النخب الثقافية في الجزائر بعيدة كل البعد عن جوهر المسرح اعتبر المخرج والممثل عبد القادر جريو بأن بعض الأفلام الثورية التي تم إنتاجها في السنوات الأخيرة تسيء للثورة التحريرية، فقرر عدم المشاركة فيها مجددا ،و ينوي حاليا التوجه إلى السينما التي تهتم بالجمهور الجزائري وتخاطبه، حيث يعمل حاليا ضمن مشروع السينما المستقلة بعد مشاركته في بطولة في فيلم "الجزائر للأبد". حاوره: حمزة دايلي عبد القادر جريو الذي التقته النصر بقسنطينة على هامش العرض الشرفي للمسرحية التي قام بإخراجها والتي تحمل عنوان "مشروع الخط الأصفر" من إنتاج مسرح سيدي بلعباس، تحدث عن مشاكل المسرح الجزائري وعن تصوراته للمسرح التي يحاول نقلها للجمهور من خلال أعماله ضمن الفن الرابع. النصر: آخر أعمالك المسرحية "مشروع الخط الأصفر" حدثنا عن هذا العمل الجديد عبد القادر جريو : مسرحية "مشروع الخط الأصفر" عن فكرة أتى بها المخرج المصري انتصار عبد الفتاح وهو مصمم العرض و مختص في المسرح البولوفيني ، تقوم فكرة المسرحية حول مجموعة من الناس يحاولون تخطي الخط الأصفر،هذا الخط الذي نجده في المطارات و يرمز لحدود الدول، سيحاول التعبير في المسرحية عن الشخصيات التي تحاول أن تعبر حدودا ما ، حيث تختلف شخصية عن أخرى بشكل كبير. هناك عدم ثقة فيما ينتجه الجزائري ويبدعه الجزائري العمل على المسرحية كان من خلال الدخول في ورشة مسرحية مفتوحة على الاقتراحات و النقاشات، حيث استطاع كل ممثل من مسرح سيدي بلعباس أن يعطي رأيه في الدور و الشخصية التي سيؤديها، فطبيعة العمل فرضت التعامل مع ممثلين محترفين . تدور المسرحية حول شخصيات مختلفة تنتظر في المطار و تتأخر عن الرحلة ، فتبدأ كل شخصية في سرد حكايتها من خلال حملها للحقيبة. . التكوين المسرحي مهم للمسرحيين لكن بالرغم من تنظيم دورات تكوينية للمثلين لم ينعكس ذلك على نوعية العروض المسرحية بشكل عام لماذا في رأيك ؟ في الجزائر لاحظت شخصيا بأن من هب ودب أصبح يكون في المسرح، رغم عدم قدرة هؤلاء المكونين على التكوين المسرحي ، فنحن لسنا محتاجين لأناس يكونونا من خلال ورشات، فهذا عمل معاهد التكوين المسرحي .من خلال الورشة مثلا التي فتحناها للمسرحية مع المخرج المسرحي المصري قمنا بعمل متبادل مع المخرج المصري حيث استفاد من عملنا ورؤانا المسرحية، خاصة وأنه شاهد عديد من الأعمال المسرحية التي انتجها مسرح سيدي بلعباس مثل مسرحية "غبرة لفهامة" لقد اشتغلنا لمدة أسبوع من خلال الاستماع لاقتراحات الممثلين حول الشخصيات التي سيؤدونها ،وكيف لكل شخصية أن تعبر عن أسرارها من خلال حقيبة . و أخذ الكاتب احميدة العياشي الاقتراحات ،وصاغها ضمن نص مسرحي واحد مستوحى من عمل الورشة التي جمعت الممثلين والمخرج ،و اشتغلت أنا كمخرج منفذ . سنخاطب في عملنا المسرحي الجديد عواطف الجمهور ونتجنب مخاطبة العقول. لماذا لا يتم تكوين الجزائريين في المسرح من قبل من ساهموا بشكل كبير في تطوير المسرح الجزائري ؟حسب ما قلته نحن نحتاج لعمل ورشات احترافية وليس لقاءات استعراضية لماذا نعيش خلل ما في المسرح الجزائري؟ في الجزائر هناك عدم ثقة في ما ينتجه الجزائري وما يبدعه الجزائري، وهو ما جعل الآخرين يهينوننا من خلال إعلامهم وحتى في حديثهم عن إبداعاتنا، لذلك أحاول من خلال أعمالي في المسرح والسينما أن أدحض هذه العقدة من خلال الوثوق في فريق العمل الجزائري الذي أتعامل معه وأتجنب المازوشية التي أصبحت لدى الفنان الجزائري أمام الفنانين من جنسيات أخرى ،لذلك فإن عملي على مستوى السينما والمسرح هو عمل لإثبات الذات الجزائرية و قدرتها على المنافسة و الإقناع الفني. المسرح الذي يهتم بالسفر والإنتظار كانت له ارهاصات في مسرحيات جزائرية عديدة لكن التجربة لم تكتمل لماذا عدتم لهذه النوعية من المسارح؟ حين نتحدث عن السفر كمفهوم فهو مرتبط بالانتظار الذي اشتغل عليه المسرح العبثي كثيرا ، الانتظار كحالة نفسية نعيشها يوميا ،فالمسرح الجزائري معروف بأعمال مسرحية عبثية مثل التي اشتغل عليها علولة وكاتب ياسين، رغم أنني أميل لمسرح آخر وهو المسرح الشعبي الذي يعطي فكرة عميقة لكنها موجهة لجميع الناس أو ما يطلق عليه اسم المسرح النخبوي للجميع ،فأنا دائما أقول بأن النخبة لا تأتي للمسرح بل الجمهور هو الذي يأتي للمسرح. لماذا هذا الرأي أليس المسرح فنا نخبويا بالدرجة الأولى ولا يمكن لجميع الناس فهمه ويكاد يكون موجه للنخبة ؟ إذا افترضنا أن هناك نخبة ثقافية في الجزائر هي نخبة لديها اهتمامات أخرى و لديها مصالحها ودورها داخل المجتمع ، فهي لا تأتي لمشاهدة المسرح ،لذلك فأنا أتوجه بأعمالي إلى الجمهور الذي يمكن أن نخاطبه من خلال عمل مسرحي. النخبة لديها أنا متضخمة تطلب من المسرح أشياء غير معقولة، و تحاول توعية الشعب من خلال المسرح وهذا خطأ، لأنه لا أحد يملك الوصاية على أذواق هذا الشعب ، لذلك فالنخب الثقافية بعيدة كل البعد عن جوهر المسرح في الجزائر ولهذا فأنا أؤمن من خلال أعمالي المسرحية بعبقرية الجمهور. يبقى هذا الجمهور هو الذي يؤرق المسرحيين لقد انصرف عن المسرح ولم يعد يهتم به لماذا ؟ على المسرحيين أن ينتبهوا للحلقة المفقودة في المسرح الجزائري وهي الجمهور الغائب عن العروض ، حيث تطرح الأسئلة والاستفسارات حول الأعمال الفنية التي جعلت هذا الجمهور ينفر من المسرح ،وعن مدى نجاعة التسويق الفني في بلادنا . استغرب حقا أن تكون تظاهرة بحجم قسنطينة عامصة الثقافة العربية ولا ينجذب الأطفال للمسرح .إن استقطاب هذه الشريحة هو الذي سيضمن استمرار مسرح جزائري. هناك جمعية تنشط في مسرح الطفل وتقدم عروضا مقبولة.. هذه هي المشكلة فمسرح الطفل موكل لجمعيات هاوية لم تستطع أن تصل لتطور ذهنية الطفل الجزائري الذي يستعمل الكومبيوتر و شاهد هاري بوتر ولديه خيال يفوق المواضيع التي تتطرق إليها هذه الجمعيات الهاوية. علينا أن نكون مسرحا احترافيا للطفل ، وليس إسناده للهواة الذين ساهموا في جعل الطفل الجزئري يملك صورة غير جيدة عن المسرح. هناك جولات للمسارح المحترفة في كامل التراب الوطني لكن هذا لم يقدم إضافة تذكر في الحركة المسرحية في الجزائر لما ذلك ؟ الجولات الفنية التي تقوم بها المسارح بالشكل الحالي هي تبذير للمال العام حيث تقدم عروضا دون جمهور إذ أن من تقاليد الجولات الفنية أن تقنع المسرحية جمهورها في العرض الشرفي ،حيث تكون قد أحدثت ضجة وإثارة إعلامية من خلال كتابات الصحف و ما تنشره وسائل الإعلام المختلفة عنها .حينها سيتلهف الجمهور لمشاهدتها في ولايات أخرى وهذا غير موجود تماما ،لكننا نلاحظ تنظيم 30 جولة فنية لمسرحية لم يملأ الجمهور قاعة مسرحها الجهوي، وهذا خطأ جسيم. لقد أصبحنا نقدم عروضا مسرحية لأصحاب المسرح فقط.هذا أمر غير مقبول لأن المسرحيين وإداريي المسرح لا يهمونني بقدر ما يهمني الجمهور الذي سيشاهد العرض .أستغرب مثلا في قسنطينة كيف لعدد كبير من الناس الذي تعج به وسط مدينة قسنطينة ألا يقدم جزء منه لمشاهدة العروض المسرحية. في أعمالك المسرحية توظف التراث الموسيقي الجزائري بشكل كبير، وكاننا نشاهد مسرحيات تحاول أن تنتصر لبعض الأسماء الفنية وتعيد لها الاعتبار مثل الشيخة الجنية والشيخة الريميتي ،هل هذا توجه تحاول تجسيده في المسرح الجزائري؟ أنا لدي مشروع فني و أقوم بتجارب جديدة وأرى مفعولها على الجمهور. إن موسيقى الراي فرضت نفسها ولديها جمهورها و قد حاولت الاستفادة من قدرة أغنية الراي على جذب الاهتمام و المواضيع التي تثيرها هذه الأغاني وقمت بتجريبها فوق الخشبة حيث تحاكي المواضيع المسرحية .مع الأخذ بعين الاعتبار تغير ميول الجمهور وظهور جيل غير ذلك الجيل الذي كان له الصبر على مشاهدة مسرحية تزيد مدتها عن الثلاث ساعات. لا يحق لاحد مصادرة حرية المسرح وكاتب ياسين كان أكثر جرأة من المخرج يجب أن يتساءل حول مجتمعه و ميولاته ورغباته قبل القيام بأي مسرحية، فالراي رغم أنه يشهد حالة من التدهور على مستوى الكلمات ونوعية الموسيقى، لكن رغم ذلك بقي الجمهور وفيا لهذا النوع من الموسيقى، لأنه بكل بساطة يتحدث عن المشاكل اليومية والممنوعات التي لا تحكى في طبوع موسيقية أخرى.أنا لدي مشروع فني يقوم على مخاطبة الجمهور باللغة التي يفهمونها وأتطرق لمشاكلهم التي يريدون مناقشتها. تقدم عروضا مسرحية تفسر من قبل البعض بأنها جريئة ولا تحاول نسف قيم المجتمع ،مثلما حول الحال في مسرحية "صواعد" التي أثارت جدلا كبيرا وتناولت حياة امرأة تحب ثلاثة رجال في نفس الوقت. الذي شاهد مسرحيات كاتب ياسين في وقت الحزب الواحد، يدرك بأن مسرحياتي ليست جريئة مقارنة بالجرأة التي كان يتميز بها المسرح الجزائري . نحن على العموم تراجعنا من ناحية الجرأة في المسرح و توجهنا إلى قضايا تلمس جوهر المجتمع. في وقت الحزب الواحد أعطي لكاتب ياسين مسرح سيدي بلعباس ليستمر في مشروعه المسرحي والمسرح شارك في الحركة الثورية ، أما نحن اليوم فلا يحق لأحد أن يصادر الحرية في المسرح لأنني أعمل من أجل استمرار تقاليد مسرحية، وأنا أعمل في الجزائر وأتوجه بأعمالي للجمهور الجزائري. لأنني أقبل كل التجارب المسرحية ولا أسمح لنفسي بأن أصادر حرية الإبداع لدى الآخرين. مثلت في أفلام كثيرة ،اشتغلت مع موسى حداد في فيلم "حراقة بلوز" ومثلت في فيلم "زبانة" كان لدي اهتمام كبير بالسينما ،وكانت لدي تجارب فيها لأنتقل بعدها إلى المسلسلات التلفزيونية ،حيث مثلث في مسلسل "دموع القلب" و المسلسل التاريخي "عيسات إيدير". بعد ذلك قررت عدم المشاركة في المسلسلات و الأفلام الثورية لأننا نسيء بطريقة غير مباشرة لثورتنا بهذه الأفلام، فأنا لا أقاطع من أجل المقاطعة. أنا أرغب في أن أتوجه لمشروع سينمائي يقدم قضايا تهم جمهورنا اليوم مثلما كانت تجربتي مع الفيلم الأخير "الجزائر للأبد" و الذي لم نتلق أي دعم مالي من أجل تجسيده ، لكننا صممنا على إنتاجه ولاقى نجاحا كبيرا أثناء عرضه في قاعة ابن زيدون، حيث اعتمد على الأكشن وتم رفع العلم الجزائري في الأخير بعد انتصار البطل ،وهو بمثابة محاولة خلق أبطال جزائريين كموديل يتأثر بهم الجزائري من خلال السينما.