صورية زبيري ..حنجرة المالوف التي غنّت في المحافل الدولية تعد من أبرز الأصوات النسائية القسنطينية، اقترن صوتها بفن المالوف، و نقلته إلى المحافل الدولية، فأبهرت الأجانب بحنجرتها الذهبية، إنها الفنانة صورية زبيري التي دخلت عالم الفن من باب أعرق مدارس الموسيقى القسنطينية «الانشراح» ، حيث درست على يد كبار المشايخ لتقدم اليوم فنا راقيا، و بالمقابل تابعت دراستها في مختلف التخصصات، فهي نموذج للمرأة الناجحة الموهوبة التي استطاعت أن توفق بين مجالين مختلفين. أحبت الفنانة القسنطينية صورية زبيري موسيقى المالوف منذ صغرها، و كبر حبها لها على يد والدها العاشق لهذا الفن، ما جعل المجال خصبا أمامها لتحقق طموحها، حيث انضمت سنة 1979 و هي في 11 من عمرها، و بتوجيه من والدها، إلى مدرسة الانشراح، أين تعلمت أبجديات فن المالوف و الأندلسي، لتنتقل سنة 1986، إلى الجمعية الفرقانية، التي كان يشرف عليها الحاج محمد الطاهر الفرقاني، فتعلمت النوبة الأندلسية الأصيلة و نوبات المالوف، و بالأخص الفرقانية، كما كانت لها مشاركة في مهرجانات وطنية و دولية. و بعد توقف نشاط الجمعية الفرقانية سنة 1990، التحقت صورية بالجمعية البسطانجية، أين اكتسبت عديد المعارف و طورت موهبتها ، و أكدت للنصر، أن تكوينها بالمدارس الثلاث، جعلها تستفيد من خبراتها و تكون رصيدا كبيرا في الأندلسي و المالوف، معتبرة نشأتها في وسط فني راق و أصيل، صقلت موهبتها، خاصة بمشاركتها و هي في سن صغيرة في المهرجانات و احتكاكها بكبار الشيوخ، مثمنة دعم والديها اللذين كان لهما الفضل الكبير في ما حققته من نجاح في الميدان الفني، مضيفة أنها ليست الوحيدة في العائلة التي اقتحمت هذا المجال، حيث كانت أختاها عازفتين على آلتي العود و الكمان، كما أن أخاها رحمة الله عليه كان في ذات المجال. محدثتنا عادت بذاكرتها إلى الوراء، لتتحدث عن مرحلة مهمة في مسارها، و هي السهرات الفنية العائلية، التي كان لها دور مهم جدا ليس في صقل تجربتها فقط، و إنما حتى في تربيتها و الرقي بذوقها الفني و مبادئها، فكان شهر رمضان، مناسبة للم الشمل و التقاء كبرى مدارس الموسيقى في فعاليات مهرجان فني كان ينظم بالإقامة الجامعية نحاس نبيل بقسنطينة ، و كان له دور كبير في التعريف بالفن القسنطيني، كما أثار فضولها و شغفها لمواصلة طريقها في الغناء التراثي. بعد ذلك دخلت صورية المدرسة الكلاسيكية بالمعهد البلدي للموسيقى، و تعلمت هناك العزف على آلة القيثار، خلال التسعينيات، كما تلقت تكوينا بمعهد التكوين المهني كمربية مختصة في الفنون الغنائية ، و بالمعهد العالي لتكوين إطارات الشباب بقسنطينة ، درست تخصص فنون غنائية لمدة سنتين، و أصبحت مكونة في الموسيقى في دور الشباب، و كان هدفها هو نقل تجربتها للأجيال الصاعدة، و إدماج الشباب، خاصة الذين يتمتعون بمواهب فنية، كما استغلت تعليمها للفن، لاستقطاب هذه الشريحة و توجيهها، و ترى المتحدثة أن الفن ليس الإنتاج الفني و إحياء الحفلات فقط، بل هو التكوين المتواصل و نقل خبرتها للأجيال. أسست « إشبيلية» للحفاظ على الهوية الموسيقية أسست الفنانة في سنة 1997 أول فرقة غنائية خاصة بها، تتكون من خمسة أعضاء، و أطلقت عليها اسم «إشبيلية»، و كان هدفها الحفاظ على الهوية الموسيقية. كانت الفرقة تتميز بالمزج بين الموسيقى الكلاسيكية و المالوف، و المحافظة على نوبات المالوف و الأندلسي، و فضلت صورية إضافة لمسة عصرية ، بإدراج آلات موسيقية أخرى كالقيثار، فدراساتها العديدة في مجال الموسيقى، مكنتها من وضع لمسة خاصة على طابعها الغنائي، دون المساس بالهوية الغنائية و تشويه التراث، و بدأت تحيي الحفلات باسم فرقتها الخاصة، في تلك الفترة، واعتلت لأول مرة مع فرقتها مسرح قسنطينة، بمناسبة عيد المرأة ، فكانت بمثابة الانطلاقة الفعلية التي فتحت لها في ما بعد باب المشاركة في مهرجانات وطنية و دولية، مشيرة إلى أن المدير الأسبق للمسرح الجهوي بقسنطينة ، سليم ميرابية، ساعدها كثيرا في تجسيد مشروعها ، بتكوين فرقة خاصة، بعد أن تابع الطابع الجديد الذي تؤديه. حينما تجتمع الموهبة مع العلم الفنانة صورية زبيري و بالرغم من عشقها لفن المالوف، إلا أنها لا تحصر نفسها في هذا المجال، كما قالت، حيث تؤدي طابع الفلامينكو و الموسيقي الفرنسية، و كذا الطابع العربي و الغربي، كما تعشق الأغاني الوطنية، مضيفة بأنها كانت محظوظة لأنها وقعت عقدا مع التلفزيون الجزائري لإعداد أفلام وثائقية، حيث أشرفت على إعداد فيلم موسيقي وثائقي حول أحداث ساقية سيدي يوسف، ثم ألفت الموسيقى التصويرية، لعدة أعمال منها «بلاد العناب» و «بونة الملكية» و فيلم «القديس أوغستين»، بالموازاة مع إحياء حفلات فنية . «يجب حماية المالوف بتدوينه» اهتمام صورية البالغ بالمجال الفني، لم يشغلها أيضا عن دراستها و متابعة التكوين في مجالات أخرى ، فهي حاصلة على شهادة ليسانس في الأدب الفرنسي من جامعة منتوري ، و درست التحليل النفسي في المعهد الوطني لدراسة الصدمات النفسية بباريس في سنة 2010، كما درست في سنة 2013 تخصص العلاج الأسري في الخارج، و تعلمت من خلاله أبجديات العلاج بالموسيقى، معربة عن طموحها لتطبيق هذا النوع من العلاج بالمؤسسات الاستشفائية، و آخر شهادة حصلت عليها ماستر في تسيير الإدارات. عن إصداراتها الفنية ، قالت بأنها حرصت على تقديم أغان منفردة «سينغل»، ذكرت منها «قسنطينة مدينة لهوى» و أخرى بعنوان «أنا الغريب» ، و كذا أغان من التراث الوطني و أخرى ثورية ، مشيرة إلى أنها تركز على النوعية و تحسين المستوى، أكثر من الكمية، مضيفة « تركيزي على جانب التكوين، جعلني أقدم حوالي سبع أغنيات فقط». العنصر النسوي يطغى على الفرق عن الصعوبات التي تلقتها في مشوارها الفني، خاصة و أن انطلاقتها كانت في التسعينيات التي تعد من الفترات العصيبة التي عاشتها البلاد، و شهدت تضييقا على المرأة، قالت « لم أتلق صعوبات و لا تهديدات و لم أشعر حتى بمضايقات، بالرغم من أن تواجد النساء في المجال الفني كان قليلا جدا، و لم تكن العائلات بما فيها الفنية، تشجع بناتها على ممارسة الفن». أما حاليا فقد زالت تلك النظرة ، و طغى، حسبها، العنصر النسوي على فرق المالوف، معتبرة هذا الفن ثقافة، تساعد على التوازن النفسي، فيما تأسفت لتهميش جيلها من الفنانات القسنطينيات في مسقط رأسهن، إذا تعلق الأم بإحياء المناسبات و الحفلات، قائلة «إننا لا نتلقى دعوات في المناسبات و الحفلات، و نتمنى أن توجه لنا على الأقل دعوات لإلقاء محاضرات، تساهم في إثراء الساحة الفنية الثقافية». الفن في نظر صورية زبيري رسالة، و تخاف اليوم على فن المالوف من الزوال، باعتباره تراث شفوي ، داعية إلى تدوينه، و معترفة في السياق ذاته بالتطور الكبير في مجال الموسيقى و الحفاظ على التراث، الذي نلمسه في إرادة الدولة ، بفتح معاهد الموسيقى و تكوين أساتذة ، و في انتشار الوعي عند الأولياء بتعليم هذا الفن لأبنائهم،من الجنسين. عن مشاريعها المستقبلية، قالت بأنها بصدد انجاز كتاب عنوانه «وفاء للذاكرة» يتضمن أغان تراثية، مضيفة « آخر أغنية لحنتها عنوانها «جزائرنا أقسمنا بك اليمين» من كلمات أمين بغدادي و أريد أن أصورها على شكل كليب و أنتظر التمويل» .