عبد الحميد بن هدوقة يعود عبر المسرح برؤية شبابية فضحت أول أمس مسرحية "رقصة الهاوية" الطرق التي تعبث بها الأيادي الخارجية بأمن الأوطان، كما أعادت الاعتبار لشخصية القوال الشعبية التي تسرد تاريخ و قصص القرى الجزائرية وروت ملامح شعب و نضاله، ضمن عرضها الشرفي بالمسرح الجهوي بقسنطينة و يعتبر آخر عرض درامي ضمن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية. هذا العمل الذي أنتجه المسرح الجهوي لسكيكدة، مقتبس من رواية "الجازية والدراويش" للروائي الراحل بن هدوقة، و قام بإخراجه فوزي بن إبراهيم عن نص لعبد الرزاق بوكبة و تكفل بمعالجته دراميا فتحي كافي. في حين تقمصت الشخصيات ممثلون شباب، على غرار رمزي قجة، علي ناموس وغيرهما من الوجوه المسرحية السكيكدية. المسرحية بدأت بمحاولة الحارس البلدي «الشامبيط» إقامة رادارات في قرية «السبعة» بإيعاز من شريك أجنبي، ويسعى في نفس الوقت للظفر بقلب جازية، ابنة الشهيد الذي يعتبر رمز القرية، فيحيك الدسائس ويقتل أحد أعيان القرية متهما حبيب الجازية بذلك، فتقع الخلافات و تترسخ الأحقاد و يتفرق شمل العائلات، بعد أن وقعت الفتنة و ساد الكره في أرجاء المنطقة. و سرعان ما ينقذ قوال القرية الموقف، و يفشل مخططات الشامبيط، عبر تذكير الجميع بقصص الأجداد و وصياهم بالحفاظ على القرية و حمايتها من الأعداء، فيفتضح أمر الشامبيط و يهرب من القرية، لكن الشريك الأجنبي يستمر في محاولاته و يضع رادارات في قرية قريبة من قرية السبعة. الجازية التي ترمز للجزائر في كل أحداث المسرحية، حاولت كل شخصيات القرية البرهنة على حبها له، كل على طريقته الخاصة، فرغم الاختلافات الظاهرة بينهم، إلا أنهم يتفقون على صون القرية و الحفاظ على الجازية، ابنة الشهيد التي ترمز للتاريخ والوطن والإخلاص. ديكور المسرحية كان بسيطا، وهو عبارة عن طريق مرتفع و قد استعمل المخرج تقنيات الإضاءة و السينوغرافيا لكي تتماشى مع أحداث العرض، فيما كانت الحوارات مليئة بالشعر العامي والفصيح، حيث قرأ الطيب أروع القصائد في حب الجازية، مما جعل الجمهور يصفق لمشاهد الحب والرومانسية التي ظهرت بشكل احترافي في العمل المسرحي. المسرحية تظهر أهل القرية وهم متفقون على الحفاظ على الجازية و حمايتها من الأيادي الخارجية و تبرز المقولات و الأمثال المعروفة في القرى الجزائرية التي تعبر عن التحدي والإصرار في خطابات الشخصيات التي تمكنت من تقمص روح القرية. المخرج فوزي بن إبراهيم اعتبر بأن العرض هو احتفاء بالأديب عبد الحميد بن هدوقة، عبر الرجوع إلى أجواء القرية الجزائرية المليئة بالحكايات والقصص مع محاولة إعادة الاعتبار من خلال المسرح، لشخصية القوال المعروفة في الثقافة الجزائرية، حيث حضرت عناصر التحديث على مستوى الرواية التي كتبها عبد الحميد بن هدوقة وإسقاط أفكار النص الأدبي على المسرح، عبر تناول القضايا الراهنة، حيث مزج بين العصري والموروث. المخرج الشاب أثنى على العودة للنصوص الأدبية الجزائرية ، واعتبره تصرفا ذكيا من قبل رجال المسرح، لكنه حث على أن تكون عمليات الاقتباس فيها الفعل الدرامي، من أجل نقل روح النص الأدبي إلى المسرح دون تشويه العمل الأصلي.