مؤسّسة الرقابة تفكّكت و رقابة القارئ ما زالت تشتغل في هذا الحوار، تتحدث الناقدة والباحثة الأكاديمية الدكتورة آمنة بلعلى، عن شؤون ذات صلة بالرواية. وفيه تتطرق أيضا للخوض في بعض ما يُقال عنها في الأوساط الأدبية وعن مستواها وسقف المقروئية الّذي تحظى به. وعن روّاجها في سوق الكُتب والأدب. مشيرة إلى أنّ كلّ هذا لا ينفي عنها بعض التوعك. كما تطرقت لبعض المظاهر السلبية التي تخص الرواية على وجه الخصوص. حاورتها/ نوّارة لحرش وفي سياق الرواية دائمًا. تحدثت عن الثالوث المحرّم: «الدين الجنس السّياسة» في الرّواية الجزائرية. وكيف تجلّى فيها. إضافة إلى خوضها في أمور الرقابة بتعددها وتنوعها: من رقابة سياسية وأخلاقية ودينية. وصولا إلى رقابة القارئ. بلعلى قارنت في سياق حديثها بين الرقابة التقليدية والرقابة الجديدة المشبعة بالتكنولوجيا. ما يؤكد أنّ هذه الأخيرة قد قوّضت مؤسّسة الرقابة. وجعلتها تتفكّك، مثلما تفكّكت باقي المؤسسات الأخرى التي ظلّت توظّفها. بصفتك قارئة وناقدة تشتغلين على نقد الرواية بشكلٍ متواصل. كيف ترين مستوى الرواية الآن. وهل أنت مع القول الرائج في بعض الأوساط الأدبية الّذي مؤداه إنّ الرّواية ليست بخير؟، وإنّ شعبيتها من خلال المقروئية التي تحظى بها مثلا على حساب الشّعر ليست بمقياس يدّل على نجاحها، وإنّ هذا الشغف بها لا ينفي عنها توعكها؟ آمنة بلعلى: كيف يُمكن أن يُنظر إلى واقع الرواية الجزائرية؟ وكيف يمكن تفسير ما يدعيه البعض من وجود أزمة في الرّواية، هل هي مشكلة هذا الكم الهائل من الروايات التي تصدر كلّ يوم، أم أنّ المشكلة مرتبطة بطبيعة تخصّصات من يكتبها، وهل هي مشكلة خاصّة بضرب قوانينها عرض الحائط، وبالحرية التي وفّرتها وسائل الإعلام والاِتصال الجديدة للاِنخراط في هذا الشكل الأدبي؟ أم هي كلّ ذلك مجموعًا في شكلٍ مركّب مُتعدّد الأبعاد؟ لا شك أنّ الرواية الجزائرية اليوم، شأنها في ذلك شأن الرواية في الوطن العربي، ومع التسابق نحو الجوائز التي تُرصد لها، إلى جانب سقوط سياج الرقابة، تشهد رواجًا منقطع النظير، باِعتبارها نصًا مُنفتحًا، فهي تستجيب للحاجة الطبيعية إلى الحكي التي لازمت الإنسان عبر العصور، وستظل تلازمه. وعليه، لم تكن الكثرة في يوم ما دليلا على وجود أزمة، بقدر ما كانت دليلا على تشكّل ظواهر إبداعية جديدة، وحدوث تحوّلات في الظاهرة الثقافية، اِستجابة لحاجيات معرفية وجمالية تفرضها ظروف تاريخية واِجتماعية معينة. إنّ التسليم بالقول إنّ الرواية في خطر أو ليست بخير، ليس سوى حنين مضاعف لعصر الإيديولوجيات التي أنتجت الفن الروائي ذاته، يُنصِّبُ فيه الناقد نفسه كحارس للحدود في عصر سقطت فيه كلّ الأقنعة، والإيديولوجيات والسرديات الكُبرى، ذلك أنّ ما يبدو أزمة لدى البعض، قد يكون مُؤشرا إيجابيًا لتجاوز السياجات التي تُؤمّن لكنّها تُقنّن عملية الإبداع والاِنخراط في صناعة الفعل الثقافي. صحيح أنّنا نشهد، وخاصّة مع مطلع الألفية الثالثة، ظاهرة التهافت على نشر الرّواية، وعدم التريث، وضآلة المحتوى الفكري، والضعف اللغوي، وغياب الرؤية، وبساطة البناء وعدم القدرة على إنتاج عوالم تخييلية جديدة، وشهدنا صعود المرأة الكاتبة بقوة، باِسم تمثيل الوعي المُختلف بقضية المرأة، على الرغم من أنّ الكثيرات من الروائيات لم يطوّرن الوعي بهذه القضية، ويتجسد ذلك في طبيعة الكتابة الرّوائية لديهن، وقد جعلن منها تمثيلا واِستعادة للنّسق الذكوري، والاِنزواء في المنطقة الضيّقة من الإبداع، هذا مع بعض الاِستثناءات المشرّفة. هذه المظاهر السلبية التي ذكرتِها. هي ربّما أكثر ما يُسيء للرواية وجودتها؟ آمنة بلعلى: المظاهر السلبيّة المذكورة آنفا، تعكس واقعًا، وهي نتائج وأعراض لظاهرة، لن تزول إلاّ بتعديل الأسباب التي أنتجتها، وما دمنا نشهد غياب سياسة ثقافية وعلمية فاعلة، يبقى الحديث عن الأزمة حديثا مكرورا، يمكن سحبه على كلّ أشكال الثقافة والتعليم والصحة وغيرها، ومثلما نتحدث عن أزمة في الرّواية، يمكن أيضا أن نتحدّث عن أزمة في الشّعر وفي النقد وفي السينما والمسرح وغيرها، فوراء هذا الظاهر، باطنٌ خفي، هو حالة الإحباط الثقافي، التي جعلت الروائيين يبدعون في المساحات الضيقة وبأقل قدر من التخييل. لكن هذا لا يدفعنا إلى التعميم والتنكّر، فهناك روائيون جزائريون كبار يحملون مشاريعهم كصخرة سيزيف، لهم من الاِستراتيجيات ما يجعلهم يُعبّرون عن نزوعٍ نحو إعادة صياغة نمط الوجود المُنمّط الّذي كان قبل العشرية السوداء، ومُساءلة الوجود الضائع الّذي أفرزته سياسة الإقصاء والتهميش والتدجين وآفة الإرهاب. وهم يستقون آلياتهم من المخيال الجديد الّذي بدأ يتشكّل في العالم المُعاصر وفي ظل ثقافة العولمة. إنّ ما نراه في معاينتنا لما يُعتقد أنّه أزمة، يمكن تفسيره باِعتباره نتيجة حتمية للسياسة الثقافية في الجزائر، التي لم تستطع أن تخلق إطارا حقيقيًا للإبداع هو إطار الظاهرة التي تضمن لكلّ المبدعين التحرك ضمن سياسة ثقافية لها أهدافها وغاياتها التي تستجيب لحاجات اِجتماعية ومعرفية حقيقية للمجتمع الجزائري، فهناك اِشتغالات فردية، ناتجة عن ترك المثقفين يسبحون خارج محيط خطط التنمية في جميع المجالات. ليست مشكلة الرّواية الجزائرية، في الرواية، ولا في الروائيين الذين يدخلون الرّواية من خارج الأدب، فتلك مسألة أثبت التاريخ عكسها، فأغلب الروائيين العالميين، دخلوا الرواية من تخصّصات لا علاقة لها بالأدب، وأصبحوا روائيين بعد ما كتبوا الرواية، كما أنّ كتابة الرواية ليست وظيفة حكرا على إنسان دون آخر، ولا يمكن أن تُقارن بوظيفة أخرى؛ لأنّها وسيلة في التعبير، تعكس تمثلّا خاصًا للعالم والذات، هو الرؤية المجازية، فالرواية، ليست بحثا أكاديميًا ولا تاريخًا ولا فلسفة، إنّها تستوعب كلّ هذا لتمنح صاحبها اِمتلاك هذه الرؤية المجازية التخييلية وقد صار مُثقفًا حقيقيًا. في سياق الرواية دائمًا. كيف حضر الثالوث المحرّم: «الدين الجنس السّياسة» في الرّواية الجزائرية؟ هل تجلّى ذلك بوضوح أو كان بحياءٍ وخفوت؟ وهل يمكن القول إنّ روايات كثيرة تناولت وبكثرة وجرأة هذا «الثالوث» ومن جوانب عديدة ومختلفة ما جعل تيمات «الدين والجنس والسّياسة» تسقط من/وعن جذع الثالوث المحرّم، لتصبح مُتاحة ومُتداولة وبعيدة عن بقعة وحيّز الخطوط الحمراء والمحظور والمسكوت عنه؟ آمنة بلعلى: اِرتبط حضور الثالوث المُحرم بحضور مؤسّسة الرّقابة على الإبداع، وقد مرّت الرقابة على الإبداع بأشكالٍ عِدة، وفرضت في كلّ مرحلة طُرقا شتّى من القوانين التي تسبّبت في خلافات حادة بين الكُتّاب والمؤسّسات الدّينية والسّياسية والاِجتماعية التي تُقنّن للثقافة والكتابة حسب رغبتها، ونجم عن ذلك كثير من الصراعات والمقاومات، وأحيانًا تواطؤات، كان لها آثارٌ على الكتابة أسفرت على نشوء ما يُسمّى بالثلاثي المُحرّم (الدين والجنس والسياسة) الّذي عادةً ما ترتبط أسبابه باِنفتاح أو اِنغلاق البنية الاِجتماعية. ولذلك، هناك مُؤشّرات مرتبطة بتاريخ الشعوب تُشير إلى أنّ الرقابة على هذه السّرديات الصُغرى هي من إنتاج الثقافة والمجتمع. فالمجتمع الّذي صاغ طريقة الكلام كان هو الرقيب الأوّل باِعتباره المُنتج والمُعلم الأوّل لاِستعمال اللّغة وتدبير الكلام لدى الأفراد، ولذلك، كانت القوانين التي صيغت من أجل عملية الإبداع، وآليات التلقي، مُنسجمة مع طبيعة هذه المُجتمعات الثقافية والاِجتماعية، وهي نفسها التي تتبناها المؤسسة السياسية أو الدينية، ولذلك نُلاحظ أنّ الاِجتماعي يتحوّل إلى سياسي، فتتداخل المُحرمات ذاتها فما نعتقده سياسيًا يتحول إلى ديني وما نعتقده دينيًا يتحول إلى سياسي وهكذا. كانت الرّواية فضاءً لاِشتغال الصراع حول هذه الأقانيم الثلاثة التي تشغّلها المؤسسات سالفة الذِكر بكثير من التواطؤ، على الرغم من الصراعات الواضحة والخفية التي كانت بينها. وكانت الرّواية الجزائرية محل مُراقبة شكّلت في كثير من الأحيان إكراهات فرضت نموذجًا خاصًا من الإبداع، وتمّ تهميش ما لا يدخل ضمن ذلك النموذج، وخاصة مع الرّواية الإيديولوجية في السبعينيات، ولذلك عمدت المؤسسة السياسية آنذاك إلى التعتيم على بعض الروائيين الذين يكتبون باللّغة الفرنسية ومصادرة أعمال البعض مثلما حدث ل"زمن النمرود" للحبيب السايح، في الوقت الّذي فُسحت فيه المجال لممارسة حرية التعبير في الحديث عن الدين والجنس مثلما نجده لدى رشيد بوجدرة مثلا والّذي تولّت المؤسسة الأخلاقية والاِجتماعية من خلال قُرائها الذين اِتخذوا من العرف المقدّس الّذي يستمد قداسته من قداسة الدّين ذريعةً لمُحاكمة النص الروائي، فتبلورت ترسانة اِحتراسية سوف يعتمدها الروائيون بالتخفي والإخفاء والتعمية والكناية والتلميح والترميز والإضمار، وأحيانا بخلق عوالم تخييلية اِستطاعت أن تُفلت من مؤسّسة الرقابة الأخلاقية التي لم تكن تملك وسائل القمع التي تمتلكها المؤسسة السّياسية كالسجن والنفي والقتل ومصادرة الإبداع. رقابة سياسية.. رقابة أخلاقية ورقابة دينية. تعدّدت/ وتتعدّد أنواع الرقابات. فهل يعني هذا أنّ منظومة الرقابة كانت غير قابلة للخفوت أو التفكك مثلا في فترة من الفترات؟ آمنة بلعلى: أثناء العشرية السوداء، تفككت منظومة الرقابة السياسيّة التي عملت على مراقبة صناعة التمثيل الأدبي واللغوي والتي كانت، في الحقيقة، رقابة على الرغبات وعن وجهات النظر وحاجة الإنسان لكي يكون مختلفًا. وقوّضت أركان الثالوث المحرم، ظاهريًا، على الرغم من الرقابة السياسية والأمنية الكبيرة، ووجدت المرأة الروائية في هذا الاِنفلات فرصة للاِحتماء بفضاء التغيير والتحرّر والنضال النسوي وتجاوز اِستراتيجيات التخويف التي حاولت المُؤسسة توظيفها باِسم الوطنية والقومية وباِسم الاِنتماء الحزبي أو الإيديولوجي فسعى الروائيون إلى تنشيط أنظمة تمثيلية أخرى قامت بتفكيك الدوغم الدّيني خاصة ليفسح المجال لمزيد في الحرية في التعاطي مع ما كان محظورا، وتولّت المرأة تقويض مؤسسة المجتمع الأبوي والتمرّد عليها مثلما نجده لدى فضيلة الفاروق، وأصبح الثالوث المحرّم موضوعات مُتداولة، إلى حدّ كبير، في الرّواية الجزائرية بعد العشرية السوداء، لينخرط الروائيون في نقد المؤسّسة السياسيّة بعد الاِستقلال ثمّ مؤسّسة الشرعية لثورية التحرير، لنشهد مع بداية الألفية الثالثة تلاشي أضلاع المثلث المحرّم بشكلٍ لافت، مع حفاظ المؤسسة السياسيّة على سلطتها في توجيه الثقافة. لكن هل يمكنُ القول إنّ عصر التكنولوجيا الجديدة، قوّض مؤسّسة الرقابة، وجعلها تتفكّك، مثلما تفكّكت باقي المؤسسات الأخرى التي ظلّت توظّفها؟ آمنة بلعلى:مع متغيرات العولمة السريعة وعصر التكنولوجيا الجديدة، بات الإيمان راسخا أنّ مؤسّسة الرقابة قد تفكّكت، مثلما تفكّكت باقي المؤسسات الأخرى التي ظلّت توظّفها، وأصبحنا نتحدّث عن مزيد من التحرّر في اِستعمال اللّغة وفي الكتابةّ تمامًا كما نعيش التحرّر في هذا الفضاء العام للحرّيّات الّذي يُوفر أنماطا مُتعدّدة من القيم الجديدة والتفاعلات الإيجابية مع المؤسسة اللغوية ذاتها، وخاصة، بعدما أصبحت علاقاتنا بأنظمة أخرى كالصورة والرقمنة أكثر حميمية، وطُرحت كبديل ينذر بإمكانية تلاشي علاقتنا الوجودية مع اللّغة؛ حيث نجد هناك من يربط زوال مؤسسة الرقابة بزوال الإيديولوجيات والسرديات الكبرى. وفي ظل التحولات التي يشهدها العالم المعاصر، وما أحدثته الثورة التكنولوجية الجديدة من اِنفتاح، بات الاِعتقاد أنّ الحرية التي منحتها هذه الوسائط الجديدة، قد قوّضت مؤسسة الرقابة، وفتحت مجالات عِدة لتحرّر المُبدع والكتابة، غير أنّ الواقع يُؤكد بروز سياسة رقابية أخرى لا تقل تأثيرا وخطورة عن سابقاتها، واتسع المُثلث، ليصبح التحريم مُرتبطا بموضوعات الشذوذ الجنسي وليس بالجنس، وبالإرهاب وليس بالدين، وبالمعارضة وليس بالسياسة، وبالإثنيات وليس بالوطنية وغيرها. وهكذا يؤكد لنا الواقع بأنّ الرقابة هي بمثابة الأخطبوط، فلا تزال التقارير الرسمية والخاصة، المحلية والدولية، تسجل أساليب جديدة ومتعدّدة وأحيانا معقدة، تمارسها السلطة على المثقفين والروائيين، وخاصة بعد الّذي سُمّي الثورات العربية، كحجب المواقع وتعطيل القنوات التلفزيونية والتشويش على محركات البحث، بل تتّخذ الاِستراتيجيات المتّبعة في صياغة فنون المراقبة أبعادا أصبحت فيه الرقابة خطابًا يُسيّر العقول ويصوغ التمثلات الذهنية للمثقفين قبل أن يسنّ قرارات المنع والإقصاء أو المصادرة. هل يمكن الحديث هنا عن رقابة أخرى. هي رقابة القُراء؟ آمنة بلعلى: بالموازاة مع كلّ هذا، لا تزال رقابة القراء تشتغل بنفس الأساليب وتشتغل في صمت ليتم محاصرة نمط معين من القُراء لروائيين بعينهم لا يزالون يخوضون في موضوعات الثلاثي التقليدية مثلما يحدث لأمين الزاوي ورشيد بوجدرة، كما ما زلنا نشهد أساليب تكفير الروائيين ومحاكمتهم اِستنادا إلى أقوال شخصياتهم مثلما حدث لكمال داوود. وغير ذلك من أساليب المنع والمصادرة لبعض روايات الشباب مثلما حدث في المعرض الدولي للكتاب2017. من جهة أخرى اِكتشفت أجهزة الرقابة، في ضوء التحوّلات العالمية التي طغى فيها مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان، أنّها مُلزمة بتغيير آلياتها كما غيرت الأنظمة الديكتاتورية آليتها أيضا، لتساير هذه التحوّلات، فعمدت إلى تنشيط اِستراتيجيات جديدة، وتفعيل آليات ذكية، يصبح الكاتب، بموجبها، تابعًا لها، بجهد أقل، ودون أن تدخل معه في خلافات وصراعات، فقد حوّلت أشكال الرقابة المادية إلى أشكال رمزية فعّالة؛ وعمدت إلى إنشاء ما يمكن تسميته بالرقيب الذاتي، وهو حالة فكرية ووجدانية وثقافية توجه الكاتب نحو الخضوع لحاجات المؤسسة من ذاته هو، بناء على معرفته المسبقة بمنطق المؤسسة واحتياجاتها. وبدعوى الاِنفتاح على الثقافة والمثقفين والتواصل معهم صارت تشغّلهم كموظفين لديها بإغراءات مُتعدّدة مثل المناصب الإدارية والسياسية وتدفع بهم إلى الاِنخراط في منظماتها وأحزابها ومؤسساتها، والدفاع عن مصالحها التي يعتقد، واهمًا، أنّها مصالحه أيضا. وفي هذه الحالة تتوارى المحظورات بالمفهوم التقليدي لتبرز أقانيم أخرى من المحرمات تفرضها المصالح والشللية وأساليب تدجينية تُوفّر عن المؤسسة عناء الرقابة التقليدية. إنّ الموضوعات التي ينظر إليها على أنّها محظورات توجّهها، في حقيقة الأمر، أصوات تعتقد أنّها تمتلك الحقيقة، ولعل الصراع بين من يعتقدون أنّهم يمتلكون حق الدفاع عن هذه الموضوعات باِعتبارها من الثوابت، وبين من يعتقدون بأنّ لهم الحق في الحديث عنها، إنّما هو محض صراع إيديولوجي ولو تمّ التوصل إلى أنّ لا حقيقة داخل الإيديولوجيا، لتمّ اِستبدال التواصل والاِختلاف بالخلاف والعداء. مع كلّ هذا يمكن الجزم أنّ دور السُّلط المتعدّدة والمؤسسات التقليدية قد تراجع بشكل ما؟ آمنة بلعلى: لا شك أنّ دور السّلط والمؤسسات التقليدية قد خفت اليوم، إلى حدٍ كبير، لأنّ هناك مؤسسات أخرى يمكنها أن تصمت ولكنّها تخلق أساليبها الخاصة لمراقبة الإبداع، ولعل الصخب الفكري والإبداعي الّذي أثارته قضية الثالوث المحرم لم يعد اليوم صامدا أمّا الصخب الّذي يحدثه نشوء سرديات كبرى توجّه تفكير الإنسان في هذه الظواهر التي هي جزء من وجوده وهي الدّين والجنس والسياسة، وتجعل من هذه الظواهر براديغمات موجّهة للأفكار والمجتمعات سوف تخلق مزيدا من الصراعات الجديدة حول موضوعات لم تكن تخطر في بال الروائيين.