عجزت السينما الجزائرية عن إنتاج أفلام ناجحة، رغم الإمكانيات التي وفرّتها الدولة لإعادة بعث هذا القطاع من ميزانيات ضخمة، سواء لصناعة الأفلام أو لتنظيم مهرجانات سينمائية عديدة، تجاوزت ستة مهرجانات في السنة الواحدة، غير أن الحال في نظر العديد من المختصين لا يزال على حاله، بل ازداد سوء، لأسباب و عوامل كثيرة تحدث عن بعضها للنصر، عدد من السينمائيين الذين حضروا الملتقى الدولي للسينما الذي احتضنته قسنطينة في اليومين الماضيين. المخرج بلقاسم حجاج: فوضى توزيع الميزانيات و إشراك المتطفلين من أهم الأسباب جودة الفيلم رهان و إنجاز يطمح إليه كل منتج أو مخرج، يهتم بالإبداع، و ليس كما هو الحال عندنا، حيث يبقى تجسيد فيلم على أرض الواقع حلما صعب المنال. و المشكلة أن كل المبادرات الساعية لأجل إعادة بعث السينما بالجزائر، لم تتم على أسس مدروسة، و لا زالت تعمها الفوضى، خاصة في ما يخص توزيع ميزانيات الانتاج، على متطفلين لا تربطهم علاقة بعالم الإبداع السينمائي. إذا أردنا بعث السينما فعلا، فلابد من وضع أسس و ركائز متينة و ميكانيزمات، تقوم على فرض شروط الاحترافية العالية، و الابتعاد عن سياسة الاشتراكية و منطق توزيع الريع، التي ساهمت في ظهور متطفلين على الميدان، همهم الوحيد جني المال على حساب السينما. و من خلال محاربة هذه المظاهر السلبية، و رفع التكوين في مجال كتابة السيناريو و الأمور التقنية و غرس روح المنافسة بين صناع السينما، سيرتقي المستوى بطريقة تلقائية. كما يجب التشديد على ضرورة مراقبة الجهة المموّلة لكل مراحل صناعة الفيلم، بداية بلجنة القراءة التي لا يمكن إغفال دورها كمحطة أولى و أساسية في هذه الصناعة، إلى جانب منح و فرض بطاقات مهنية للتخلص من ظاهرة توزيع ميزانية الفيلم على الأهل و المحيط القريب من المخرج، بدل الاستعانة بمحترفين و منح فرص العمل لمن يستحقونها. نقطة أخرى لابد من الإشارة إليها، و هي ضرورة فتح المجال أمام السينمائيين الأجانب الراغبين في تصوير أعمالهم بالجزائر، لما تتمتع به من مناظر خلابة و فضاءات مغرية، لكن مع إشراك الكفاءات الجزائرية التي ستتمكن من تطوير نفسها من خلال الاحتكاك بالمحترفين و تبادل الخبرات من جهة، و فرض المنافسة من جهة أخرى. شهريار بوالبراد منتج و مخرج: الأسباب واضحة لكننا نرفض رؤيتها الأسباب واضحة لكننا نرفض رؤيتها، فنحن لم نتمكن حتى اليوم من وضع الأمور في نصابها لتجاوز مشاكل وهمية كان بالإمكان تجاوزها منذ سنين طويلة. الشيء الذي جعلنا ندور في حلقة مفرغة، نتخبط عشوائيا، سواء على مستوى الممارسة بطريقة تعمها الفوضى، لغياب الأطر القانونية و كذا الوضعية غير الواضحة للمركز الوطني للسينما و السمعي البصري و المركز الجزائري لتطوير السينما و الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي. صناعة السينما ليست مستحيلة و لا بالصعوبة التي باتت عليها في بلادنا، بل ممكنة و سهلة إذا تم وضع الحلول الجادة و الدائمة، بدءا بفتح قاعات العرض، بالقرب من فضاءات الترفيه و المجمعات و المراكز التجارية الضخمة. المشكلة تكمن أيضا، في المنتجين أنفسهم الذين لا يحركون ساكنا لتغيير واقعهم المر و يفضلون الصمت و الرضا بما يملى عليهم من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالمجال، مما جعل الأمور تسوء أكثر فأكثر، ناهيك عن نقص التقنيين المؤهلين و عوامل أخرى كثيرة منها تأخر المركز الجزائري لتطوير السينما في شراء أجهزة البث الحديثة و الجديدة لمساعدة المنتجين و المخرجين على عرض أعمالهم و ليتمكنوا من تقييم جهودهم و أعمالهم إن كانت ناجحة أو فاشلة من خلال رد فعل الجمهور و النقاد و الإعلام. يحيى مزاحم مخرج و منتج: معيار قياس النجاح شبه غائب للإجابة على السؤال، لابد من تحديد مقاييس الفيلم الناجح، لأن أول معيار لقياس النجاح شبه منعدم لدينا و هو الجمهور و النقاد السينمائيين، فبغياب هذين العاملين المهمين و المعمول بهما في كل دول العالم، لا يمكننا التقييم صراحة، لأن كل ما سيقال قد يعتبر تصفية حسابات بين مخرجين أو منتجين و حتى بين فنانين، غير أنه لابد من الاعتراف بأن المستوى الذي ظهرت عليه جل الأعمال السينمائية الجزائرية، لا يبعث على التفاؤل، مقارنة بالإنتاج العربي و الأجنبي، و أظن أن سبب عدم نجاح صناع السينما في بلادنا يعود لعدم تجاوز و تخلص السينمائيين أنفسهم من حاجز المراقبة الذاتية، حيث لا يزال الكثيرون يواصلون عزل أنفسهم دون التفتح على الآخر، مما يجعل أعمالنا تبدو و كأنها حبيسة حقبة معيّنة، تجاوزها الزمن. سليم عقار ناقد سينمائي و رئيس جمعية "لنا الشاشات": علينا تطبيق السياسة المعمول بها في كرة القدم الأفلام الجزائرية موجودة بالمهرجانات الدولية أكثر من غيرها من البلدان العربية، حتى و لو كان ذلك بأفلام ذات إنتاج مشترك، لكن المشكلة عندنا تبقى في الإنتاج المحلي الذي يبقى دون بصمة دولية. ما تشهده السينما الجزائرية، نفسه ما يجري حاليا في كرة القدم، لذا لابد من استغلال أسماء المخرجين الجزائريين اللامعين في الخارج، لأنهم قادرون على تسويق صورة الجزائر و الجزائري لمهرجانات دولية و الأمثلة كثيرة كإلياس بن سالم و رشيد بوشارب و غيرهم كثيرين، لتجاوز المشاكل التي تسجلها السوق الداخلية للسينما و على رأسها نقص قاعات العرض التي تحول دون التمكن من تقييم الانتاج المحلي و مدى توّفره على عناصر التفوّق، كما أن الدولة تمنح المال للمنتجين لصناعة أفلام تبقى حبيسة الأدراج و لا تخرج إلى العالم، لا لشيء سوى لأنهم لم يفكروا في الجانب التجاري. العالم يعتمد على ثلاثة أنواع من السينما هي التجارية و المموّلة من قبل الدولة و سينما المؤلف، غير أننا نحن لم نخرج من قالب السينما التي تموّلها الدولة و التي لا توجد مساع و لا متابعة لدعم عرضها بالخارج و بالمهرجانات الدولية، رغم الأموال الهائلة التي صرفت عليها.كما يجب الخروج من القالب الثوري و التوجه نحو القالب الإنساني، إذا أردنا فعلا مواكبة العالم و فرض أنفسنا بين صناع السينما العالميين، و قد رأينا ما حققه فيلم "البئر" للطفي بوشوشي الذي نال 4 جوائز بمهرجان الإسكندرية، لأنه ركز أكثر و بطريقة موّفقة على الجانب الإنساني.