شيخ طاعن في السن كان يحمل تذكرة الدخول برفقة زوجته وأبنائه الثلاثة، حيث قال انه مضطر للقدوم إلى الخيمة للإفطار يوميا رفقة عائلته، نظرا لحالته الاجتماعية المزرية وانه لا يستطيع التكفل بمصاريف الإفطار خاصة في شهر رمضان. وما يلاحظ أيضا هو وجود اللاجئين الذين أجبرتهم الظروف الصعبة على الهروب من بلدانهم سواء السوريين الذين يتواجدون بكثرة في بلدنا منذ اندلاع الاضطرابات، وحتى الماليين الفارين من الحرب التي اندلعت في شمال مالي حيث صادفتنا عائلة سورية من مدينة حلب لم تود الحديث إلينا في البداية، لكن مع إصرارنا أخبرونا بأنهم سمعوا بهذه الخيمة، فأصبحوا يترددون عليها كل يوم معجبين بحسن استقبال الجزائريين لهم، ما أنساهم حزن البعد عن بلدهم نوعا ما حيث شكروا الشعب الجزائري على الكرم الذي لاقوه في كل مكان. متطوعون يعبّرون عن فرحتهم للمساهمة في المبادرة ومع حلول الساعة السابعة مساء، يبدأ المصطفون في الطابور بالدخول إلى الخيمة الرائعة تباعا وكل واحد منهم يأخذ مكانه في الطاولات منتظرين موعد الإفطار، وما يلفت الإنتباه هو الحركية الكبيرة في الداخل حيث ترى الشباب الموزعين يسرعون في كل الاتجاهات لتجهيز الطاولات بالأطباق وتفاجأنا لما أخبرنا المكلف بالاتصال على مستوى الشركة بأن كل هؤلاء الشباب متطوعون، بل كل يوم يأتي العديد من الطلبات من طرف شباب للتطوع والمساهمة في إنجاح هذه المبادرة وتحملهم البعد عن ذويهم طيلة الشهر الفضيل، مشكّلين عائلة كبيرة جمعها حب العمل الخيري، و في ذات السياق، أعرب العديد من المتطوعين ممن التقت بهم السياسي بالخيمة عن مدى فرحتهم للمشاركة في هذه المبادرة الخيرية وهو ما صرحت به منى نايلي، وهي إحدى الشابات المتطوعات بالخيمة، تقول: المشاركة في هذه المبادرة ومقاسمة هذا الشهر الفضيل بالنسبة لي شرف كبير، هذا ما يجعلني سعيدة بالإنتماء إلى هذه العائلة الكبيرة . ومن جهة أخرى، أعربت الطباخة كريمة عن مدى ارتياحها للعمل في هذه الخيمة والتي قالت: العمل طوال اليوم في هذه الحرارة الكبيرة يتعبنا، لكن عند مشاهدة الفرحة على وجوه العائلات المعوزة بعد كل إفطار، يجعلنا ننسى التعب وأنا فخورة للمساهمة في ذلك . أطباق تقليدية متنوعة على موائد الإفطار مع آذان المغرب، ينهمك البعض في الإفطار والبعض الآخر يقصد المصلى، حيث كانت الأطباق رمضانية خالصة من الشوربة والبوراك وطبق اللحم الحلو المعروف والطبق الثاني المتمثل في الدجاج، بالإضافة إلى السلطة ناهيك عن المشروبات الغازية وهو ما جعل الكل راض على ما يقدّم خاصة العائلات المعوزة التي لا تستطيع توفير إفطار بهذا المستوى في باقي الأيام. للعلم، فإنه تم إحصاء المعوزين بالشراكة مع جمعيات الأحياء على مستوى بلدية باب الوادي، لكن هناك عائلات تأتي من البلديات المجاورة، فلا يمكن حصر العملية على بلدية واحدة، حيث يتم الترحيب بكل معوز وعابر سبيل خاصة في شهر الرحمة. عثمان سحبان ل السياسي : نحن راضون على السير الحسن للعملية تصادف حضورنا للإفطار مع قدوم رئيس المجلس الشعبي البلدي لباب الوادي، عثمان سحبان، الذي كان له تصريح للصحافة الحاضرة بعد انتهاء الإفطار، قال: نحن راضون على السير الحسن للعملية من خلال مراقبتنا لها في الأسبوع الأول من رمضان، وهذا بتظافر جهود الجميع سواء عمال البلدية أو الشريك الخاص أو كل من تطوع، حيث لما طرحت عليّ الفكرة، لم أتوان في الموافقة بل منحت المكان المخصص لنصب الخيمة مجانا ووضعنا كل عمال البلدية في خدمة المنظمين، وأنا مستعد لمرافقة أي مبادرات مماثلة في المستقبل ولما لا في باقي أيام السنة وأن لا تقتصر فقط على شهر رمضان ، معتبرا العملية نتيجة شراكة ناجحة بين السلطات المحلية والقطاع الخاص. موائد الرحمة.. رمز للتكافل والتضامن مع المعوزين في رمضان غادرنا الخيمة وفي أذهاننا صورة رائعة عن مدى التكافل والتضامن الكبير وهو ما نمى فينا حب التطوع، خاصة لما ترى الإبتسامة على وجوه العائلات المعوزة وأطفالها الصغار وهذا ما جعلنا ندرك أن مازال هناك أناس في الجزائر يحبون فعل الخير رغم كل ما يقال عن اندثاره في مجتمعنا، وكانت آخر كلماتنا ونحن نغادر خيمة قعدة الخير : الدنيا بخير.. مادام مازال أهل الخير .