اختارت الحكومة مقاربة خاصة و متوازنة لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تفشي وباء كورونا تقوم أساسا على مبدأ الوفاء للطابع والدور الاجتماعي للدولة ومبدأ التضامن، وليس على حسابات الربح والخسارة والصرامة المفرطة التي يفرضها المنطق الاقتصادي الليبرالي ومبدأ العرض والطلب، كما حصل في بلدان عديدة. وأكدت الحكومة على لسان الوزير الأول، عبد العزيز جراد، قبل يومين خلال إشرافه على اللقاء الخاص مع الشركاء الاجتماعيين والمتعاملين الاقتصاديين وتنصيب لجنة الحماية التي تتكفل بمهمة تقييم الانعكاسات الناجمة عن جائحة كوفيد 19 وآثارها على الاقتصاد الوطني، أكدت رفضها لكل تدبير يؤدي إلى غلق المؤسسات الاقتصادية الوطنية، وتسريح العمال بسبب تداعيات الأزمة الصحية، وشددت على أنه لا فرق بين مؤسسة وطنية عمومية وخاصة في هذا الظرف الخاص والصعب الذي تمر به البلاد. وعلى الرغم من اعتراف الوزير الأول، عبد العزيز جراد، بأن جائحة كورونا والتدابير التي اتخذت لمواجهتها قد كان لها أثر سلبي كبير على الاقتصاد الوطني، وان البلاد تواجه وضعا اقتصاديا قاسيا غير مسبوق، إلا أنه شدد بالمقابل على ضرورة أن تلعب الدولة دورها كاملا في حماية المؤسسات الوطنية وعدم اللجوء إلى غلقها ومن وراء ذلك حماية العمال ومناصب الشغل. وأكثر من هذا و لمواجهة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي خلفته جائحة كوفيد 19 على مدى شهور، عمدت الحكومة إلى مقترح تخصيص إعانات مالية في راتب شهري جزافي للعديد من الفئات المهنية المتضررة بشكل كبير من تفشي وباء كورونا والتي توقف نشاطها بشكل كلي في الأشهر الأخيرة على غرار سائقي سيارات الأجرة وأصحاب النقل الجماعي الذين ستمنحهم الدولة من خزينتها مبالغ مالية حتى يتجاوزوا الصعوبات المادية الناجمة عن توقفهم عن النشاط بسبب هذه الجائحة. وكذلك الشأن بالنسبة للحرفيين الذين فقدوا مداخليهم بسبب إجراءات وتدابير الحجر الصحي المفروض من قبل الدولة منذ شهور في إطار مواجهة الوباء، وفي نفس الاتجاه كذلك يدخل قرار الحكومة إعفاء هذه الفئات من الرسوم والأعباء الاجتماعية الأخرى، واستفادتهم من قروض بنكية خاصة ودون فوائد لتمكينهم من تلبية احتياجاتهم والنظر في كيفية منحهم تعويضات إضافية أخرى. و واضح أن كل هذه التكاليف ستتولاها الخزينة العمومية وحدها، وهذا يدخل في إطار الوفاء لمبدأ الطابع الاجتماعي للدولة المرسخ منذ عقود، ومبدأ التضامن الوطني خاصة في أوقات الأزمات والمحن، إلى غاية تجاوز هذا الظرف الصعب والتغلب على الوباء وعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها. وقد يرى البعض أن ما قد تمنحه الدولة من تعويضات للفئات المتضررة يبقى نسبيا مقارنة بالخسائر التي لحقت بها بسبب هذه الجائحة، إلا أنه لابد من التوضيح أن ذلك يعتبر مساعدات وتكفلا من الدولة بهذه الفئات وعدم التخلي عنها في الأوقات الصعبة والأزمات الكبيرة التي تمر بها الدول، وهو مهما يكن يعتبر خطوة كبيرة و لفتة لها معنى بالنظر إلى أن ما يجري في دول أخرى تخلت بشكل نهائي عن الدعم ولم تلعب أي دور في هذا الظرف على هذا الصعيد، ما أدى إلى غلق الآلاف من المؤسسات الاقتصادية وتسريح الملايين من العمال، و الولاياتالمتحدةالأمريكية أحسن مثال على ذلك. فالعديد من الدول فضلت الحلول الاقتصادية الآلية لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية التي ضربت العالم، أي الحلول التي يفرضها المنطق الاقتصادي ومنطق اقتصاد السوق اللبرالي وقانون العرض والطلب، وهي الحلول القاسية التي تلحق أكبر ضرر بفئة العمال على وجه الخصوص. فأشكال المساعدة التي أعلنت عنها الحكومة أول أمس بمناسبة اللقاء مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين تضاف إلى تلك التدابير والقرارات التي سبق للدولة أن اتخذتها منذ بداية فرض الحجر الصحي لمساعدة الفئات الهشة الأكثر تضررا من تداعيات الأزمة الصحية، ومنها منحة العشرة آلاف دينار التي منحت لمئات الآلاف من الأسر، فضلا عن المساعدات الأخرى المتعددة الأشكال. ومهما يكن ويقال فإن سياسة التضامن ضرورية في مثل هذه الأزمات ولها دور في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي والحفاظ على كرامة المواطن، في انتظار العودة إلى الحياة الطبيعية بعد التغلب على الوباء.