للأجواء الرمضانية في ولاية باتنة طعم خاص، فهي تجمع بين العبادة والمتعة والترفيه، ولكل طالب ما يريد. ويحظى شهر الصيام لدى مختلف فئات المجتمع بقداسة خاصة، إذ تستعد الأسر الباتنية لاستقباله بشكل احتفالي، بتجديد مستلزمات المطبخ، وتهيئة المنزل لسهرات تعاد كل عام، ولكنها لا تنسى، بالرغم من اندثار مجموعة من العادات والتقاليد الرمضانية بعاصمة الأوراس لاجتهاد عدة عائلات في الحفاظ عليها، إلا أن المد الكبير للعصرنة التي طغت على مناح كثيرة من حياة سكان باتنة، جعلت عديد الطقوس الرمضانية مجرد عادات لا يمكن قراءتها سوى في عيون الشيوخ والعجائز الذين، رغم التطور الذي عرفته الولاية، لا يزالون متمسكين ببعض العادات والتقاليد ويجبرون عليها أبناءهم وأحفادهم فتجد سكان باتنة من الأجيال الجديدة وكأنها تكتشف لأول مرة الزخم الكبير للعادات والتقاليد التي تصاحب الشهر الفضيل منذ دخوله إلى غاية مغادرته بيوت سكان الأوراس. الزيارات العائلية بعد التراويح.. مكسب لم تغيره السنون وتعتبر الزيارات في السهرات الرمضانية بعد أداء صلاة التراويح والاجتماع على المأكولات التقليدية من زلابية ومقروط، من أبجديات وأولويات العائلات الأوراسية، إضافة إلى أن ما ظل راسخاً ولم تنل منه تغييرات العصرنة هي الأجواء الروحانية التي تميز بيوت الله خلال شهر رمضان الكريم والتي لا تزال تعج بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح عبر كل البلديات والدوائر ولا يمكن الحديث عن صلاة التراويح بولاية باتنة دون ذكر أحد رموز العبادة وهو مسجد أول نوفمبر بباتنة الذي يتسع ل10000 مصل. هذا الصرح الإسلامي الكبير ومفخرة منطقة الأوراس كلها أسهم في إنجازه المرحوم المجاهد العقيد الحاج لخضر الذي حول المكان الذي أنجز به بحي النصر من مطار عسكري استعمله الاستعمار لقمع الشعب الجزائري من خلال ما يعرف بالطائرة الصفراء التي كانت وقتها تقنبل المدنيين والعزل، إلى قبلة الإسلام والمسلمين، المسجد الذي يعرف بكثافة منقطعة النظير للمصلين الذين دأبوا على أداء التراويح به والقادمين من مختلف دوائر الولاية وحتى من بعض الولايات المجاورة بعد أن بلغ صيت أئمته وقارئيه كل القطر الجزائري. الزيراوي والرفيس للاحتفال بصوم الطفل لأول مرة ولا تختلف عادات الاحتفال بصوم الأطفال لأول مرة بباتنة عن باقي الولايات الأخرى، فإن جهود أغلب العائلات مركّزة على تهيئة الأجواء للأطفال لمساعدتهم على الصيام حيث تحرص الأمهات على تلقين أبنائهن أبجدياته وفضله وتفضّل أن يكون حسبما جرت عليه العادة ليلة النصف من رمضان أو ليلة السابع والعشرين منه، وتكون الاستعدادات لتلك الليلة المميزة من خلال تحضير مجموعة من الأطباق التي تزيّن المائدة الرمضانية احتفاء بصوم فرد جديد في العائلة من إعداد مشروب خاص يتم تحضيره في المنزل، وتختلف طرق الاحتفال بصيام الطفل لأول مرة من منطقة لأخرى بل تتعداها إلى الفروقات الموجودة بين العائلات في المنطقة والحي الواحد، إذ هناك بعض العائلات التي تشجع صغارها على الصوم، ولو لنصف يوم دون إرغامهم على صيام اليوم كله، كخطوة أولى لاكتشاف ماهية الصيام والتعوّد عليه، وتكافئ الأطفال الذين نجحوا في البقاء بدون طعام لنصف يوم وهكذا تستمر متابعة العائلة لمدى تحمّل طفلها للقدرة على إكمال اليوم بالإمساك عن المأكولات إلى غاية إتمامه الصيام كليا، وهناك من العائلات بولاية باتنة من تحرص على تصويم صغيرها يوماً واحداً ثم تفطره اليوم الثاني، ليتمكّن من صيام اليوم الموالي، وهكذا يتعوّد الطفل من تلقاء نفسه على تحمّل مشاق الجوع والعطش تدريجياً. وهناك عديد العائلات تنفرد بتحضير طبقي الرفيس التونسي، والزيراوي المشهورين وطنيا بالإضافة إلى خبز الدار الذي يلازم مائدة رمضان ويكون شريكا لصحن شوربة الفريك. العصير التقليدي زينة مائدة رمضان بمدينة نقاوس وقد تختلف العادات والتقاليد من منطقة لأخرى، فتتميز مائدة رمضان بمدينة نقاوس بالعصير التقليدي الذي يعد زينة مائدة رمضان كل عام، فعلى الرغم من أن مدينة نقاوس تحولت في السنوات الأخيرة إلى عاصمة للعصائر بعد فتح أكثر من 6 وحدات لإنتاج أنواع مختلفة منها إلى جانب عصير نقاوس الشهير، فإن المرأة بالجهة تحرص على تحضير العصير التقليدي الذي يمتاز بنكهة خاصة ويلقى إقبالا لدى أفراد كل العائلات تقريبا خاصة في شهر الصيام. وتعمد النساء إلى جلب كمية كبيرة من المشمش وطبخها في قليل من الماء والسكر بعد غسلها ونزع النواة ثم تطحن فتحصلن على عصير طبيعي مركّز تتم تعبئته في قنينات بلاستيكية توضع في المجمد، وعند الحاجة، تخفف كمية منه بالماء مع إضافة السكر حسب الذوق. فلا يخلو بيت بالمنطقة من هذا العصير اللذيذ الذي تسعى كل امرأة إلى إضفاء لمسة خاصة عليه حتى يجده المتذوق، لاسيما في سهرات رمضان، يختلف عن البقية ويجعل المرأة التي أعدته تتميز.