تخترق الروائية نجاة دحمون في مجموعتها القصصية الأولى مرايا امازيغية العالم المغلق و السري للمرأة في مجتمع رجالي تحكمه عادات وطقوس صارمة وقاسية وضعت خطوط حمراء لمنع مخالفة المعمول به في المحيط الأسري والاجتماعي. توغلت الكاتبة باحتشام في السرداب العميق، الذي يحتفظ بأسرار وحكايات غريبة عن حياوات نساء من كل الأعمار و المستويات الاجتماعية والثقافية. كما اختارت نجاة دحمون ابنة المنطقة في مؤلفها الذي يضم مجموعة من 30 قصة إيصال أوجاع و مآسي المرأة الامازيغية من خلال، منظور واقعي للأمور بعيدا عن الذاتية، فجاءت بحكايات مختلفة زمنيا ومشتركة في المكان وهومنطقة القبائل الصغرى. تنقل الكاتبة عبر نساءها المناضلات اللواتي قضين العمر كله في السعي، لتحقيق غايات قد تبدو بسيطة في نظر البعض لكنها مصيرية بالنسبة لها حتى وأن تعلق الأمر بأبسط الأمور كلقمة العيش اليومي بأدق تفاصيل تركيبة المجتمع القبائلي في وصفها للطبيعة والعادات وكذا المحيط الذي يتواصل مع سكانه. اشتغلت أيضا، الكاتبة على اللغة وانتقاء الكلمات المفردات المناسبة مع تسليط الضوء على أدق تفصيل ملامح بطلاتها وحركاتهن، كما في تمدريت (اللاجة)، حيث تترصد حركة العجوز نا يمينة كأنها عين كاميرا مخرج مهووس بالدقة والتفاصيل. يبدو أن نجاة دحمون تعرف عن قرب هذا المجتمع وعاداته و سلوكياته الاجتماعية، فهي تحرص على نقل هذه الجزئيات في مؤلفها لتجعل القارئ يعيش تلك الأجواء المشحونة بأحاسيس تجمع بين الجفاء والقسوة، وفيض من المحبة والتآزر ونكران الذات، وذلك كله تحت مظلة الطابوهات والمحرمات ، و خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها. في مقدمة هذه المحرمات قضية الشرف وعزة النفس و هي قيم ساعدت رغم التطرف أحيانا أبناء المنطقة في الحفاظ عليها والصمود في وجه القهر والجوع، وسط طبيعة قاسية اظفت بظلالها على قلوب القرويين. كما نقلت الكاتبة في هذا العمل القصصي الأول لها والصادر عن منشورات المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر و الإشهار، أقساطا من مسارات ومعاناة نساء مختلفة وذلك من خلال، تناولها في عدة قصص لهموم الأميات ومخاوف من حلفهن الحظ في نيل قسط من التعليم، لكن يبقى الانتماء لهذا المجتمع التقليدي المتجذر في عادات وتقاليد صلبة العمال المشترك لهن. تتشابه القصص التي تحتضنها الصفحات ال461 من المؤلف، باختيارالكاتبة في بنيتها السردية لنهايات مفتوحة ما عاد في بعض القصص التي جاءت نهايتها مأسوية سوداوية، كما في دقة و اقلب (الشرف في قرطاس)، حيث تقوم العجوز نا هبوبة بإصدار وتنفيذ حكم الإعدام في حق ابنتها عوبة المتهمة ب جريمة العشق الممنوع أو في حكاية لمعنى ارثذماس (جمال الوجه أهم)، حيث تنتهي البطلة حورية بانتحار. وكشفت الكاتبة في مقدمة المؤلف أن مرايا امازيغية تروي قصص حقيقة عن نساء عاديات بطريقة اختلط فيها الواقع بالخيال و الكذب بالصدق، كما يمتزج فيها الحب بالكراهية والجمال بالقبح و الفرح بالحزن . لنجاة دحمون روايتين، الأولى بعنوان زهرة زعتر والثانية سيرة امرأة و وطن وهي تنشط في الحقل الثقافي والإعلامي ولها العديد من الاصدارات، الأدبية في دوريات وطنية وعربية.