يعتبر البروفيسور عميرش نذير أستاذ التعليم العالي في القانون الدستوري أن مشروع التعديل الدستوري يضمن الفصل بين السلطات ويكفل استقلالية القضاء مع حماية كاملة للمحامي، كما يعتبر الرقابة الدستورية نقطة قوة غير مسبوقة في تاريخ الدساتير ببلادنا. حاورته : نرجس كرميش الرئيس السابق للجنة العلمية لقسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة الإخوة منتوري قسنطينة و رئيس المجلس الشعبي الولائي لولاية قسنطينة سابقا يؤكد أن الجزائر ستدخل مرحلة جديدة بمؤسسات جديدة سيكون للشباب والمجتمع المدني فيها الدور الكبير ، ما سيعيد رسم الخارطة السياسية في إطار ثنائية السلطة التنفيذية مع تعزيز الرقابة البرلمانية وتمكين المعارضة من مراقبة عمل الحكومة، كما سيكون النظام السياسي أكثر وضوحا واستقرارا برأيه. لأول مرّة في تاريخ الدساتير الجزائرية يتم تفعيل الرقابة الدستورية * تاريخيا عرفت بلادنا أربعة استفتاءات على الدستور سنوات 1963 و1976 و 1989 و1996 و هي تواريخ مفصلية شهدت تغييرات هامة في النظام، واستفتاء الفاتح نوفمبر يأتي ضمن مسعى بناء جزائر جديدة، ما هي نقاط التقاطع والاختلاف بين مختلف المحطات الاستفتائية؟ - حقيقة عرفت الجزائر أربعة دساتير منذ استقلالها سنة 1962، بداية بدستور 1963 الذي وضعه مجلس تأسيسي منتخب من قبل الشعب الجزائري ، مرورا بدساتير 1976 و 1989 و وصولا إلى دستور 1996 ، و قد مرّت هذه الأخيرة عبر الاستفتاء الشعبي ، مع العلم أنّ هذه الدساتير كانت محل تعديلات عبر المصادقة البرلمانية كان آخرها التعديل الدستوري لسنة 2016 موضوع المراجعة الدستورية الحالية عبر الاستفتاء الشعبي على مشروع تعديل الدستور المصادق عليه برلمانيا و المقرّر إجراؤه في الفاتح من شهر نوفمبر 2020 المقبل ، و إذا ما نال موافقة الشعب السيّد عليه سيصدر في الجريدة الرسمية بوصفه خامس دستور للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية . المشروع منح للمجتمع المدني مكانة مرموقة و إذا كان دستور رئيس الجمهورية الأسبق أحمد بن بلة لسنة 1963 قد جاء مِؤسّسا لمؤسسات دولة جزائرية حديثة العهد بالاستقلال ، و قد ميّزه ظرف الاستعجال في وضعه و شهد جدالا كبيرا في إعداده داخل المجلس التأسيسي المنتخب خصيصا لهذا الغرض ، ثم تقرّر تجميد العمل بأحكامه بعد التصحيح الثوري الذي قاده وزير الدفاع الأسبق هواري بومدين في الفترة الممتدة من سنة 1965 إلى أن استفتي الشعب على مشروع الدستور الذي بادر به الرئيس بومدين سنة 1976 في ظروف وطنية ميّزتها الثورات الزراعية و الصناعية و الثقافية، في ظلّ الحزب الواحد سياسيا و النظام الاشتراكي اقتصاديا، و أخرى دولية عرف العالم خلالها بروز حركة عدم الانحياز في مواجهة نظام عالمي جديد و حرب باردة بين المعسكرين الشرقي و الغربي ، ليلجأ رئيس الجمهورية الأسبق الشاذلي بن جديد مجدّدا إلى إرادة الشعب مباشرة، مستفتيا إياه على مشروع تعديل دستور جديد سنة 1989 ، عقب أحداث دامية شهدتها البلاد إثر مظاهرات أكتوبر 1988 ، ونفس الشيء قام به رئيس الجمهورية الأسبق اليامين زروال سنة 1996 أين أقرّ الشعب عبر الاستفتاء مشروع دستور جديد جاء في ضوء انسداد مؤسّساتي داخل الدولة و بروز أعمال الإرهاب في مختلف أرجاء الوطن ، فتم وصف تلك الدساتير جميعها بدساتير أزمات . إنّ ما يميّز مشروع تعديل الدستور الذي بادر به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون المعروض على الاستفتاء الشعبي في الفاتح من شهر نوفمبر 2020 أنّه - بالرغم من كونه جاء بعد انتخابات رئاسية جرت يوم 12 ديسمبر 2019 لمعالجة شغور منصب رئيس الجمهورية المستقيل مكرها بعد خروج الشعب الجزائري في حراك شعبي في خضم تحوّلات سياسية و اجتماعية كبيرة - حاول رئيس الجمهورية تفادي وصفه مستقبلا بدستور أزمة مثل سابقيه من خلال حرصه على أن يكون دستورا توافقيا بإشراك الطبقة السياسية و الشخصيات الوطنية و الأكاديمية و منظمات و جمعيات المجتمع المدني و وسائل الإعلام في إثراء مسوّدة مشروع تعديل الدستور التي أعدّتها لجنة الخبراء المكلّفة من قبل رئيس الجمهورية بصياغة اقتراحات مراجعة الدستور، وذلك بهدف أن يعمّر هذا الدستور طويلا من خلال التعديلات العميقة و الجوهرية لكلّ محاور التعديل الدستوري لسنة 2016 من أجل تجسيد ما وعد به رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي المتضمّن 54 التزاما ضمن مسعى بناء جمهورية جديدة ، وتجسّد ذلك الحرص في رسالة التكليف التي وجّهها رئيس الجمهورية إلى لجنة الخبراء، و كذلك في رسالته التي وجّهها إلى الهيئات و الشخصيات التي ذكرناها سابقا مرفقة بالمسودة الأولية لمشروع التعديل الدستوري، قصد إثرائها قبل صياغة مشروع القانون المتضمّن مشروع تعديل الدستور الذي صادق عليه البرلمان لاحقا. الجزائر مقبلة على مرحلة جديدة بمؤسّسات جديدة * تضمن المشروع التمهيدي لتعديل الدستور 225 مادة، وهو ما يراه بعض القانونيين مكثفا، فيما يعتبره البعض الآخر حتمية نظرا للظروف التي جاء في سياقها الدستور وما تتطلبه من تصحيحات بقوة القانون الأول للبلاد، كيف ترى المشروع من هذا الجانب ؟ وهل هناك ما يبرر رفع عدد المواد؟ - حقيقة أنّه من المتعارف عليه أنّ الدستور كأسمى وثيقة في هرم المنظومة القانونية للدولة و كقانون أساسي للبلاد يتضمّن أحكاما و مبادئ دستورية عامة و يترك تفصيلها وتجسيدها للقوانين العضوية و العادية، لكن ما يعاب على مشروع تعديل الدستور الحالي أنّه تضمّن رفعا من عدد المواد مقارنة بالدستور الحالي بدلا من خفضها ، لكن أعتقد أنّه بالنظر إلى ما عاناه الشعب الجزائري من مساس بمجمل حقوقه الأساسية و حرّياته العامة و الاختلالات التي شهدها تنظيم السلطات العامة في الدولة و مؤسساتها الدستورية الأخرى خلال السنوات الأخيرة التي أدّت إلى انتفاضة شعبية مطالبة بالتغيير الجذري للنظام السياسي و لمنظومة الحقوق و الحرّيات خصوصا ،ضمن واضعو مشروع تعديل الدستور هذه الوثيقة تلك الأحكام التفصيلية كضمانات دستورية يحتكم إليها من قبل الجميع أفرادا و مؤسسات و هيئات عند أي منازعة بشأنها . الدستور الجديد سيعيد رسم الخريطة السياسية * الديباجة أيضا طرحت قراءات مختلفة بسبب ما تضمنته من معطيات وصفت بالغزيرة، باعتبارك متخصصا في القانون الدستوري، ما أهمية الديباجة وما قراءتك لما جاء فيها؟ - تعد ديباجة الدستور بما تضمّنته من فقرات غزيرة - تم تقليصها في الوثيقة النهائية لمشروع تعديل الدستور- واجهة و أرضية و أساس ما تضمّنه صلب الدستور و متنه من أحكام ، و عادة ما تشمل الديباجة مختلف المراحل الحاسمة في تاريخ الشعب و الأمة وتبيّن ثوابته و هويّته و قيمه الوطنية، وهي المبادئ العامة التي تحكم المجتمع و منها تلك التي تحكم الدولة مثل التمثيل الديمقراطي و الحقوق و الحرّيات و الفصل بين السلطات و العدالة الاجتماعية ، و تمسّك الدولة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، و ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو دسترة بيان أول نوفمبر 1954 لأوّل مرة في تاريخ الدساتير الجزائرية منذ الاستقلال، باعتباره نقطة تحوّل فاصلة في تقرير مصير الشعب الجزائري في التحرّر من الاستعمار الفرنسي الغاشم و في بناء دولة ديمقراطية مزدهرة ، و تبقى الديباجة جزءا لا يتجزّأ من الدستور من حيث قوّتها الالزامية . * يعد الفصل بين السلطات أهم مبدأ بني عليه التعديل الدستوري وفق ما أكده رئيس الجمهورية و معدو الوثيقة ، كيف تجسد ذلك ؟ - لقد حظي تنظيم السلطات و الفصل بينها بمكانة هامة في مشروع تعديل الدستور، بدءا بديباجته التي جاء فيها أنّ الدستور يكفل الفصل بين السلطات و التوازن بينها ، مرورا بالباب الأول الموسوم بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، حيث ورد بالفصل الثالث منه المتعلّق بالدولة المادة 16 مكرّسة للفصل بين السلطات ضمن المبادئ التي تقوم عليها الدولة الجزائرية ، وصولا إلى الباب الثالث الذي خصّصه المشروع لتنظيم السلطات و الفصل بينها ، و الذي حمل الجديد مقارنة بالدستور الحالي، سواء من حيث الشكل بتفصيل الباب إلى أربعة فصول خاصة بكلّ من رئيس الجمهورية و الحكومة و البرلمان و القضاء، أو من حيث الموضوع أين يلاحظ تقليصا لبعض صلاحيات رئيس الجمهورية لفائدة الوزير الأول أو رئيس الحكومة - حسب الحالة - مع إحداث الانسجام بينهما في إطار ثنائية السلطة التنفيذية ، هذا من جهة ، و لفائدة كل من سلطتي البرلمان و القضاء مع إحداث التوازن بين السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية من جهة أخرى . رئيس الحكومة سيتمتّع بصلاحيات أوسع * يمنح المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري للأغلبية البرلمانية قوة أكبر ويعطي رئيس الحكومة صلاحيات أوسع، هل سيمكن ذلك من إعادة رسم الخارطة السياسية والتأسيس لديموقراطية تشاركية فعلية؟ ج 5 - الجديد في مشروع تعديل الدستور هو وضع فرضية ثانية تتمثّل في حالة ما إذا أفرزت الانتخابات التشريعية أغلبية برلمانية غير موالية و غير منسجمة مع الأغلبية الرئاسية ، و هنا يقوم رئيس الجمهورية وجوبا بتعيين رئيس للحكومة من ضمن الأغلبية البرلمانية و يكلّفه بتشكيل الحكومة و إعداد برنامج الأغلبية البرلمانية ، فيكون للبرلمان دور كبير في توجيه و إقرار السياسة العامة للدولة و تجسيد برنامج الأغلبية البرلمانية عن طريق الحكومة المنبثقة عنه و المنفّذة لإرادته ، خصوصا و أنّ رئيس الحكومة يتمتّع بصلاحيات أوسع في مشروع التعديل الدستوري ، لاسيما ما تعلّق بكونه هو من يشكّل الطاقم الحكومي و يعدّ برنامج الأغلبية البرلمانية و يوجّه و ينسّق و يراقب عمل الحكومة و يعيّن في الوظائف المدنية للدولة التي لا تندرج ضمن سلطة التعيين لرئيس الجمهورية أو تلك التي يفوّضها له هذا الأخير، بالإضافة إلى منحه حقّ إخطار المحكمة الدستورية ، وهي مسائل جديدة وردت في مشروع تعديل الدستور ، ستعيد رسم خريطة سياسية جديدة بكل تأكيد في هذه الحالة طبعا . التعديلات ستحدث انسجاما في إطار ثنائية السلطة التنفيذية * بين الأغلبية البرلمانية والأغلبية الرئاسية هل يمكن القول أن الجزائر خرجت من النظام شبه الرئاسي لتدخل مرحلة النظام شبه البرلماني؟ - وضع مشروع تعديل الدستور فرضيتين لتحقيق الانسجام بين مؤسسات الدولة - لتفادي الوقوع في انسداد مؤسّساتي بين البرلمان من ناحية و بين رئاسة الجمهورية من ناحية ثانية و بين رئاسة الجمهورية و الحكومة من ناحية ثالثة ، ففي حالة ما أسفرت الانتخابات التشريعية أغلبية موالية و منسجمة مع الأغلبية الرئاسية فرئيس الجمهورية يعيّن وزيرا أول يقترح تشكيلة الحكومة التي يعيّن رئيس الجمهورية أعضاءها و يقوم الوزير الأول بإعداد مخطط عمل الحكومة المطبّق لبرنامج رئيس الجمهورية، مع تمتّع الوزير الأول ببعض الصلاحيات ستكون أوسع مما هي عليه الآن في الدستور الحالي ، و هذه هي الفرضية الأولى التي تكرّس لنظام سياسي أقرب إلى النظام شبه الرئاسي ، و في حالة ما إذا أسفرت الانتخابات التشريعية أغلبية برلمانية معارضة للأغلبية الرئاسية فإنّ رئيس الجمهورية ملزم بتعيين رئيس للحكومة من الأغلبية البرلمانية و يكلّفه بتشكيل أعضاء حكومته و إعداد برنامج الأغلبية البرلمانية و لرئيس الحكومة صلاحيات هامة ؛ وهذه هي الفرضية الثانية التي تدخل الجزائر حتما في حال تحقّقها في نظام سياسي شبه برلماني ، و بذلك يكون النظام السياسي الجزائري في ظلّ مشروع تعديل الدستور أكثر وضوحا و استقرارا بخلاف ما هو عليه الحال في الدستور الحالي الساري المفعول ، و هذا مؤشّر إيجابي و قوي لأن يكون الدستور الجديد - في حالة ما إذا صادق الشعب الجزائري، السيّد، على مشروع تعديل الدستور بالموافقة - دستور مؤسسات دولة و ليس دستور رئيس أو دستور أزمة ، و هو ما من شأنه أن يجعله يعمّر طويلا مقارنة بالدستور الحالي و الدساتير السابقة منذ الاستقلال . تنظيم السلطات و الفصل بينها حظي بمكانة هامة في مشروع تعديل الدستور * ورد ذكر الشباب ضمن التعديلات لأكثر من عشر مرات، ما يعني في نظر مختصين أن الجزائر مقبلة على مرحلة جديدة يؤسس لها الدستور الجديد، هل يتطلب ذلك ترسانة قانونية مرافقة؟ وما هي قراءتك لهذا العنصر ؟ بالفعل إنّ مشروع تعديل الدستور خصّص حيّزا هاما للشباب في مختلف محاوره بدءا بالديباجة - و هي جزء لا يتجزّأ من الدستور- حيث تضمّن ضرورة إشراك الشباب الجزائري - اعترافا بالطاقة الهائلة التي يشكّلها و بتطلّعاته و إصراره على رفع التحدّيات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للبلاد - في عملية البناء و المحافظة على مصالح الأجيال القادمة بضمان تكوين نوعي له تتولاّه مؤسسات الدولة و المجتمع ، و مرورا بتمكينه وفقا للمادة 73 من المشروع، من الحقّ في أن تشجّع الدولة الشباب على المشاركة في الحياة السياسية ، و وصولا إلى تكريس المجلس الأعلى للشباب ضمن الهيئات الاستشارية لدى رئيس الجمهورية، و الذي صرّح كذا مرّة بأنّه يعوّل كثيرا على الشباب في تجسيد التزاماته 54 الذي تعدّ شؤونه و قضاياه جزءا منها ، وقوله دوما بأنّه مرشح الشباب و المجتمع المدني فقط دون سواهما ، و أنّه سيدرج ضمن المنظومة الانتخابية أحكاما في صالح تحفيز الشباب على ولوج المجالس المنتخبة الوطنية و المحلية بقوة و بدعم مالي من ميزانية الدولة مما يسهم أيضا في القضاء على المال الفاسد و تطهير العمل السياسي داخل المؤسسات التمثيلية للشعب التي نخرها الفساد . وبذلك ستكون الجزائر مقبلة حقّا على مرحلة جديدة بمؤسّسات جديدة في ظلّ منظومة دستورية جديدة، تتطلّب إعادة النظر في منظومة قوانين الجمهورية في أجل معقول مثلما جاء في الأحكام الانتقالية لمشروع تعديل الدستور، حتى تتكيّف معه بعد صدوره في الجريدة الرسمية إذا ما صادق عليه الشعب الجزائري السيّد طبعا ، و من جملة تلك القوانين العضوية المعنية بالتعديل كأولوية نذكر القانون العضوي المتعلّق بنظام الانتخابات، و من جملة المراسيم الرئاسية المعنية بالصدور، نذكر المرسوم الرئاسي الذي يحدّد تشكيلة المجلس الأعلى للشباب و مهامه . الوثيقة تضمنت أحكاما تفصيلية كضمانات دستورية يحتكم إليها * من يتمعن في فحوى التعديلات يجد أن السلطة التشريعية سيتعزز دورها الرقابي من خلال المساءلة والتحقيق و الاستعلام، ومن جهة أخرى سيتم تفعيل دور المجتمع المدني في تسيير الشأن العام، كيف ترى هذه المعادلة؟ ج8 - التعديلات الدستورية التي تضمّنها مشروع تعديل الدستور في ما يخص تعزيز الرقابة البرلمانية - التي كانت ضمن محاور رسالة التكليف التي وجّهها رئيس الجمهورية إلى لجنة الخبراء - انصبّت على عمل الوزارة الأولى و الحكومة - حسب الحالة - بنفس المستوى، سواء في ما تعلّق بالموافقة على مخطّط عمل الوزير الأول المطبّق لبرنامج رئيس الجمهورية أو برنامج عمل الحكومة المطبّق لبرنامج الأغلبية البرلمانية - حسب الحالة - و الأسئلة و الاستجواب و التحقيق و الاستعلام، و تمكين المعارضة البرلمانية أيضا من مراقبة نشاط الحكومة ... الخ ؛ و في المقابل نجد نفس المشروع قد منح للمجتمع المدني مكانة مرموقة تضمّنتها أحكامه ، بداية من ديباجة الدستور التي جاء فيها أنّ الشعب الجزائري يعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات أساسها مشاركة كل المواطنين و المجتمع المدني بما فيه الجالية الجزائرية في الخارج في تسيير الشؤون العمومية ، و أيضا ما ورد بالمادة 10 منه: « تسعى الدولة إلى تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية « و كذلك ما تضمّنته المادة 17 منه بقولها : « تشجّع الدولة الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية ، لاسيما من خلال المجتمع المدني « ، بالإضافة إلى دسترة المرصد الوطني للمجتمع المدني كهيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية ، من مهامها ترقية القيم الوطنية و الممارسة الديمقراطية و المواطنة و يشارك مع المؤسسات الأخرى في تحقيق أهداف التنمية الوطنية ، و هي معادلة هامة مبنية على التكامل بين المجالس المنتخبة التي تضمّ ممثّلي الأحزاب السياسية و القوائم الحرّة المشاركة في الانتخابات في إطار الديمقراطية التمثيلية ، و صلاحياتها محدّدة في القوانين المنظّمة لها و المحدّدة لمهامها و صلاحياتها من جهة، و بين جمعيات و منظّمات المجتمع المدني كقوة اقتراح و مرافقة لممثلي الشعب في المجالس المنتخبة في إطار الديمقراطية التشاركية التي يتعيّن الإسراع في إصدار القانون الخاص بها المحدّد لمهام المجتمع المدني في هذا الصدد ، تفاديا لأيّ تداخل أو تصادم بين مقتضيات الديمقراطية التمثيلية و بين مقتضيات الديمقراطية التشاركية . التعديلات العميقة و الجوهرية هدفها أن يعمّر الدستور طويلا * تقرر إنشاء محكمة دستورية وإعادة النظر في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء واستحداث المحكمة العليا للدولة ، برأيك هل سيمكن ذلك من تحقيق استقلالية أكبر للقضاء؟ - لأول مرّة في تاريخ الدساتير الجزائرية تتمّ دسترة محكمة دستورية كمؤسّسة رقابية مستقلة ذات طابع قضائي تصدر قرارات بشأن مطابقة العمل التشريعي و التنظيمي مع أحكام الدستور و تبتّ في الخلافات بين المؤسسات الدستورية و في الحصانة البرلمانية ... الخ ، و تضمّ تشكيلتها 12 عضوا يتوزعون كالآتي: 6 أساتذة في القانون الدستوري منتخبون و عضو من المحكمة العليا و عضو من مجلس الدولة ينتخبان من نظرائهما - حسب الحالة- و 4 أعضاء بما فيهم رئيس المحكمة يعيّنهم رئيس الجمهورية ممّن لهم خبرة قانونية لمدة 20 سنة و لهم تكوينا في القانون الدستوري. و جميع الأعضاء وجب أن يكونوا غير متحزّبين ، خلافا للمجلس الدستوري في الدستور الحالي كهيئة ذات طابع سياسي يصدر آراء و تركيبته يغلب عليها الطابع السياسي باعتبار أن ثلثي أعضائه يمثّلون السلطتين التشريعية و التنفيذية ، و من دون شك سيؤدي الدستور الجديد في حالة إقراره من قبل الشعب السيّد في استفتاء الفاتح من نوفمبر القادم بإذن الله إلى تفعيل الرقابة الدستورية من قبل المحكمة الدستورية كمؤسّسة مكلّفة بضمان احترام الدستور و تضبط سير المؤسسات و نشاط السلطات العمومية . و نفس الشيء بالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء الذي حظي بتعديلات عميقة و جوهرية في مشروع تعديل الدستور، حيث أصبح هو الضامن لاستقلالية القضاء و ليس رئيس الجمهورية مثلما هو مكرّس في الدستور الحالي ، كما أنّ تركيبته تغيّرت جذريا بعدما تم استبعاد وزير العدل حافظ الاختام و النائب العام لدى المحكمة العليا من العضوية به ، إذ بالرغم من الابقاء على رئيس الجمهورية كرئيس للمجلس ، إلاّ أن ّ التعديلات تنص على إمكانية أن يكلّف رئيس الجمهورية الرئيس الأول للمحكمة العليا برئاسة المجلس و أيضا جعل الرئيس الأول للمحكمة العليا هو نائب رئيس المجلس ، مع إدراج في تشكيلة المجلس كلاّ من رئيس مجلس الدولة و 15 قاضيا منتخبون من نظرائهم، بحيث أنّ الثلثين منهم هم قضاة حكم بالقضاء العادي و القضاء الإداري - حسب الحالة - و الثلث الآخر هم قضاة نيابة و محافظو الدولة بكل من القضاء العادي و القضاء الإداري - حسب الحالة –إلى جانب عضوين من نقابة القضاة و ست شخصيات يختارون بحكم كفاءاتهم من خارج سلك القضاء يعيّنون على النحو التالي: اثنان من طرف رئيس الجمهورية و اثنان من طرف رئيس المجلس الشعبي الوطني و اثنان من طرف رئيس مجلس الأمة من غير أعضاء البرلمان ، ما من شأنه أن يكون له أثر إيجابي سيعزّز من استقلالية القضاء الجزائري التي ستصبح بيد القضاة ، لاسيما أنّ المجلس الأعلى للقضاء هو من يسهر على احترام أحكام القانون الأساسي للقضاء و على رقابة انضباط القضاة تحت رئاسة الرئيس الأول للمحكمة العليا بقوة الدستور في هذه الحالة الأخيرة ، ناهيك على أنّ قاضي الحكم غير قابل للنقل إلاّ ضمن الشروط و الضمانات المحدّدة قانونا و بموجب قرار معلّل من المجلس الأعلى للقضاء. التعديلات تكفل الحماية للمحامي و نفس الشيء مقرّر بالنسبة لمسألة عزل القاضي أو إمكانية إيقافه عن العمل أو إعفائه أو تسليط عقوبة تأديبية عليه أثناء ممارسة مهامه أو بسببها ، مع تكريس حقّ القاضي في إخطار المجلس في حال تعرّضه لأي مساس باستقلاليته ، ضف إلى ذلك أنّ المجلس هو من يقرّر- طبقا للشروط التي يحدّدها القانون - تعيين القضاة و نقلهم و مسارهم الوظيفي . كما أنّ التعيين في الوظائف القضائية النوعية الذي يصدر بمرسوم رئاسي يكون بعد رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء ، كما يبدي هذا الأخير رأيا استشاريا قبليا في ممارسة رئيس الجمهورية حقّ العفو. الضمانات الدستورية الجديدة قوية في التجسيد الفعلي لقضاء جديد كسلطة مستقلة و عليه و تبعا لكلّ ما سبق ذكره و بيانه، فإنّ الضمانات الدستورية الجديدة قوية في التجسيد الفعلي لقضاء جديد كسلطة مستقلة لا يخضع القاضي فيها إلاّ للقانون ، و يستفيد المحامي في ضوئها من كلّ الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط و تمكّنه من ممارسة مهنته بكل حرّية في إطار القانون ، و هي المسائل التي وردت في أحكام مشروع تعديل الدستور بكلّ وضوح في مبناها و معناها ، على أمل البدء في تجسيدها فعلا، إذا ما صادق الشعب الجزائري السيّد على مشروع تعديل الدستور المعروض على الاستفتاء في الفاتح من شهر نوفمبر المقبل بمشيئة الله . المجلس الأعلى للقضاء سيصبح هو الضامن لاستقلالية القضاء و ليس رئيس الجمهورية * من التعديلات التي أثارت تساؤلات، إقرار إمكانية وضع تدابير خاصة لبعض البلديات محدودة التنمية ضمن مسعى إحداث توازن اجتماعي، كمنتخب سابق ما الذي ستضيفه هذه المادة للجماعات المحلية والتنمية عموما؟ - ما ورد في مسوّدة المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري للجنة الخبراء من النّص على إمكانية وضع نظام قانوني لبعض البلديات قد أحدث جدالا كبيرا بين رجال القانون و السياسيين وغيرهم من المهتمين بفعل التخوّف من التمييز بين الجماعات المحلية في دولة بسيطة و موحّدة و ليست دولة فدرالية أو اتحادية ، و لتفادي أي لبس أو غموض في هذا الشأن تمّ الاستجابة لمقترحات الطبقة السياسية و الأكاديميين وأنا واحد منهم كأكاديمي و كمنتخب سابق على رأس المجلس الشعبي الولائي لولاية قسنطينة ، وذلك بوضع نص جديد تضمّنته المادة 17 من مشروع تعديل الدستور يتمثّل في إمكانية أن يخصّ القانون بعض البلديات الأقل تنمية بتدابير خاصة بغرض تحقيق توازن اقتصادي و اجتماعي للبلديات محدودة التنمية و تكفّل أفضل باحتياجات سكانها ، و هو ما من شأنه القضاء على التفاوت الجهوي في مجال التنمية الذي يعدّ أحد غايات المؤسسات التي يختارها الشعب وفقا لأحكام المادة 9 منه ، و بالنتيجة سيكون لذلك أثره الإيجابي على روح المبادرة و خلق الثروة المحلية قصد بلوغ تنمية محلية مستدامة بتلك البلديات المعنية بالتدابير الخاصة ضمن قانون واحد موحّد للبلدية .