شهد الموقف الأمريكي من الاحتجاجات الحاصلة في مصر منذ خمسة أيام تذبذبا واضحا يعكس حيرة الإدارة الأمريكية في اتخاذ رد فعل حازم تجاه الأحداث الخطيرة ، ورغبتها في الحفاظ على مكانتها ومكاسبها هناك، وبدا حسب الكثير من الملاحظين أن أوباما يحاول الإمساك بالعصا من الوسط في انتظار انجلاء الأمور أكثر، خاصة وأن الساعات الأخيرة تعرف تسارعا وتطورا مضطردا في الأحداث، وتحدث البعض عن ضغوط يخضع لها أوباما من طرف اللوبي اليهودي المسيطر على قطاعات هامة في الولاياتالمتحدة والذي يطالب بالحفاظ على نظام مبارك ولو عن طريق تقديم تنازلات تتمثل في إجراء إصلاحات سياسية عميقة، وتبرز في المقابل رغبة الرئيس الأمريكي في إنهاء الحكم الأحادي لمبارك الذي دام لما يفوق 30 سنة وتكريس الديمقراطية في مصر التي تمثل حليفا استراتيجيا لأمريكا في المنطقة العربية . الحيرة الأمريكية بدت جلية من خلال تصريحات المسؤولين السامين على اختلاف مناصبهم منذ انطلاق الأحداث يوم الثلاثاء الماضي، بداية من الناطق باسم البيت الأبيض ومرورا بوزيرة الخارجية ومسؤولين في مجلس الشيوخ ووصولا إلى أوباما نفسه الذي يبدو أنه قد تراجع في أول رد فعل له على الأحداث، عن الخطاب المتشدد الذي حث فيه بيان البيت الأبيض الحكومة المصرية مساء الأربعاء على ضرورة الاستماع لتطلعات الشعب واحترام الحقوق والمبادئ الديمقراطية، وأكد أن عليها الشروع في إجراء إصلاحات في جميع الميادين لتحسين حياة المصريين وتنمية بلادهم، وأكد مساندة حقوق المواطنين في حرية التعبير والتجمع . حيث دعا أوباما نظيره المصري في اتصال هاتفي استغرق ثلاثين دقيقة ليلة أول أمس إلى اتخاذ خطوات "ملموسة" للإصلاح السياسي مع تأكيده على الامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين المعارضين لنظامه، وهي المكالمة التي أعقبها خطاب مبارك في ساعة متأخرة من مساء أول أمس الذي كان ينتظر الجميع أن يعلن قرارات هامة تنزل عند مطالب الشارع المصري، غير أنه فاجأ الجميع بالتزامه بذات اللهجة التي كانت توحي بالدعم الذي تلقاه من أوباما في لحظات حرجة كانت ستؤدي إلى سقوط حكمه، حيث اكتفى بالإعلان عن إقالة الحكومة والتعهد بخطوات جديدة في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، متجاهلا بذلك المطالبات بتنحيه عن الحكم. واستطرد أوباما أن الشعب المصري لديه حقوق يتشارك بها الجميع بما فيها الحق في التجمع سلميا وفي حرية التعبير وإمكانية تقرير المصير، وأكد أنه طلب من مبارك أن يفي بالتعهدات التي قطعها في خطابه للمصريين الجمعة، وأكد " قلت له أن لديه مسؤولية إعطاء معنى لهذه الكلمات وأن عليه اتخاذ خطوات ملموسة للإيفاء بتعهداته"، وقبل ذلك كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون دعت الحكومة المصرية إلى السماح بالتظاهرات السلمية والعودة عن الخطوة غير المسبوقة التي اتخذتها بقطع خطوط الاتصالات، كما طالبتها بالبدء فورا بإصلاحات، وهو ما يبيّن تمسك الجانب الأمريكي بالنظام المصري القائم في ظل الخوف من تصاعد مد الإسلاميين وخاصة حركة الإخوان المسلمين التي يتهمهما مبارك بإثارة الشارع واستغلال الأحداث لتحقيق مكاسب سياسية. ومن جهة أخرى صرح مسؤول أمريكي أن واشنطن قد تعيد النظر في سياستها بشأن المساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات التي تقدمها إلى مصر في ضوء ما سيحصل في الأيام المقبلة، وهي المساعدات التي بلغت العام الماضي فقط أكثر من 1.5 مليار دولار. وفي هذا السياق دعا المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي واشنطن بأن توضح موقفها إزاء التطورات الجارية في بلاده إما بالانحياز للشعب أو للنظام، منتقداً تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون التي اعتبرت أن الوضع في مصر مستقر، وأكد أن الاستقرار الذي تحدثت عنه "زائف". ويأتي ذلك في ظل كلام بعض المحللين في واشنطن عن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة العربية، وتركها فراغا استغلته أطراف أخرى مثل تركيا وقطر والعربية السعودية، وأكد هؤلاء أن ما أعقب أحداث 11 سبتمبر 2001 من غزو للعراق وأفغانستان قد ساهم في دفع المد الإيراني في المنطقة، هذا التراجع في الدور الأمريكي يظهر أكثر كما يؤكده المحللون في ظل الوعود والتغييرات التي وعد أوباما بإدخالها على سياسة بلاده بعد انتخابه رئيسا ولم يحقق أيا منها.