في ظل زخم إعلامي متعدد الوسائط؛ التقليدية والجديدة لم يعد الإعلام يكرس لعولمة الاقتصاد وحقوق الإنسان وحرياته فحسب؛ بل امتد لعولمة ما كان منضويا عبر قرون ضمن الخصوصيات؛ على غرار الأديان والمذاهب والعادات؛ وفي مجتمع إسلامي متفاعل مع باقي المجتمعات يجد المسلم نفسه هو الآخر معولما ضمن شبكة معلوماتية تحكمها وسائل إعلام تخترق يومياته من الفضائيات إلى الأنترنت؛ فلم يعد ثمة مناص من التعاطي معها سلبا أو إيجابا. إعداد: د .عبد الرحمان خلفة ولعل أبرز مظهر لذلك قضية الفتوى، التي ظلت إلى عقد قريب شأنا خاصا بين المفتي والمستفتي في زاوية من زوايا المسجد أو محراب من محاريبه؛ قبل أن تتسع في المكان لتأخذ حيزها في فضاءات الإعلام ومواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي، حيث أضحت مكالمة هاتفية أو رسالة نصية كافية لاختراق الآفاق والجهر بالاستفتاء العابر للحدود والقارات، على مرأى ومسمع من العالم أجمع يتلقفها شيوخ لا يتوانى معظمهم في الرد والإجابة دون أن يكلف نفسه عناء رد مستفتيه لأقرب مفت في حيه أو بلده؛ حيث يراعي أعرافه وعاداته على اعتبار أن الفتوى ليست حكما عاما أو قاعدة مطردة؛ بل هي قضية خاصة تتغير بتغير الأشخاص والأحوال والعادات. قد يرى البعض في هذا المستوى العلني ضربا من التعارف الإسلامي والوحدة وتبادل الآراء والرؤى؛ لكن ذلك صحيح لو اقتصر على صالونات المجامع الفقهيه التي يلتئم فيها كبار فقهاء العصر ليتداولوا في أخطر النوازل الفقهية ويبثوا فيها بفتوى جماعية، أما عولمة الشأن الخاص ونشره على الملأ وتجاوز الإطار المحلي في الاستفتاء فلن يكون إلا مدخلا خطيرا للتشويش المذهبي والاختراق العقدي، من حيث إن المفتي الفضائي لا يراعي عرف المستفتي ولا مذهبه؛ بل كثيرا ما يفتي وفق مذهبه هو ومرجعيته العقدية، ومع توالي الأوقات يفقد المستفتين الثقة في المفتي المحلي فيخلو الجو للوافد الذي يكون له أنصار ومريدون يبشرون بمذهبه وينشرون فتاواه. ولعل الشعب الجزائري من أكثر الشعوب تعرضا لحملات فتاوى الفضائيات لعوامل تاريخية واجتماعية وهو ما يهدد نسيجه الاجتماعي ومرجعيته ويهدد أجياله الجديدة بالتجنيد لأغراض أخرى غير مصلحة الدين والوطن؛ لاسيما وأن الفتاوى لم تعد محتكرة من قبل المراكز التقليدية على غرار الأزهر والزيتونة بل أضحى لها عشرات آلاف المراكز والمواقع الالكترونية والأشخاص في القارات الخمس ولكل مركز أو شخص مرجعيته المذهبية والسياسية والتمويلية ! مما يستدعي تسطير برنامج وطني لملء الفراغ الديني والثقافي الذي تتمدد فيه فتاوى الفضائيات وتتسلل في بنى اجتماعية لما تجد لها طريقا بعد نحو خصوصيتها الحضارية التي تعكس هويتها. ع/خ فوضى الفتاوى عبر الفضائيات خلخلت المعارف الشرعية الصحيحة إن الحاجة للسؤال عن الأحكام الشرعية تعد من أمس الحاجات، بل تبلغ مبلغ الضرورات، ومع رغبة الناس في الاتصال بالعلماء بأي طريق يوصلهم لمعرفة أحكام الشريعة في وقائعهم، وبفضل ثورة الاتصالات الحديثة، ومنها الإعلام الفضائي، تيسّر وصول الفتاوى إلى الناس دون عناء، إلا أنها ومع تعددها وتزاحم المفتين عليها الذين تصدروا للإفتاء دون تأهيل، أسهمت في التجاسر على الشرع بتلك الفتاوى الغريبة والشاذة، والمتباينة بين التشدد والتساهل، والبعد عن المرجعية الفقهية المعتمدة، مما نتج عنه إثارة اللبس والحيرة لدى الناس، وخلخلة في معارفهم الشرعية الصحيحة، حيث باتت هذه الفتاوى تشكل ظاهرة غير صحية سميت بفوضى الفتاوى، التي تزايدت تزايدا ملفتا للنظر، ومقلقا لدرجة صار لزاما إيقاف نزيفها ووضع حد لجريان سيلها. ومما لا شك فيه أن الوسائل الإعلامية المعاصرة سلاح ذو حدين، حيث يمكن استعمالها في الخير والشر، في نشر العلم الصحيح والدعوة إلى الله، كما يمكن استعمالها في التضليل والدعوة إلى الظلم والاستبداد، أو تكريس الباطل والجهل والتخلف، ناهيك عن إحداث الفتن والبلبلة لدى الناس، وزعزعة أمنهم الفكري والاجتماعي، ولذلك إذا ترك الحبل على الغارب ولم تضبط هذه الفتاوى المنتشرة عبر الفضائيات، ولم يوقف نزيف الفوضى فيها، فإن إثمها سيكون أكبر من نفعها، ومفاسدها تصبح أكثر من مصالحها ، ومن ذلك تلك الفتاوى التي تحرم قيادة المرأة للسيارة في بعض البلدان،بينما يسمح لها ركوبها مع سائق أجنبي، وفتوى عدم تقييد تعدد الزوجات، ونقل الحج والعمرة إلى سيناء بدل مكة، لقدسية الوادي المقدس طوى، ولما يدره ذلك على الدولة من عوائد مالية تقضي على الفقر، أو القول بجواز إرضاع الكبير منعا للخلوة المحرمة، على أن يوثق هذا الإرضاع كتابة ورسميا، وغيرها من الفتاوى الغريبة، مما أدى بالباحثين في مختلف المؤتمرات والمجمعات الفقهية في العالم الإسلامي، لوضع ضوابط شرعية للفتوى عبر الفضائيات، وإجراءات تحد من ظاهرة الفوضى فيها، كتشكيل هيئة للفتوى الجماعية من ذوي الاختصاص، أو مجمع فقهي للفتوى في كل بلد، تسند لهم مهمة الإفتاء الرسمي في الفضائيات، وفق المرجعية المذهبية وبعيدا عن الغلو أو التسيب . لابد من تضافر جهود الجميع لضبط فوضى الفتاوى انتشرت برامج الفتوى بشكل واسع على الفضائيات، وقد ظهر أن لها آثارا إيجابية، منها: توضيح الحكم الشرعي فيما يواجهه الناس من قضايا، ونشر الوعي الديني بين الناس، وحل مشاكلهم وإرشادهم، والتأثير في سلوكهم، ونشر ثقافة الاختلاف واحترام الرأي المخالف والاعتراف بالمذاهب الفقهية، وتعزز رجوع العامة إلى العلماء في أمور دينهم ودنياهم، لكنها لا تخلو من بعض الآثار السلبية منها: فوضى الإفتاء والتضارب بين فتاوى المفتين، وإضعاف الوحدة المذهبية، وإضعاف الثقة في المفتي المحلي، والوقوع تحت ضغط السلطة السياسية أو الإعلامية أو ضغط المشاهدين، ولتجاوز هذه الآثار نقترح: أن تتوفر في المفتي شروط أساسية منها: التأهيل العلمي، وفهم الواقع، ومعرفة الأعراف والعادات وفهم اللهجات، والتحلي بالإخلاص وضبط النفس، والمظهر الحسن. وضرورة الاعتماد على الفتوى الجماعية، والتزام منهج الوسطية، ومراعاة المقاصد، وعلى المستفتي أن يسأل المفتين في بلده أولا، لأنهم أدرى بالأعراف وبالظروف المحيطة به؛ فإن تعذر عليه ذلك لجأ إلى غيره من المفتين من خارج بلده، وعلى القنوات الفضائية: الحرص على اختيار المفتين المؤهلين للفتوى، وإعطاء برنامج الفتوى الوقت الكافي. وعلى الدولة الإشراف والرعاية لشأن الفتوى، بإنشاء مؤسسة للفتوى والتكوين الأكاديمي للمفتين وتنظيم الفتوى عبر القنوات الفضائية بتحديد شروط من يكون له الإفتاء على القنوات الفضائية، وأن تعهد بالفتوى لمن يتوافق مع المرجعية الفقهية، وإعطاء أهمية للمعرفة الشرعية في المنظومة التربوية بحيث ترقى بمستوى المتعلم في الجانب الديني. نجل العقاد يعيد فيلم الرسالة عبر تقنية K4 بعد 42 سنة استعاد الفيلم التاريخي الشهير «الرسالة» للمخرج السوري الأميركي العالمي الراحل مصطفى العقاد، حيويته، فحسب موقع الرقيب استطاع مالك العقاد أن يعيد الفيلم إلى الصالات العربية بعد صراع طويل مع هيئات الرقابة، ولكن هذه المرة بتقنية 4K عالية الدقة. ومع ذلك، فإن الصعوبة التي واجهها الابن في إعادة عرض «الرسالة» اليوم، لا تساوي حجم التحديات التي مر بها المخرج الأب، حيث واجه اعتراضا دينيا على عرض الفيلم، وإشكاليات في التمويل. وكذلك اضطر مصطفى العقاد لنقل موقع التصوير بشكل كامل من المغرب إلى ليبيا .وهو الفيلم الذي تم إنتاجه بنسختين: نسخة باللغة العربية من بطولة الفنان عبد الله غيث في دور الصحابي حمزة بن عبد المطلب والبطولة النسائية الممثلة السورية منى واصف في دور زوجة أبو سفيان هند بنت عتبة. ونسخة باللغة الإنكليزية وقام بدور البطولة فيه الفنان العالمي أنطوني كوين بدور الصحابي حمزة بن عبد المطلب، وأدت الممثلة العالمية أيرين باباس دور زوجة أبو سفيان هند بنت عتبة. لكن الفيلم تمت ترجمته إلى 12 لغة. وبلغت تكلفة إنتاج الفيلم للنسختين العربية والأجنبية حوالي 10 ملايين دولار أميركي، وحققت النسخة الأجنبية وحدها أرباحاً تقدر بأكثر من 10 أضعاف هذا المبلغ. وأشعل عند عرضه جدلاً في الغرب حول نسخته الإنجليزية، وكذلك منعت نسخته العربية من العرض في معظم صالات العالم العربي باستثناء لبنان والأردن. وأكد المخرج مالك العقاد أن والده كان يحاول «نشر رسالة ملؤها الحب والسلام من خلال الفيلم، ومع ذلك واجه العديد من المعارضات، والسبب يعود إلى عدم استعداد الناس لتقبل هكذا أعمال في ذلك الزمن، حيث كان العمل سابقا لأوانه». ويروي فيلم «الرسالة» قصة النبي محمد من خلال حياة أصحابه وتابعيه، وسيعاد عرضه بالنسخة الجديدة في صالات السينما العربية، مع قدوم عيد الفطر 2018. وقد وافق جهاز الرقابة السعودي على عرض فيلم «الرسالة» بنسخته الجديدة في صالات المملكة، وذلك بعد حجبه في دول مجلس التعاون الخليجي عام 1976. سلبيات فتاوى الفضائيات أكثر من إيجابياتها على الرغم من أن لفتاوى الفضائيات بعض الإيجابيات الظاهرة مثل سرعة الرد وربح الوقت والتقليل من العصب المذهبي والاطلاع على زخم الخلاف الفقهي وتنوعه وثرائه ونشر التسامح بين المسلمين إلا أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها؛ ذلك أن لفتاوى الفضائيات خارج البلد آثار سلبية من ناحيتين: ناحية عدم مراعاة المذهب المتبوع في الجزائر-مذهب الإمام مالك- مما يخلق عدم تناغم فقهي بين أفراد المجتمع بحيث تجعل المستفتي يظن أن ما تعبد الله به هو أو أهل بلده لدهور متطاولة باطلا، أو بدعة، وأذكر مرة أحدهم جاء فزعا وقد سمع فتوى لشيخ مصري أن قراءة الفاتحة خلف الإمام واجبة-على مذهب الإمام الشافعي- فظن أن صلاته لسنين في تباب، وهذا يشكل تمزيقا للنسيج المجتمعي خاصة جنوح كثير ممن يستفتى ممن لا يملك صنعة الفتوى إلى ثنائية الحق والباطل، والسنة والبدعة في مسائل ظنية. وناحية عدم مراعاة عرف البلد ومن المعلوم عند الفقهاء أن العادة محكمة، ولها مجالها الأسري والمالي، فيفتي المفتي وفق عادة مصرية، أو شامية، أو حجازية، تخالف ما عليه أهل الجزائر بل كثيرا ما تشرعن هذه العادات. مع ملحوظة أن كثيرا ممن يتصدر فضاءات الفتاوى على القنوات الفضائية ليسوا متأهلين للفتوى، لسبب أن هذه الفضائيات تركز في اختيار المفتي على المعايير الإعلامية والتجارية أحيانا على حساب التخصص. ولا سبيل للتقليل من سلبيات ظاهرة الفتاوى عن طريق الفضائيات غير الجزائرية إلا بصناعة بديل باحترافية إعلامية، تراعي الكمية والنوعية على حد سواء في مختلف القنوات الفضائية والإذاعية والشبكية في الجزائر، إذ لا تعوزنا الكفاءات العلمية سيما في مجال الفقه والفتوى فهي موجودة بكثرة-ولله الحمد-. بل يعوزنا إبراز هذه الطاقات وتعريف الناس بها، أما مجرد التحذير فلا يجدي إذ الطبيعة تأبى الفراغ فلا لوم على من يجد الفضاء الكافي أن يستفتي عالما أو ما يظنه عالما يبعد عنه آلاف الكيلومترات عن نواقض الوضوء ومبطلات الصيام.