لا شك في أن غزو القوات الأمريكية والبريطانية للعراق في عام 2003 شكل نقلة نوعية في سياسة القوى الاستعمارية مع الدول الضعيفة. ففي الماضي كان هدف الاستعمار نهب الأراضي المستعمَرة وتحويل سكانها إلى خدم للحاكم الجديد (باستثناء حالة فلسطين، حيث كان الهدف منذ البدايات أي منذ طرح الموضوع في القرون الماضية هو استبدال غزاة أوروبيين يهود بالسكان العرب أهل البلد)، حيث كان هدفه منذ البداية تفكيك الدولة العراقية على نحو كامل ومن ثم إعادة تركيبها وفق مخطط معد مسبقًا. ومع أنه صدرت كتب كثيرة عن غزو العراق وخطط الغزاة المحتلين وأكاذيبهم، إلا أن أهمية هذا المؤلف الجديد تكمن في تعامله الموثق، في عشرة فصول وعدد من الملاحق المهمة، مع موضوع محدد هو القضاء على العراق دولة وشعباً، وتوضيح أن ما حصل من نهب وحرق وتدمير للمؤسسات الثقافية والعلمية تم قصديا، وليس نتيجة إهمال، كما ادعت قوى الغزو والاحتلال الأمريكية والبريطانية. مقدمة المحررين تقول إن الإدارة الأمريكية خططت لتدمير الدولة العراقية، ونفذت ذلك بوعي لأن وجود عراق قوي كان عقبة معطلة لمخططاتها الاستعمارية ومن ذلك إبقاء "إسرائيل" القوة المهيمنة الوحيدة على المنطقة. ومن هذا المنطلق، كان مخططو الحرب يدركون على نحو كامل وشامل أن تدمير الإرث الثقافي للعراق سيؤدي إلى تدمير الدولة، ومن ثم إلى تحلل شعبها إلى جماعات وطوائف. فقط النفط كان يهمها، لذا أرسلت قواتها للسيطرة على وزارة النفط وغيرها من المؤسسات ذات الأهمية الاستراتيجية، ومنها على سبيل المثال وزارة الداخلية. ولذا فإن هدف الكتاب هو إثبات وبأكبر قدر ممكن من الدقة أن الظروف التي خلقها الاحتلال فتحت الطريق أمام تدمير العراق ثقافياً، وأن مسؤولية ذلك العمل »المخزي وعديم الأخلاق« تقع على الإدارتين الأمريكية والبريطانية. البدايات في القسم الأول »صياغة سياسة التطهير الثقافي وتنفيذها« المخصص للخلفية النظرية والمرجعية النظرية، والذي ضم فصلين هما »إنهاء الدولة العراقية« و»التطهير الثقافي ضمن منظور مقارن«، يعود المؤلفون إلى المحفوظات المتوافرة لإثبات أن الإدارة الأمريكية وضعت ضمن خطة غزو العراق واحتلاله تدميره كدولة وتحلل شعبه، ثم بدأت باستجلاب ذرائع لنفي أن الأمر كان مخططاً له، وأن »ما جرى« تم عن سبق إصرار وتصميم. ومن تلك الإثباتات قول نائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق بول فولفويتز بعد هجمات 11 سبتمبر أن الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية يكمن في »القضاء على« الدول التي تدعم الإرهاب، ومن ثم وصف العراق بأنه دولة إرهابية يجب القضاء عليها. تدمير الدولة سياسة ثابتة يربط المؤلفون بين مصير العراق على أيدي قوات الغزو الأمريكية والبريطانية وما حدث في أمكنة أخرى في العالم، ومن ذلك أمريكا اللاتينية على أيدي »فيالق الموت«، وممارسات الحركة الصهيونية في فلسطين قبل اغتصابها عام 1948 وبعد ذلك، وكذلك في البوسنة على أيدي القوات الصربية والكرواتية. ومن الأدلة التي يجلبها المؤلفون على الارتباط بين مختلف المشاريع الأمريكية ظهور جيمس ستيل الذي خطط لعمليات القوات الخاصة في السلفادور خلال الحرب الأهلية التي راح ضحيتها نحو 70000 روح، قضى 85٪ منهم على أيدي قوات تدعمها الولاياتالمتحدة، وذلك وفق تقارير لجنة خاصة للأمم المتحدة في العراق المحتل مستشارًا لوزير داخلية حكومة الاحتلال التي ارتبط اسمها بفيالق الموت العراقية، كما أن المذكور خدم مستشارًا ل »قوات مكافحة الإرهاب« وقوات »الشرطة الخاصة« التي أسسها وزير الداخلية حينذاك فلاح النقيب في وزارة إياد علاوي. ولذا ليس ثمة من شك في أن قوات وزارة الداخلية و»فيلق الذئب« التابع للوزارة، تقف وراء اغتيال العلماء العراقيين، وانضم إليها عام 2007 ما يسمى »قوات الصحوة« لتعميق الانشقاق المذهبي والطائفي في البلاد. وهدف هذا كله تدمير البنى التحتية للبلاد، تمامًا كما تفعل »إسرائيل« بحق الشعب الفلسطيني في »الضفة« وغزو »القطاع« في نهاية عام 2008 حيث أسست الأخيرة، بالتنسيق والدعم الكامل للولايات المتحدة، قوات خاصة بقيادة محمد دحلان. المشاركة الإسرائيلية »الكردية« المؤلفون يقدمون معلومات مهمة عن مشاركة »إسرائيل« في عملية القضاء على العراق، حيث ساهمت مساهمة مباشرة في تدريب قوات البشمركة بدءًا من عام 2003، وأمدت مختلف القوى الكردية/ العراقية باستثناء حزب العمال الكردستاني المتعاطف مع القضية الفلسطينية بالمعونة بهدف اختراق القوى السنية والشيعية المناهضة للاحتلال، ولوضع أجهزة تجسس ومراقبة المؤسسات النووية الإيرانية. لكن الكتاب حسم أن العلاقة بين الطرفين تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وأسسها روبين شيلوه من »الوكالة اليهودية« عندما التقى ممثلي عشيرة البارزاني وأسس لعلاقات مع مختلف القوى الكردية.