إعلاميون يطالبون بإحداث قطيعة وبعث نموذج جزائري للممارسة الصحفية أجمع الإعلاميون المشاركون في ندوة «دور وسائل الإعلام في تكريس قيم العيش معا في سلام» والتي شهدتها جامعة مستغانم الخميس المنصرم، على أنه حان الوقت لإحداث القطيعة مع الممارسات التي تقوم بها الصحافة الوطنية سواء العمومية التي تخضع لدفتر شروط لم تتغير بنوده منذ سنوات، وبالتالي لم يعد مواكبا للتحولات خاصة التي تفرضها شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، أو بالنسبة لهذه الأخيرة التي أصبحت منبرا لنفث السموم وسط المجتمع تحت غطاء عدة مسميات «منها السبق، العاجل والهام وغيرها»، وفي الحقيقة هي بعيدة عن أخلاقيات المهنة وتعمل بسلبية إزاء الوطن الذي هو بحاجة لتمتين الروابط الاجتماعية أكثر من أي وقت مضى بالنظر للتهديدات والرهانات الموجودة داخليا وخارجيا. وفي هذا الإطار، أوضح المدير العام للإذاعة الوطنية السيد شعبان لوناكل أنه لا يمكن أن تستمر وسائل الإعلام السمعية البصرية سواء العمومية أو الخاصة في العمل بالطريقة الحالية، لأن مسألة الروابط الاجتماعية مهمة جدا ولا يمكن التعامل معها بما يخدم المجتمع والبلاد، إلا بوجود مسيرين ومسؤولين وموارد بشرية ذات كفاءة وتخصص، تعمل وفق إستراتيجيات وضوابط تسمح بتمتين وتقوية تلك الروابط، بالنظر لأن الجزائر مستهدفة وحدودها عبارة عن حزام ناري يستدعي الوعي بهذه الخطورة والعمل على خلق ضوابط وتقوية الروابط المجتمعية. وأوضح السيد لوناكل أن حرية التعبير ليس معناها «حرية قول كل شيء» وإلا فسيصطدم المجتمع بمتاهات كالتي تختفي وراء ما نعيشه اليوم في بلادنا من «سبق، هام وعاجل وغيرها»، وهذا نتيجة استيراد أنماط جاهزة لا تتلاءم وتركيبة مجتمعنا وخاصة تلك الأنماط التي تأتي من فرنسا، مشيرا أنه حتى على مستوى إتحاد الإذاعات الأوروبية الذي تشارك فيه الجزائر، نجد هؤلاء يسعون لإيجاد السبل المواتية لفرض نماذجهم على الجزائر التي تبقى متمسكة بضرورة إنتاج نموذج وطني يأخذ بعين الاعتبار كل القيم ومكونات المجتمع، ومنظومة إعلامية تخدم المجتمع، واستند المدير العام للإذاعة الوطنية على مقولة علماء الاجتماع التي مفادها أن «الرابط الاجتماعي هو إسمنت العيش معا في سلام»، ليبرز أهمية تقوية الروابط الاجتماعية لتحصين البلد من الانزلاقات التي يمكن أن تحدثها التناقضات الدينية، المذهبية، العرقية، الجهوية أو السياسية والاجتماعية والثقافية المتواجدة في كل المجتمعات، ولكن ألعن وسيلة لإيقاظها وتفعيلها للفتنة، هي وسائل السمعي البصري والشبكات الاجتماعية، مضيفا أن هذه الوسائل تحمل في طياتها خطرا بالنظر لكونها غير مقننة ولا ترتكز على آليات لضبطه. من جانبه، كشف رئيس مخبر الاتصال بقسم الإعلام والاتصال في جامعة مستغانم العربي بوعمامة، عن سعي المنخرطين في المخبر لتحضير معجم اصطلاحي حول ثقافة السلم، لتوفير المخزون اللغوي للصحفيين يستغلونها أثناء تعبيرهم عن السلم والعيش معا بسلام، وفي ذات السياق، وجه المحاضر طلبا لوزير الاتصال لإيجاد صيغ لتكوين الإعلاميين حول قيم العيش معا في سلام، والإستراتيجية الإعلامية لنشر وترسيخ ثقافة السلم. وقال الدكتور بوعمامة، أن الإعلام يلعب دورا أساسيا في تغليب خطاب العقل، والميديا أصبحت ذات أهمية بالغة في جعل النقاش أكثر وضوحا في الدفاع عن التعدد في جميع المجالات، وهو التعدد الذي ينبغي استغلاله للتصدي للكراهية ومسببات انقسام المجتمعات، فالعيش معا وفق المحاضر ليس أمرا إضافيا فقط بل هو أساسي وعصب وحدة الشعب والتحامه، والابتعاد عن هذا المبدأ، يسبب تعطيلا للوظيفة الإنسانية فوق الأرض، مبرزا أن تكريس خطاب العيش معا في سلام من شأنه ضبط سلوك الأفراد وجعلهم ممارسين أصيلين لهذه الثقافة المرجعية، ودور الميديا أيضا حسب المداخلة يمكنه تلقين الأفراد كيفية التفاعل مع الحضارات الأخرى، في خضم احترام وسائل الإعلام للأخلاقيات إلى جانب القانون. بينما استعرضت الصحفية فوزية بوسباك من التلفزيون الجزائري، مواكبة الصحفيين في هذه المؤسسة العمومية، لمسار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية منذ طرحه من طرف رئيس الجمهورية للشعب للاستفتاء لغاية ما بعد نجاح الاستفتاء وإقراره في الممارسات اليومية، وأعابت المتحدثة عدم انفتاح هذه الترسانة الإعلامية الثقيلة على بعض الأمور ما يستدعي ضرورة مراجعتها. هذا في الوقت الذي، تطرق فيه كل من الإعلامي جاكون عبد الوهاب و كمال منصاري، لتجربتهما داخل وخارج البلاد في التعامل الإعلامي من أجل نشر قيم العيش معا، خاصة وأنهما عايشا أوضاعا متعددة قاما بسردها في مداخلتيهما، وكانت في مناطق نزاعات وحروب سواء طائفية أو عسكرية أو مجتمعية.