يبدو أن مظاهر وطقوس رمضان زمان بمنطقة الأوراس آئلة للزوال ولو أن بعض العائلات بالقرى والمداشر لاتزال متشبّثة ببعض العادات والتقاليد الضاربة في التاريخ، رغم تأثير الحداثة على سلوك الأفراد والأسر، و من ذلك إحتفال العائلة بصيام أحد أبنائها لأول مرة.وإن كانت هذه ميزة تحسب لهؤلاء العائلات فإن الحداثة بالمدن الكبرى أتت على القسط الكبير من الطقوس التي تلاشت ولم يمكن قراءتها سوى في عيون الشيوخ والعجائز الذين رغم التطور الذي عرفته المدينة والتجمعات السكانية الكبرى لا يزالون متمسكين ببعض العادات والتقاليد بتبادل الزيارات في السهرات الرمضانية بعد أداء التراويح والإجتماع على المأكولات التقليدية، من زلابية ومقروط التي تففن في صناعتها على مر العصور حلوانيون تونيسيون. ما ظل راسخاً ولم تنله منه تغييرات العصرنة هي بيوت الله التي لا تزال تعج بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح عبر كل البلديات والدوائر و قبلة المصل مسجد أول نوفمبر بباتنة الذي يتسع ل 10000 مصلي هذا الصرح الإسلامي الذي أسهم في إنجازه المرحوم المجاهد العقيد الحاج لخضر الذي حول المكان الذي أنجز به بحي النصر من مطار عسكري إستعمله الإستعمار لقمع الشعب الجزائري من خلال ما يعرف» بالطائرة الصفراء» التي كانت وقتها تقنبل المدنيين والعزل حيث حوله إلى قبلة الإسلام و المسلمين ويعرف كثافة منقطعة النظير للمصلين الذين دأبوا على أداء التراويح به. وبالعودة لطقوس رمضان بالمنطقة فإن الجهود تنصب على تهيئة الأطفال على صوم رمضان وإعتياده حيث يتم خلال أول يوم من صيام الأطفال، الذي يكون حسب ما جرت عليه العادة ليلة النصف من رمضان أو ليلة السابع والعشرين منه، إعداد مشروب خاص يتم تحضيره في المنزل، ولا تختلف طرق الإحتفال بصيام الطفل لأول مرة في منطقة أخرى فحسب، بل من عائلة إلى أخرى أيضا، إذ هناك بعض العائلات التي تشجع صغارها على الصوم، ولو لنصف يوم دون إرغامهم على صيام اليوم كله، كخطوة أولى لإكتشاف ماهية الصيام والتعوّد عليه، وهناك من العائلات من تحرص على تصويم صغيرها يوماً واحداً ثم تفطره اليوم الثاني، ليتمكّن من صيام اليوم الموالي، وهكذا يتعوّد الطفل من تلقاء نفسه على تحمّل الإمساك عن الطعام والشراب تدريجياً. وتحرص العائلات على دعوة الأهل والأقارب لتقاسم مائدة الإفطار مع صغيرها الصائم لأول مرة، وتحافظ هذه العائلات على تقاليد قديمة، تحرص على توريثها للأجيال، ومنها أن ''يكسر'' الطفل الصائم لأول مرة صيامه بتناول كاس حليب وحبات التمر ، وتنفرد بعض العائلات التي لا تزال متمسكة بطقوس رمضان بتحضير''الرفيس التونسي''، والزيراوي وخبز الدار الذي يلازم صحن فريك الشربة ويعد هذا النوع من الحلوى التقليدية التي بدأت تأخذ طريقها إلى الزوال، أساس إفطار الطفل الصغير الذي يصوم لأول مرة عند العائلات الأوراسية وإلى جانب كأس اللبن الأصيل الذي يحضر «بالشكوة» والذي تنبعث منه رائحة العرعار ، تتصّدر موائد الإفطار في إحتواء هذه القطع من الحلوى على عجين التمر. بعيداً عن هذه الأجواء كانت» الرحبة» بالسوق التي تتوسط المدينة محطة لربات البيوت لإقتناء شربة الفريك التي لا تبارح المنازل إلا مع قدوم عيد الفطر المبارك. وعلى غير العادة أجبرت ربات البيوت على البحث عن محلات بيع العقاقير التي إنتشرت عبر أحياء مدينة باتنة بعدما أغلق هذا السوق لدواعي الترميمات الجارية به منذ أشهر غير بعيد عن هذه السوق يتنشر باعة «النوقة» وباعة « البيتزة « التي تعرف رواجاً كبيراً ساعات قليلة قبل الإفطار. إلى جانب ذلك حولت العديدة من المنتزهات والحدائق العمومية وجهة العائلات للسهر فمنهم من يقصدون حديقة قادري بفسديس وحديقة جرمة ومنتزه «حملة القديمة» وأهم ما ميز الشهر الفضيل هذه السنة هو إ قبال العائلات البسكرية بشكل مكثف على هذه الحدائق والمنتزهات. وحتى أن بعض الدوائر المجاورة فضلت السهرات بباتنة من خلال تنظيم رحلات منظمة كل ليلة.