أزمة الأورو جعلتنا أكثر حذرا و لا مفر من إعادة الهيكلة اعترف حميد تمار وزير الاستشراف و الإحصاء أمس أن أزمة العملة الأوروبية جعلت الجزائر أكثر حذرا فيما يتعلق بمعالجة الملفات الاقتصادية، و تخوف الوزير المكلف بالإحصاء و الاستشراف أن يؤدي تفاقم أزمة اليورو إلى المزيد من عدم الاستقرار في الأسواق المالية الأوروبية القريبة منا، كما قال أن عمليات الهيكلة الجديدة للنسيج الاقتصادي الوطني لا مفر منها و لكن التحول الاقتصادي لبلد بكامله يعني وقوع تحولات عميقة في المجتمع و على التوازنات المؤثرة في التناسق الاجتماعي و هو الأمر البالغ الصعوبة حاليا. الوزير تمار الذي نزل ضيفا على جامعة قسنطينة اعترف أنه واجه انتقادات كثيرة أيام توليه حقائب وزارية أكثر ثقلا في الحكومات المتعاقبة منذ تولي الرئيس بوتفليقة زمام السلطة قال أنه كان "يريد دائما أن تمر الإصلاحات و تجري عمليات إعادة الهيكلة، لكن رئيس الجمهورية كان مقابل ذلك يضع مهمته السياسية الأولى المتمثلة في إعادة الاستقرار للجزائر قبل عمليات التحول الاقتصادي، و لذلك كان في كل مرة يغير الحقيبة الوزارية التي أحملها و ألحقني مرة مستشارا بالرئاسة و حين تستقر الأوضاع قليلا يستدعيني لمواصلة العمل على تغيير البنية الاقتصادية للبلاد نحو نمط جديد" يقول الوزير تمار متحدثا في سياق عرضه لكتابه الجديد حول الاقتصاديات الناشئة أمام الأساتذة و الطلبة الذين دعاهم لاقتناء كتابه الغني بالمعلومات و الأرقام محذرا إياهم قبلها بضرورة الإلمام بشيء من اللغة الإنكليزية للتمكن من فهم ما يريد قوله في سياق تشريحه لواقع التحولات الاقتصادية الجارية في الجزائر. المؤلف قال أن الجزائر أمامها مثالان للنمو في آسيا هما كوريا الجنوبية و الصين و لكن في كلتا التجربتين هناك نقائص و نقاط خلاف جوهرية، و علينا التكيف مع محيطنا وواقعنا للقيام بعمليات تحول نحو إقتصاد متكامل لا يعتمد على الأجانب لكي يتحرك و لا يعني أيضا تكرار تجربة المصانع الجاهزة لأن الغربيين يبيعوننا آلات و لما نتقن العمل بها يغيرون الآلة و هو سر الفشل الذريع لتجربة التصنيع في السبعينات حسب الوزير تمار التي لم تحقق غرض نقل التكنولوجيا. النقد الحاد للتجربة السابقة لم يمنع الوزير من المرافعة لصالح تركيز الشركات الصناعية الوطنية البالغ عددها 400 مؤسسة في ثمانين شركة مملوكة للدولة حول قطاعات كبرى تمتلك إستراتيجيات عمل و نمو واضحة و مدروسة، أما بقية المؤسسات الفاشلة و التي تعيش على مساعدات الخزينة العمومية فمآلها الزوال، لكن كيفية القيام بتلك الخطوة يحتاج إلى نقاش بين الخوصصة كلية لصالح رأس المال الوطني و الأجنبي أم الخوصصة الاجتماعية بالتنازل عن تلك المؤسسات لصالح عمالها، مشيرا أن القطاع الصناعي العمومي يشغل 250 ألف شخص و يساهم بنسبة 75 إلى 80 بالمئة من الناتج الداخلي الخام. من جانب آخر ذكر الوزير أن الأزمة العالمية الحالية التي ضربت دول منطقة "اليورو" ليست أزمة بنوك بل هي أزمة أسواق مالية و من خلالها برزت الحاجة إلى تنظيم السوق، لأن السوق هي ساحة عرض و طلب و مكان تجاذب بين قوى مختلفة و تحتاج إلى تنظيم بدل أن تكون هي أداة تنظيم مثلما كانت تروج بعض النظريات، و في السياق نفسه قال المتحدث أن عملية فتح رأس مال بنكي القرض الشعبي الجزائري و بنك التنمية المحلية الذي تم توقيفه، سينطلق من جديد في إطار برنامج لهيكلة القطاع البنكي الذي لا يزال بنسبة 85 بالمئة عموميا. الوزير حاول تبرير غياب الإقلاع الإقتصادي السريع بالقول أن متغيرات عديدة طرأت منذ بداية الألفية و التي جعلت العالم المعاصر في ظل العولمة يغير موازين القوة في فضاءات شتى منها الفضاء الأورو متوسطي، و حتى سياسات البنك الدولي التي كانت تملي كيفيات القيام بالتحولات الاقتصادية و التي كانت موجهة لدول المعسكر الشرقي من أوروبا الاشتراكية تبين أنها كانت خاطئة و لم تأخذ بعين الاعتبار ضرورة بعث عجلة الإنتاج و اكتفت بتغيير الأنظمة، و حين تغيرت الأنظمة و الطرق بقيت آلة الإنتاج عاطلة و لم يحقق التحول الكلاسيكي مبتغاه في تحقيق النمو. الوزير تمار المكلف بالإحصاء و الاستشراف قال أن الجزائر تعمل بقانون مالية لا علاقة له بالواقع المالي و لا بإيرادات الجزائر الحقيقة، و لا يزال يعتمد 35 دولارا لبرميل البترول بينما الحقيقة أن سعره يتجاوز المئة دولار، و يتم تحويل الجزء الفائض من عائدات البترول إلى صندوق الضمان الذي مهمته تغطية العجز المتوقع في الميزانية، و تساءل الوزير لماذا نقوم بهذا النوع من رياضة الجمباز المالي حينما يكون بمقدورنا إعداد قانون مالية على أساس سعر 80 دولار لبرميل النفط. الوزير اعترف أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة خارج المحروقات تراجعت إلى 500 مليون دولار بعدما بلغت المليار و مئتي مليون دولار سنة 2008 و قال أن حقيقة تلك الأرقام تؤخذ من بيانات تدفق السيولة المالية لدى البنك المركزي الجزائري و ليس من أرقام الوكالة الوطنية لترقية و دعم الاستثمار. ع.شابي