يستعيد برنار هنري ليفي صفة الخبير بمناسبة الحرب الجارية في ليبيا ويرد على القائلين بغرق الناتو في المستنقع الليبي في صورة كلود لانزمان بسخرية العارف بالواقع الميداني، حيث كتب في عدد اليوم من جريدة لوموند (المقال نشر على النسخة الالكترونية أمس) مرافعة في جدوى التدخل تلمسها من خنادق القتال في بنغازي لأن كل الضربات كانت تفتح طريق الثوار ولم تكن الضربة التي أصابت دبابات المحتجين سوى خطأ يجري التحقيق الجدي فيه. و يبرهن على دقة العمليات بالقول أنه وقف على أن كل دولة في التحالف متحكمة تماما في القصف الذي يصيب أهدافه المطلوبة من الليبيين. ويشرح ميكانيكا الحرب التي تبدأ بقصف الأهداف كما يحددها الثوار ثم فتح الطريق أمامهم في الهجوم. و بالطبع سيرصد الفيلسوف الإنساني ونبي الحرية عمليات التدريب التي يقوم بها شباب هواة و حتى بعض العائدين من المهجر كحال بائع الهواتف النقالة الذي جاء من استراليا خصيصا لتحرير ليبيا. وليست هذه المرة الأولى التي يدخل فيها الفيلسوف الفرنسي الحروب فقد كان الشاهد على حرب البوسنة بفيلم وكتابات بل وكان رسول فرانسوا ميتيران إلى هذه المنطقة المتفجرة قبل أن يكتشف أفغانستان ويدعي صداقة كاذبة لشاه مسعود، وقبل أن يلفق تحقيقا خياليا عن مقتل الصحفي الأمريكي دانيال بارل في باكستان. و عاد ليفي إلى الواجهة في أزمة السودان حيث كان الشاهد السعيد على تقسيم أكبر بلد عربي وحاول اختراق ميدان التحرير في القاهرة لكن صوته لم يصل وهاهو الآن يمرح في بنغازي بعدما تقاطعت نداءاته بالتدخل مع رغبات غربية بالسيطرة على إحدى أهم مصادر الطاقة. لا يحتاج ليفي إلى هجاء أو فضح فقد جرى فضحه عشرات المرات، لكن ظاهرته ظلت تتكرّر خصوصا في العالم الإسلامي الذي يستهدفه بنزعته الإنسانية التي تستثني الفلسطينيين في كل مرة، لأن إسرائيل هي الضحية في رأي الفيلسوف الذي كان يرى في قتل أطفال غزة دفاعا مشروعا على النفس. نعم، لقد أفقد التدخل الغربي الثورة الليبية وجاهتها، ويخطئ "الثوار" كثيرا حين يعولوا على ساركو وليفي.