سلطانة تعيش في اسطبل مع الكلاب بأعالي بن زياد تلف جسمها النحيف و بشرتها التي حوّلتها قساوة المناخ إلى شبه جلد فيل، بكيس بلاستيكي، لا يكاد يغطي ركبيتها النحيلتين، بعد أن باتت ترفض كل أنواع الملابس التي يتصدق بها المحسنون عليها. يعتقد كل من يراها لأول مرة أنها امرأة من العصر الحجري، فسكان منطقة عزيبة ببلدية ابن زياد يدعونها باسم «سلطانة»، غير أن الإسم الجميل لا يعكس مأساة هذه العجوز التي يشارف سنها على ال70سنة، لأنها تبيت منذ أكثر من 20سنة بالإسطبلات و تزاحم الكلاب . وجدناها تلتقط الحجر و تعيد رميه، بمنطقة العزيبة الواقعة في الجهة الغربية من ولاية قسنطينة، بشكلها المثير للدهشة، حيث جعلت من كيس بلاستيكي كبير، أبيض اللون فستانا قصيرا لها.عرفنا من السكان بأنها تلبسه صيفا و شتاء، و تفضّله عن عشرات الملابس التي يتصدّق بها بعض المحسنين عليها من حين على آخر. فمنظر و شكل «سلطانة» يثير انتباه كل من سلك الطريق الجبلي بأعالي بلدية ابن زياد، و يتعاطفون معها و يشعرون بالأسى لحالها، خاصة في فصل الشتاء و سقوط الثلوج، فهي دائمة التنقل بين المزارع هناك، فلا الحر و لا البرد يغيّران عاداتها وهوايتها المفضلة في جمع الحصى و تكسير الحجر، فلا أحد ينزعج من تصرفاتها، بل يفتح لها أغلبية السكان أبواب بيوتهم و يتركونها تدخل و تخرج دون إزعاجها أو نهرها، لتأكدهم من اقترابها من أي مكان فهي لطلب الطعام أو القهوة مشروبها المفضل. فراش سلطانة الجميلة ليس من الحرير تتبعنا خطى سلطانة و هي تسير تارة و تجلس القرفصاء أو تنحني تارة أخرى لجمع الحصى، فرأيناها تدخل مزرعة بإحدى المنحدرات، أين أخبرنا أصحاب المكان بمأساة المرأة التي يجهلون قصتها الحقيقية و سبب تشرّدها، و كل ما يعرفونه عنها، أنها كانت تعيش بحي شعبي بقسنطينة، قبل أن تأتي إلى بيت خالتها منذ أكثر من 35سنة، مثلما سردت إحدى السيدات و هي تقدم بعض الطعام لسلطانة التي كانت منهمكة في الأكل في وضعية تبكي الحجر، فقد كانت تلتقط كل لقمة تقع على الأرض، حيث ذكرت هذه السيدة بأن سلطانة كانت تتمتع بجمال فتان، و راحت تصف شعرها الناعم الطويل و جمال عينيها الزرقاويتين:»كبار القرية لا يتذكرون شيئا عن سلطانة سوى أنها كانت جميلة جدا» تسترسل المرأة بنبرة يطبعها التحسر، على ما آلت إليه العجوز بعد تخلي عائلتها عنها. بعض الشباب ممن سألناهم عن سلطانة، قالوا بأن المتداول حولها أنها ضحية زواج فاشل و زوج قاس رماها إلى الشارع لأنها لم تنجب له أطفالا. و روى البعض الآخر بأن زوجها ضربها على رأسها بفخذ كبش خلال عيد الأضحى، فأصيبت بانهيار عصبي ، و لم تكن تشفى من حالتها، حتى تنتكس من جديد إلى أن غادرت بيت أهلها بعد وفاة خالتها و تختار الطبيعة بيتا لها، تقضي صباحها تتجوّل بين الحقول أو تختفي بالغابة، قبل أن تعود لتنام بإحدى الإسطبلات. لا أحد يعرف سن سلطانة الحقيقي، لكن البعض يتذكرون بأنها وصلت إلى المنطقة و عمرها لم يتجاوز الثلاثين سنة، و كانت تتمتع بصوت جميل، لذا كانوا يدعونها لكل الأفراح التي تقام بالمنطقة، أين كانت تغني و ترقص و تقاسم الأهل فرحهم، قبل العودة إلى بيت خالتها أين كانت تعيش حياة هادئة حسب بعض السكان، الذين تذكروا كيف كانت تجيد صنع الأواني الفخارية و بشكل خاص طاجين الخبز التقليدي (كسرة)، لكن حياتها اضطربت بعد وفاة خالتها، فكان الشارع مأواها. قصة «سلطانة» تليق لأن تكون سيناريو لفيلم سينمائي مشوّق، فقد حيك حولها الكثير من القصص الغريبة، حيث ذكرت إحدى السيدات بأنها تدوس على الرماد الساخن دون أن تحترق قدماها، و هو ما وصفته بالمعجزة. النار لا تحرق سلطانة بالإضافة إلى حكاية سلطانة مع الرماد، همست سيدة أخرى و قد ارتسمت على محياها علامات الدهشة، بأن النار لا تحرق سلطانة، ساردة علينا بعض المواقف التي عايشتها شخصيا، خلال أيام الثلج، حيث دخلت سلطانة بيتها لطلب الطعام، و كان الثلج يومها يكسو كل جسدها، و راحت تقترب كثيرا من النار بحثا عن الدفء، فخافت صاحبة البيت من اشتعال الكيس البلاستيكي الذي كانت تلف به كعادتها جسمها النحيف دون أن يغطي يديها و ساقيها، غير أنها تفاجأت من عدم إصابتها بمكروه ، رغم بقائها وقتا طويلا أمام النار. و قالت محدثتنا بأن سلطانة تحب كثيرا شرب القهوة و بإمكانها تناول إبريق كامل في رمش عين. فسلطانة حسب سكان المنطقة تعوّدت على المبيت في الخلاء أو في الإسطبل، و أصبحت تستأنس المواشي و الكلاب، أكثر من الإنسان، و أحيانا كثيرة تغيب عن الأنظار لأيام، ثم تعود لتظهر بين الحقول و المسالك الوعرة. نهشتها الكلاب الضالة فاختفت بالغابة أكد بعض من تحدثنا إليهم عن واقع سلطانة، محاولة بعض المساعدين الاجتماعيين و النفسانيين مساعدتها، لكنهم في كل مرة كانوا يفشلون في إيجادها لاختفائها بالغابة، كلما شعرت بوصول القافلة التضامنية ضمن حملة جمع المشردين التي تبادر إليها مديرية النشاط الاجتماعي بالتنسيق مع مختلف الجهات. و ذكر أحد المواطنين بأنها كانت ضحية كلاب ضالة نهشت جسمها، و كادت تقضي عليها، حيث أصيبت بجروح خطيرة، و خشي السكان عليها من خطر الإصابة بداء الكلب، فأسرعوا للإعلان عن حالتها و طلب تكفل صحي بها، غير أن الفريق الذي تنقل لفحصها ومنحها التطعيم المناسب من خلال حقنها بمضاد داء الكلب، وجد صعوبة في العثور عليها و هي المتعوّدة على التجوّل في كل مكان من الصباح و إلى غاية الليل، حيث كانت تعزل نفسها بالغابة لعدة أيام، و تختفي عن الأنظار، مع مراقبة المكان من بعيد، و حين تشعر بالأمان، تعود لتطلب الطعام، و بعد كر و فر تمكن الأطباء من حقنها بصعوبة، و بقيت سلطانة ترّدد لوقت طويل قائلة بأن الكلاب لم تؤلمها مثلما آلمها الإنسان، حسب بعضهم. و تبقى حياة سلطانة في خطر، خاصة و أنها لا تعاني التشرّد و الجوع و البرد، و إنما تهدد الكلاب و الذئاب حياتها، و حتى السيارات و الشاحنات التي تمر بالمنطقة بسرعة جنونية خاصة في المساء.