أن تكون صاحب 20 سنة في الأوراس يعني أن تثور على الاستعمار الصورة تستنطق الذين تم منعهم من الكلام رأى روني فوتيي الذي انطفأ أمس الأول عن 86 عاما بعينيه الصغيرتي الحجم الكبير للظلم و المهانة التي سلطتها سلطات الاستعمار الفرنسي على الجزائريين في خمسينات القرن الماضي، و التي دفعتهم إلى الثورة. فقرر أن يخوض حربا عادلة، إلى جانب المقهورين من أبناء الجزائر في مواجهة وطنه و بني قومه الفرنسيين، لم يحمل السلاح كغيره، بل حمل سلاحا من نوع آخر، كان الثوار الجزائريون في أمس الحاجة إليه هو سلاح الكاميرا، و حين خرجت صور و مشاهد الحرب التي تشنها فرنسا على الوطنيين الثائرين فيما كانت تسميه أحداث الجزائر، قالت الصور السينمائية الأولى بعدسة روني فوتيي أن ما يجري في جبال الشرق الجزائري هو ثورة بأتم معنى الكلمة ضد الحقرة و الظلم و أصناف القهر. حين التقيته قبل أكثر من 20 سنة في مدينة تبسة، التي أخذ في جبالها سلاح الكاميرا في مواجهة الاستعمار، و احتفظ فيها بصداقات متعددة، كان فخورا بعمله في الجبال مع عناصر جيش التحرير، و سعيدا لأن الجزائر المستقلة منحته اعترافا بعمله و تضحياته، فقد كان مطلوبا لدى السلطات الاستعمارية كأحد الخارجين على القانون، و عاش متخفيا لسنوات طويلة و أخذ اسما ثوريا "فريد"، و كان فريدا في التزامه و موقفه. حدثني وقتها عن لقائه بأبي السينما الجزائرية، جمال شندرلي، و عن مغامراته في الجبال رفقة عناصر جيش التحرير من قيادات القاعدة الشرقية الذين كانوا يحرصون على سلامته و على صيانة معداته السينمائية البدائية أكثر من حرصهم على قطع السلاح النادرة بأيديهم. قال أنه تعرف على محمود قنز بوساطة من هنري علاق في بداية 1957 في تونس، و بطلب من عبان رمضان تم تكليف قنز بإنشاء أول مدرسة للسينما الجزائرية، و قدمه قنز للشريف زناتي في المنطقة الخامسة من الولاية التاريخية الأولى أوراس النمامشة ليقوم بتصوير نشاطات الثوار في الجبال و أخرج عن ذلك فيلم "الجزائر تلتهب". و هو الفيلم الذي يحمل إشارة إلى أنه أنتح بالتنسيق مع القيادة العامة لجيش التحرير الوطني و فريق سينمائي، و تم عرضه في ألمانيا الديمقراطية وقتها. كان فوتيي الشاهد الوحيد على قنبلة قرية ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958، و قال فيما بعد، وفقا لما نقل عنه المؤلف و أستاذ السينما الجزائرية أحمد بجاوي أنه قام بتصوير القتلى من ضحايا القصف الفرنسي للساقية، لأنه كان هناك، و أوضح "تم إحضاري من تونس العاصمة خصيصا لذلك، كانت هناك أكثر من 10 طائرات، و قد وصلت بعد أربعين دقيقة من القصف، و كنت الوحيد كصحفي، و كمصور و قمت بالتصوير و أنا أبكي كعجل وراء الكاميرا، لأنه كان هناك أناس جاؤوا للسوق، و كانت هناك شاحنات الصليب الأحمر الفرنسي و الهلال الأحمر الجزائري تقوم بتوزيع المؤونة" تساءل فوتيي عما سيفعله بتلك الصور و أجاب "كان علي أن أقوم بعرضها، على الأقل لأبنائي لكي يعرفوا ما هي الحرب". و في ما بعد وصل بيار كليمون و جمال شندرلي و قاما بتصوير مشاهد قصف ساقية سيدي يوسف. قال فوتيي في لقائي معه أنه كان يريد نقل الصورة الحقيقية لوقائع حرب التحرير، و كذا معاناة و متاعب السكان المدنيين العزل في خضم ذلك. صورة مختلفة تماما عما كانت الدعاية الحربية الفرنسية تقدم للعالم و للرأي العام الفرنسي ما يجري في الجزائر في السنوات الأخيرة من الخمسينات. عند لقائي به كان يستذكر الأحداث و يأخذ رفيقه بيار كيلمون الذي كان حاضرا في نفس المناسبة و عمل في نفس الظروف رفقته كشاهد، و يستعين بذاكرته قليلا لكي يقدم أسماء الاماكن و الأشخاص، لكن فوتيي كان أكثر حيوية من كليمون الذي رحل هو الآخر قبل سنوات، فلم يسعفه كثيرا. بعد أربعين سنة من خروج فيلمه الشهير بعنوان "أن يكون عمرك 20 سنة في الأوراس" صدرت نسخة جديدة للفيلم، عن الجنود الفرنسيين الشباب الذين رمت بهم حكومة الاستعمار في أتون الحرب الدائرة في الجزائر، و فيه خلاصة 500 حديث أجراها المخرج مع مجندين في جيش الاستعمار بلغت مدتها الإجمالية 800 ساعة تسجيل، بنى عليها سيناريو الفيلم الذي نال الجائزة الكبرى للنقد الأجنبي في مهرجان كان لسنة 1972. و بمناسبة خروج النسخة الجديدة من الفيلم خريف 2012 نشرت صحيفة "لاكروا" يوم 03 أكتوبر 2012، حوارا مع روني فوتيي نترجمه لقراء النصر. هل إعادة خروج فيلم "أن يكون عمرك 20 سنة في الأوراس" بعد أربعين سنة من حصوله على الجائزة في كان 1972 يعني انطلاقة جديدة؟ أعتقد أن ذلك صحيح، الفيلم لا يزال معروضا، و أنا صرت شيخا، لكنني رأيت بسرور أن أناسا أقل سنا يريدون الأخذ به، و يعطونه حياة جديدة. منذ خروج الفيلم كانت مسيرته نوعا ما مضطربة، لكنها مثيرة بالنسبة لمخرجه الذي كان عليه أن يصارع من اجل أن يصدر الفيلم و يراه الجمهور. ما هي الحادثة الشخصية التي قادتك إلى إخراج الفيلم؟ كنت لا أزل طالبا بمعهد السينما حينما جاءتني الفرصة للمشاركة في فيلم عن الإضراب الكبير لعمال المناجم سنة 1947، قلت في نفسي وقتها انه ينبغي منح الصورة لمن لا صوت لهم، و كنت أرى انه لا يمكن منح معنى للصور بخلاف معنى الكفاح، أي الالتزام لنسمح للذين يريدون إسكاتهم بقول ما يريدون التعبير عنه، و قمت بهذا العمل على مدى ستين عاما. كيف كانت مغامرة تصوير الفيلم؟ المساعدة الضئيلة التي منحني إياها المركز الوطني للسينما، و التي سمحت للمؤسسة بالتخلص من تأنيب الضمير، لم تكن تسمح بالتصوير لمدة الشهرين اللذين كانا مبرمجين، قلت للمثلين انه لا يمكنني أن ألقنهم النص، لكنني استطيع فقط ان أضعهم في أجواء مرحلة، و اجعلهم يواجهون وضعيات معينة، و عليهم أن يرتجلوا ردود أفعالهم، و قمنا بالتصوير على الحدود الجزائريةالتونسية، مشاهد الجبال تم تصويرها بسرعة، و في العجلة لم تكن النتيجة مرضية، و فوجئنا بأنه تم اختيار الفيلم للعرض في مهرجان كان. كيف كان استقبالكم؟ كانت لدينا دعوتان، و ذهبنا عشرين شخصا، لك يكن فيلم فوتيي وحده، كان إنتاجا جماعيا، الأجواء كانت احتفالية و لنقص الأماكن أقمنا مخيما، جرى العرض دون مشاكل، و لم نكن ننتظر البتة أن يتم منحنا جائزة. في أحد الأيام جاء عنصران من "الجندرمة" على دراجات نارية و طلبا مني دون أن يشرحا لي سبب مجيئهما أن أدلهما على صاحب المكان، الذي كان صديقي، و الذي أجابهما بأنني رحلت، و أخبرني فيما بعد أنه إذا كانت لدي مشاكل مع قوات الأمن، فمن الأفضل لي أن أغادر مدينة كان. و توجهنا إلى الجزائر، أين كان مقررا ان يتم عرض الفيلم، و هناك علمنا ان الفيلم حصل على الجائزة الكبرى للنقد. كان الدركيان قد أتيا ليخبراني بالنبأ السعيد. الفيلم لم يتعرض للرقابة حين صدوره، لكن كانت هناك عملية تفجير في أحد قاعات العرض بباريس، و كانت عدة عروض له قد أثارت صخبا، كيف عشت تلك الفترة؟ مسيرة الفيلم كانت حقيقة صعبة، و لكن في كل مكان كان أناس يسعون لمنع عرضه، استطعنا أن نخلق رد فعل يجعلنا نكسب المعركة، أعدنا برمجة عرضه في الأماكن التي لم يعرض فيها. و الذين شاركوا في الفيلم واصلوا دعمه حتى النهاية و طوال الوقت، و كنا فخورين بالكفاح دفاعا عن الفيلم. أجرى الحوار في فينيسيا أرنو شوارتز ترجمة عمر شابي